الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قالَ هَلْ أنْتُمْ مُطَّلِعُونَ﴾ ﴿فاطَّلَعَ فَرَآهُ في سَواءِ الجَحِيمِ﴾ ﴿قالَ تاللهِ إنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ﴾ ﴿وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ المُحْضَرِينَ﴾ ﴿أفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ﴾ ﴿إلا مَوْتَتَنا الأُولى وما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾ ﴿إنَّ هَذا لَهو الفَوْزُ العَظِيمُ﴾ ﴿لِمِثْلِ هَذا فَلْيَعْمَلِ العامِلُونَ﴾ فِي الكَلامِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ: فَقالَ لِهَذا الرَجُلِ حاضِرُونَ مِنَ المَلائِكَةِ: إنَّ قَرِينَكَ هَذا في جَهَنَّمَ يُعَذِّبُ، فَقالَ عِنْدَ ذَلِكَ: ﴿هَلْ أنْتُمْ مُطَّلِعُونَ﴾. ويُحْتَمَلُ أنْ يُخاطِبَ بِـ"أنْتُمْ" المَلائِكَةَ، ويُحْتَمَلُ أنْ يُخاطِبَ رُفَقاءَهُ في الجَنَّةِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يُخاطِبَ خَدَمَتَهُ، وكُلُّ هَذا حَكى المَهْدَوِيُّ، وقَرَأ الجُمْهُورُ: ﴿ "مُطَّلِعُونَ"﴾ بِفَتْحِ الطاءِ مُشَدَّدَةً، وقَرَأ أبُو عَمْرٍو - في رِوايَةِ حُسَيْنٍ - بِسُكُونِها مَعَ فَتْحِ النُونِ، وقَرَأ أبُو البَرَهْسَمِ بِسُكُونِها وكَسْرِ النُونِ عَلى أنَّها ضَمِيرُ المُتَكَلِّمِ، ورَدَّ هَذِهِ القِراءَةَ أبُو حاتِمٍ وغَيْرُهُ ولَحَّنُوها؛ وذَلِكَ أنَّها جَمَعَتْ بَيْنَ ياءِ الإضافَةِ ونُونِ المُتَكَلِّمِ، والوَجْهُ أنْ تَقُولَ: "مَطْلِعِيَّ"، ووَجَّهَ القِراءَةَ أبُو الفَتْحِ بْنُ جِنِّيٍّ وقالَ: أنْزَلَ الفاعِلَ مُنْزِلَ الفِعْلِ المُضارِعِ، وأنْشَدَ الطَبَرِيُّ عَلى هَذا: ؎ وما أدْرِي وظَنِّي كُلُّ ظَنٍّ ∗∗∗ أمُسْلِمُنِي إلى قَوْمِي شَراحِي (p-٢٨٨)وَقالَ الفَرّاءُ: يُرِيدُ شَراحِيلَ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: ﴿ "فاطَّلَعَ"﴾ بِصِلَةِ الألِفِ وشَدِّ الطاءِ المَفْتُوحَةِ، وقَرَأ أبُو عَمْرٍو في رِوايَةِ الحُسَيْنِ: بِضَمِّ الألْفِ وسُكُونِ الطاءِ وكَسْرِ اللامَ، وهي قِراءَةُ أبِي البَرَهْسَمِ. قالَ الزَجّاجُ: هي قِراءَةُ مَن قَرَأ: "مُطْلِعُونِ" بِكَسْرِ النُونِ، ورُوِيَ أنْ لِأهْلِ الجَنَّةِ كُوىً وطاقاتٍ يُشْرِفُونَ مِنها عَلى أهْلِ النارِ إذا شاؤُوا عَلى جِهَةِ النِقْمَةِ والعِبْرَةِ؛ لِأنَّهم لَهم في عَذابِ أهْلِ النارِ وتَوْبِيخِهِمْ سُرُورٌ وراحَةٌ، حَكاهُ الرُمّانِيُّ عن أبِي عَلِيٍّ. و"سَواءُ الجَحِيمِ" وسَطُهُ، قالَ ابْنُ عَبّاسٍ، والحَسَنُ، والناسُ، وسُمِّيَ سَواءً لِاسْتِواءِ المَسافَةِ مِنهُ إلى الجَوانِبِ، والجَحِيمُ مُتَراكَمُ جَمْرِ النارِ، ورُوِيَ عن مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، وخُلَيْدٍ العَصَرِيِّ أنَّهُ رَآهُ قَدْ تَغَيَّرَ حِبَرَهُ وسِبْرَهُ، أيْ: تَبَدَّلَتْ (p-٢٨٩)حالُهُ، ولَوْلا ما عَرَّفَهُ اللهُ إيّاهُ لَمْ يُمَيِّزْهُ، فَقالَ لَهُ المُؤْمِنُ عِنْدَ ذَلِكَ: ﴿تاللهِ إنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ﴾، أيْ: تُهْلِكَنِي بِإغْوائِكَ، والرَدى: الهَلاكُ، ومِنهُ قَوْلُ الأعْشى: ؎ أفِي الطَوْفِ خِفْتِ عَلَيَّ الرَدى ∗∗∗ ∗∗∗ وكَمْ مِن رَدٍ أهْلَهُ لَمْ يَرِمْ وفِي مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ: [إنْ كِدْتَّ لَتُغْوِينِ] بِالواوِ، مِنَ الغَيِّ، وذَكَرَها أبُو عَمْرٍو الدانِيُّ بِالراءِ، مِنَ الإغْراءِ، والتاءُ في هَذا كُلِّهِ مَضْمُومَةٌ. ورَفَعَ ﴿نِعْمَةُ رَبِّي﴾ بِالِابْتِداءِ، وهو إعْرابُ ما كانَ بَعْدَ "لَوْلا" عِنْدَ سِيبَوَيْهِ، والخَبَرُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: تَدارَكَتْهُ ونَحْوَهُ، و﴿المُحْضَرِينَ﴾ مَعْناهُ: في العَذابِ. وقَوْلُ المُؤْمِنِ: ﴿أفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ﴾ إلى قَوْلِهِ ﴿وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مُخاطَبَةً لِرُفَقائِهِ، في الجَنَّةِ لَمّا رَأى ما نَزَلَ بِقَرِينِهِ، ونَظَرَ إلى حالِهِ في الجَنَّةِ وحالِ رُفَقائِهِ قَدَّرَ النِعْمَةَ قَدْرَها، فَقالَ لَهم - عَلى جِهَةِ التَوْقِيفِ ما قالَ ويَجِيءُ - عَلى هَذا التَأْوِيلِ - قَوْلُهُ: ﴿إنَّ هَذا لَهو الفَوْزُ العَظِيمُ﴾ وما بَعْدَهُ مُتَّصِلًا بِكَلامِهِ، خِطابًا لِرُفَقائِهِ. ويُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ ﴿أفَما نَحْنُ﴾ إلى قَوْلِهِ [بِمُعَذَّبِينَ] مُخاطَبَةً لِقَرِينِهِ عَلى جِهَةِ التَوْبِيخِ، كَأنَّهُ يَقُولُ: أيْنَ الَّذِي كُنْتَ تَقُولُ مِن أنّا نَمَوْتُ ولَيْسَ بَعْدَ المَوْتِ عِقابٌ ولا عَذابٌ؟ ويَكُونُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ هَذا لَهو الفَوْزُ العَظِيمُ﴾ إلى قَوْلِهِ ﴿فَلْيَعْمَلِ العامِلُونَ﴾ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مِن خِطابِ المُؤْمِنِ لِقَرِينِهِ، وإلَيْهِ ذَهَبَ قَتادَةُ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مِن خِطابِ اللهِ تَعالى لِمُحَمَّدٍ ﷺ وأُمَّتِهِ، ويَقْوى هَذا لِأنَّ قَوْلَ المُؤْمِنِ ﴿لِمِثْلِ هَذا فَلْيَعْمَلِ العامِلُونَ﴾ والآخِرَةُ لَيْسَتْ بِدارِ عَمَلٍ، يَقْلَقُ إلّا عَلى تَجَوُّزٍ، كَأنَّهُ يَقُولُ: لِمِثْلِ هَذا كانَ يَنْبَغِي أنْ يَعْمَلَ العامِلُونَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب