الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿فَإنَّما هي زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإذا هم يَنْظُرُونَ﴾ ﴿وَقالُوا يا ويْلَنا هَذا يَوْمُ الدِينِ﴾ ﴿هَذا يَوْمُ الفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ﴾ ﴿احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وأزْواجَهم وما كانُوا يَعْبُدُونَ﴾ ﴿مِن دُونِ اللهِ فاهْدُوهم إلى صِراطِ الجَحِيمِ﴾ ﴿وَقِفُوهم إنَّهم مَسْؤُولُونَ﴾ ﴿ما لَكم لا تَناصَرُونَ﴾ ﴿بَلْ هُمُ اليَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ﴾
هَذا اسْتِئْنافُ إخْبارٍ جَرَّهُ ما قَبْلَهُ، فَأخْبَرَ تَعالى أنْ بَعَثَهم مِن قُبُورِهِمْ إنَّما هي زَجْرَةٌ واحِدَةٌ، وهي نَفْخَةُ البَعْثِ في الصُورِ، وقَوْلُهُ: ﴿ "يَنْظُرُونَ"﴾ يُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ: بِالأبْصارِ، أيْ: يَنْظُرُونَ ما هم فِيهِ، وصَدْقَ ما كانُوا يُكَذِّبُونَ بِهِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ بِمَعْنى: يَنْتَظِرُونَ ما يُفْعَلُ بِهِمْ ويُؤْمَرُونَ بِهِ.
ثُمَّ أخْبَرَ عنهم أنَّهم في تِلْكَ الحالِ يَقُولُونَ: ﴿ "يا ويْلَنا"،﴾ يُنادُونَ الوَيْلَ، بِمَعْنى: هَذا وقْتُ حُضُورِكَ وأوانُ حُلُولِكَ. ورَوى أبُو حاتِمٍ الوَقْفَ هاهُنا، وجَعِلَ قَوْلَهُ: ﴿هَذا يَوْمُ الدِينِ﴾ مِن قَوْلِ اللهِ أوِ المَلائِكَةِ لَهُمْ، ورَأى غَيْرُهُ أنَّ باقِيَ الآيَةِ مِن قَوْلِ الكَفَرَةِ. و"الدِينُ" الجَزاءُ والمُقارَضَةُ، كَقَوْلِهِمْ: "كَما تَدِينُ تُدانُ"، وأجْمَعُوا أنَّ قَوْلَهُ: ﴿هَذا يَوْمُ الفَصْلِ﴾ لَيْسَ مِن قَوْلِ الكَفَرَةِ، وإنَّما المَعْنى: يُقالُ لَهُمْ: هَذا يَوْمُ الفَصْلِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ "وَأزْواجَهُمْ"﴾ يَعْنِي: وأنْواعَهم وضُرَباءَهُمْ، قالَهُ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ (p-٢٧٧)رَضِيَ اللهُ عنهُ، وابْنُ عَبّاسٍ، وقَتادَةُ ومِنهُ قَوْلُهُ: ﴿وَكُنْتُمْ أزْواجًا ثَلاثَةً﴾ [الواقعة: ٧]، وقَوْلُهُ: ﴿وَإذا النُفُوسُ زُوِّجَتْ﴾ [التكوير: ٧] أيْ: نُوِّعَتْ، ورُوِيَ أنَّهُ يُضَمُّ عِنْدَ هَذا الأمْرِ كُلُّ شَكْلٍ إلى شَكْلِهِ، وكُلُّ صاحِبٍ مِنَ الكَفَرَةِ إلى صاحِبِهِ، ومَعَهم ما كانُوا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ، مِن آدَمِيٍّ رَضِيَ بِذَلِكَ ومِن صَنَمٍ أو وثَنٍ تَوْبِيخًا لَهم وإظْهارًا لِسُوءِ حالِهِمْ. وقالَ الحَسَنُ: المَعْنى: وأزْواجَهُمُ المُشْرِكاتِ مِنَ النِساءِ، ورُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما، ورَجَّحَهُ الرُمّانِيُّ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ "فاهْدُوهُمْ"﴾ مَعْناهُ: قَوِّمُوهم واحْمِلُوهم عَلى طَرِيقِ الجَحِيمِ، و"الجَحِيمُ" طَبَقَةٌ مِن طَبَقاتِ جَهَنَّمَ يُقالُ إنَّها الرابِعَةُ، ثُمَّ يَأْمُرُ تَعالى بِوَقْفِهِمْ، ووَقَفَ يَتَعَدّى بِنَفْسِهِ، تَقُولُ: "وَقَفْتُ زَيْدًا"، وأمْرُهُ بِذَلِكَ عَلى جِهَةِ التَوْبِيخِ لَهم والسُؤالِ، واخْتَلَفَ الناسُ في الشَيْءِ الَّذِي يُسْألُونَ عنهُ، فَرُوِيَ عن عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ أنَّهُ قالَ: يُسْألُونَ: هَلْ يُحِبُّونَ شُرْبَ الماءِ البارِدِ؟ وهَذا عَلى طَرِيقِ الهَزْءِ بِهِمْ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: يَسْألُونَ عن لا إلَهَ إلّا اللهُ، وقالَ الجُمْهُورُ مِنَ المُفَسِّرِينَ: عن أعْمالِهِمْ، ويُوقَفُونَ عَلى قُبْحِها، وهَذا قَوْلٌ مُتَّجَهٌ عامٌّ في الهَزْءِ وغَيْرِهِ، ورَوى أنَسُ عَنِ النَبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: « "أيُّما رَجُلٍ دَعا رَجُلًا إلى شَيْءٍ كانَ لازِمًا لَهُ"، وقَرَأ: ﴿وَقِفُوهم إنَّهم مَسْؤُولُونَ﴾»، ورَوى ابْنُ مَسْعُودٍ عَنِ النَبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: « "لا تَزُولُ قَدَما عَبْدٍ مِن بَيْنِ يَدَيِ اللهِ تَعالى حَتّى يَسْألَهُ عن خَمْسٍ: عن شَبابِهِ فِيما أبْلاهُ، وعن عُمْرِهِ فِيما أفْناهُ، وعن مالِهِ كَيْفَ اكْتَسَبَهُ وفِيمَ أنْفَقَهُ، وعَمّا عَمِلَ فِيما عَلِمَ"،» ويُحْتَمَلُ عِنْدِي أنْ يَكُونَ المَعْنى عَلى ما فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿ما لَكم لا تَناصَرُونَ﴾، أيْ: تُسْألُونَ عَنِ امْتِناعِ التَناصُرِ. وقَرَأ بِتاءٍ واحِدَةٍ شَيْبَةُ، ونافِعٌ، وقَرَأ خالِدٌ بِتاءَيْنِ، وكَذَلِكَ في حَرْفِ عَبْدِ اللهِ، وقَرَأ أبُو جَعْفَرٍ بْنُ القَعْقاعِ بِإدْغامِ التاءِ في التاءِ مِن قِراءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وقالَ الثَعْلَبِيُّ: هَذا جَوابُ (p-٢٧٨)أبِي جَهْلٍ حِينَ قالَ في بَدْرٍ: ﴿نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ﴾ [القمر: ٤٤].
ثُمَّ أخْبَرَ تَعالى بِجَوابِهِمْ في ذَلِكَ اليَوْمِ في حالَةِ الِاسْتِسْلامِ والإلْقاءِ بِاليَدِ.
{"ayahs_start":19,"ayahs":["فَإِنَّمَا هِیَ زَجۡرَةࣱ وَ ٰحِدَةࣱ فَإِذَا هُمۡ یَنظُرُونَ","وَقَالُوا۟ یَـٰوَیۡلَنَا هَـٰذَا یَوۡمُ ٱلدِّینِ","هَـٰذَا یَوۡمُ ٱلۡفَصۡلِ ٱلَّذِی كُنتُم بِهِۦ تُكَذِّبُونَ","۞ ٱحۡشُرُوا۟ ٱلَّذِینَ ظَلَمُوا۟ وَأَزۡوَ ٰجَهُمۡ وَمَا كَانُوا۟ یَعۡبُدُونَ","مِن دُونِ ٱللَّهِ فَٱهۡدُوهُمۡ إِلَىٰ صِرَ ٰطِ ٱلۡجَحِیمِ","وَقِفُوهُمۡۖ إِنَّهُم مَّسۡـُٔولُونَ","مَا لَكُمۡ لَا تَنَاصَرُونَ","بَلۡ هُمُ ٱلۡیَوۡمَ مُسۡتَسۡلِمُونَ"],"ayah":"۞ ٱحۡشُرُوا۟ ٱلَّذِینَ ظَلَمُوا۟ وَأَزۡوَ ٰجَهُمۡ وَمَا كَانُوا۟ یَعۡبُدُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق