الباحث القرآني

(p-٢٦٧)قوله عزّ وجلّ: ﴿أوَلَمْ يَرَ الإنْسانُ أنّا خَلَقْناهُ مِن نُطْفَةٍ فَإذا هو خَصِيمٌ مُبِينٌ﴾ ﴿وَضَرَبَ لَنا مَثَلا ونَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَن يُحْيِي العِظامَ وهي رَمِيمٌ﴾ ﴿قُلْ يُحْيِيها الَّذِي أنْشَأها أوَّلَ مَرَّةٍ وهو بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ﴾ ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكم مِنَ الشَجَرِ الأخْضَرِ نارًا فَإذا أنْتُمْ مِنهُ تُوقِدُونَ﴾ قالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: هَذِهِ الآياتُ نَزَلَتْ بِسَبَبِ «أنَّ العاصَ بْنَ وائِلٍ السَهْمِيَّ جاءَ إلى النَبِيِّ ﷺ بِعَظْمٍ رَمِيمٍ، فَفَتَّهُ وقالَ: يا مُحَمَّدُ، مَن يُحْيِي هَذا؟» وقالَ مُجاهِدٌ وقَتادَةُ: إنَّ الَّذِي جاءَ بِالعَظْمِ النَخِرِ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، وقالَهُ الحَسَنُ، ذَكَرَهُ الرُمّانِيُّ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: هو عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبِيِّ بْنِ سَلُولٍ. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: وهُوَ وهْمٌ مِمَّنْ نَسَبَهُ إلى ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما؛ لِأنَّ السُورَةَ مَكِّيَّةٌ، والآيَةُ مَكِّيَّةٌ بِإجْماعٍ، ولِأنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ أُبَيٍّ لَمْ يُجاهِرْ قَطُّ هَذِهِ المُجاهَرَةَ، واسْمُ "أُبَيٍّ" هو الَّذِي خُلِطَ عَلى الرُواةِ؛ لِأنَّ الصَحِيحَ هو ما رَواهُ ابْنُ وهْبٍ عن مالِكٍ، وقالَهُ ابْنُ إسْحَقَ وغَيْرُهُ: «إنَّ أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ أخا أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ هو الَّذِي جاءَ بِالعَظْمِ الرَمِيمِ بِمَكَّةَ فَفَتَّهُ في وجْهِ النَبِيِّ ﷺ، وقالَ: مَن يُحْيِي هَذا يا مُحَمَّدُ؟» ولِأُبَيٍّ مَعَ النَبِيِّ ﷺ مَقاماتٌ ومَقالاتٌ إلى أنْ قَتَلَهُ بِيَدِهِ يَوْمَ أُحُدٍ بِالحَرْبَةِ بِجُرْحٍ في عُنُقِهِ، ورُوِيَ «أنَّ النَبِيَّ عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ قالَ لَهُ حِينَ فَتَّ العَظْمَ: "اللهُ يُحْيِيهِ ويُحْيِيكَ ويُدْخِلُكَ جَهَنَّمَ". ثُمَّ نَزَلَتِ الآيَةُ» مُبِيِّنَةً الحُجَّةِ في أنَّ الإنْسانَ نُطْفَةٌ ثُمَّ يَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ خَصِيمًا مُبِينًا، فَهَلْ هَذا إلّا إحْياءٌ بَعْدَ مَوْتٍ وعَدَمِ حَياةٍ؟ وقَوْلُهُ: ﴿ "وَنَسِيَ"﴾ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ نِسْيانَ الذُهُولِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ نِسْيانَ التَرْكِ، و"الرَمِيمُ": البالِي المُفَتَّتُ، وهو الرُفاتُ. (p-٢٦٨)ثُمَّ دَلَّهم تَبارَكَ وتَعالى عَلى الِاعْتِبارِ بِالنَشْأةِ الأُولى، ثُمَّ عَقَّبَ ذَلِكَ تَعالى بِدَلِيلٍ ثالِثٍ في إيجادِ النارِ في العُودِ الأخْضَرِ المُرْتَوِي ماءً، وهَذا هو زِنادُ العَرَبِ، والنارُ مَوْجُودَةٌ في كُلِّ عُودٍ غَيْرَ أنَّها في المُتَخَلْخِلِ المَفْتُوحِ المَسامِّ أوجَدُ، وكَذَلِكَ هو المَرْخُ والعَفارُ، وأعادَ الضَمِيرَ عَلى الشَجَرِ مُذَكَّرًا مِن حَيْثُ راعى اللَفْظَ فَجاءَ كالتَمْرِ والحَصا وغَيْرِهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب