الباحث القرآني

(p-٢٩٠)قوله عزّ وجلّ: ﴿أذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلا أمْ شَجَرَةُ الزَقُّومِ﴾ ﴿إنّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظّالِمِينَ﴾ ﴿إنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ في أصْلِ الجَحِيمِ﴾ ﴿طَلْعُها كَأنَّهُ رُءُوسُ الشَياطِينِ﴾ ﴿فَإنَّهم لآكِلُونَ مِنها فَمالِئُونَ مِنها البُطُونَ﴾ ﴿ثُمَّ إنَّ لَهم عَلَيْها لَشَوْبًا مِن حَمِيمٍ﴾ ﴿ثُمَّ إنَّ مَرْجِعَهم لإلى الجَحِيمِ﴾ ﴿إنَّهم ألْفَوْا آباءَهم ضالِّينَ﴾ ﴿فَهم عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ﴾ الألِفُ مِن قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ "أذَلِكَ"﴾ لِلتَّقْرِيرِ، والمُرادُ تَقْرِيرُ قُرَيْشٍ والكُفّارِ، وجاءَ ﴿خَيْرٌ نُزُلا﴾ بِلَفْظَةِ التَفْضِيلِ بَيْنَ شَيْئَيْنِ لا اشْتِراكَ بَيْنَهُما مِن حَيْثُ كانَ الكَلامُ تَقْرِيرًا، والِاحْتِجاجُ يَقْتَضِي أنْ يُوقِفَ المُتَكَلِّمُ خَصْمَهُ عَلى قِسْمَيْنِ أحَدُهُما فاسِدٌ، ويَحْمِلَهُ بِالتَقْرِيرِ عَلى اخْتِيارِ أحَدِهِما، ولَوْ كانَ الكَلامُ خَبَرًا لَمْ يَجُزْ ولا أفادَ أنْ يَقُولَ: الجَنَّةُ خَيْرٌ مِن شَجَرَةِ الزَقُّومِ. وأمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا﴾ [الفرقان: ٢٤] فَهَذا عَلى اعْتِقادِهِمْ في أنَّ لَهم مُسْتَقَرًّا خَيْرًا، وقَدْ تَقَدَّمَ إيعابُ هَذا المَعْنى. وفي بَعْضِ البِلادِ الجَدْبَةِ المُجاوِرَةِ لِلصَّحارى شَجَرَةٌ مُرَّةٌ مَسْمُومَةٌ لَها لَبَنٌ إنْ مَسَّ جِسْمَ أحَدٍ تَوَرَّمَ وماتَ مِنهُ في أغْلَبَ الأمْرُ، تُسَمّى شَجَرَةَ الزَقُّومِ، والتَزَقُّمُ في كَلامِ العَرَبِ: البَلْعُ عَلى شِدَّةٍ وجَهْدٍ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظّالِمِينَ﴾، قالَ قَتادَةُ، ومُجاهِدٌ، والسُدِّيُّ: يُرِيدُ أبا جَهْلٍ ونُظَراءَهُ، وذَلِكَ أنَّهُ لَمّا نَزَلَتْ قالَ الكُفّارُ: وكَيْفَ يُخْبِرُ مُحَمَّدٌ عَنِ النارِ أنَّها تُنْبِتُ الأشْجارَ وهي تَأْكُلُها وتُذْهِبُها؟ فَفَتَنُوا بِذَلِكَ أنْفُسَهم وجَهَلَةً مِن أتْباعِهِمْ، وقالَ أبُو جَهْلٍ: إنَّما الزَقُّومُ التَمْرُ بِالزُبْدِ، ونَحْنُ نَتَزَقَّمُهُ. وقَوْلُهُ: ﴿فِي أصْلِ الجَحِيمِ﴾ مَعْناهُ مُلاصِقٌ نِهاياتِها الَّتِي لَها كالجُدْرانِ، وفي قِراءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: [إنَّها شَجَرَةٌ ثابِتَةٌ في أصْلِ الجَحِيمِ]. وقَوْلُهُ: ﴿كَأنَّهُ رُءُوسُ الشَياطِينِ﴾ اخْتَلَفَ الناسُ في مَعْناهُ، فَقالَتْ فِرْقَةٌ: شُبِّهَ بِثَمَرِ شَجَرَةٍ مَعْرُوفَةٍ يُقالُ لَها: رُؤُوسُ الشَياطِينِ، وهي بِناحِيَةِ اليَمَنِ، يُقالُ لَها: أسْتَنٌ، وهي الَّتِي ذَكَرَ النابِغَةُ في قَوْلِهِ:(p-٢٩١) ؎ مِن أسْتَنٍ سُودٍ أسافِلُهُ ويُقالُ: إنَّهُ الشَجَرُ الَّذِي يُقالُ لَهُ: الصَوْمُ، وهو الَّذِي يَعْنِي ساعِدَةُ بْنُ جُؤَيَّةَ في قَوْلِهِ: ؎ مُوَكَّلٌ بِشُدُوفِ الصَوْمِ يَرْقُبُها ∗∗∗ ∗∗∗ مِنَ المَعازِبِ مَخْطُوفُ الحَشا زَرِمُ وقالَتْ فِرْقَةٌ: شُبِّهَ بِرُؤُوسِ صِنْفٍ مِنَ الحَيّاتِ يُقالُ لَهُ: الشَياطِينُ، وهي ذَواتُ أعْرافٍ، ومِنهُ قَوْلُ الشاعِرِ: ؎ عنجَرِدٌ تَحْلِفُ حِينَ أحْلِفُ ∗∗∗ ∗∗∗ كَمِثْلِ شَيْطانِ الحَماطِ أعْرَفُ وقالَتْ فِرْقَةٌ: شُبِّهَ بِما اسْتَقَرَّ في النُفُوسِ مِن كَراهَةِ رُؤُسِ الشَياطِينِ وقُبْحِها وإنْ (p-٢٩٢)كانَتْ لَمْ تُرَ، وهَذا كَما تَقُولُ لِلْأشْعَثِ المُنْتَفِشِ الشَعْرِ الكَرِيهِ المَنظَرِ: هَذا وجْهُ شَيْطانٍ، ونَحْوُ هَذا قَوْلُ امْرِئِ القَيْسِ الكَنَدِيِّ: ؎ أيَقْتُلُنِي والمَشْرَفِيُّ مُضاجِعِي ∗∗∗ ∗∗∗ ومَسْنُونَةٌ زُرْقٌ كَأنْيابِ أغْوالِ فَإنَّما شَبَّهَ بِما اسْتَقَرَّ في النُفُوسِ مِن هَيْئَتِها. و"الشَوْبُ": المِزاجُ والخَلْطُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، وقَتادَةُ. وقَرَأ شَيْبانُ النَحْوِيُّ بِضَمِّ الشِينِ، قالَ الزَجّاجُ: فَتْحُ الشِينِ المَصْدَرُ وضَمُّها الِاسْمُ. و"الحَمِيمُ": السُخْنُ جِدًّا مِنَ الماءِ ونَحْوِهُ، فَيُرِيدُ بِهِ هاهُنا شَرابَهُمُ الَّذِي هو طِينَةُ الخَبالِ صَدِيدُهم وما يَنْماعُ مِنهُمْ، هَذا قَوْلُ جَماعَةٍ مِنَ المُفَسِّرِينَ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ثُمَّ إنَّ مَرْجِعَهُمْ﴾ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ لَهُمُ انْتِقالُ أجْسادٍ في وقْتِ الأكْلِ والشُرْبِ ثُمَّ يَرْجِعُونَ إلى مُعْظَمِ الجَحِيمِ، ذَكَرَهُ الرُمّانِيُّ، وشُبِّهَ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿يَطُوفُونَ بَيْنَها وبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ﴾ [الرحمن: ٤٤]، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ الرُجُوعُ إنَّما هو مِن حالِ ذَلِكَ الأكْلِ المُعَذِّبِ إلى حالِ الِاحْتِراقِ دُونَ أكْلٍ، وبِكُلِّ احْتِمالٍ قِيلَ. وفي مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ: [وَأنَّ مُنْقَلَبَهم لَإلى الجَحِيمِ]، وفي كِتابِ أبِي حاتِمٍ عنهُ: "مَقِيلَهُمْ"، مِنَ القائِلَةِ. (p-٢٩٣)وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّهم ألْفَوْا﴾ إلى آخِرِ الآيَةِ تَمْثِيلٌ لِقُرَيْشٍ، و"يُهْرَعُونَ"، قالَ قَتادَةُ، والسُدِّيُّ، وابْنُ زَيْدٍ: مَعْناهُ: يُسْرِعُونَ كَأنَّهم يُساقُونَ بِعَجَلَةٍ، وهَذا تَكَسُّبُهم لِلْكُفْرِ وحِرْصُهم عَلَيْهِ، والإهْراعُ: سَيْرٌ شَدِيدٌ، قالَ مُجاهِدٌ، كَهَيْئَةِ الهَرْوَلَةِ فِيهِ شِبْهُ رَعْدَةٍ، وكَأنَّهُ أيْضًا شِبْهُ سَيْرِ الفازِعِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب