الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿أوَلَمْ يَرَوْا أنّا خَلَقْنا لَهم مِمّا عَمِلَتْ أيْدِينا أنْعامًا فَهم لَها مالِكُونَ﴾ ﴿وَذَلَّلْناها لَهم فَمِنها رَكُوبُهم ومِنها يَأْكُلُونَ﴾ ﴿وَلَهم فِيها مَنافِعُ ومَشارِبُ أفَلا يَشْكُرُونَ﴾ ﴿واتَّخَذُوا مِن دُونِ اللهِ آلِهَةً لَعَلَّهم يُنْصَرُونَ﴾ ﴿لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهم وهم لَهم جُنْدٌ مُحْضَرُونَ﴾ ﴿فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهم إنّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وما يُعْلِنُونَ﴾ هَذِهِ مُخاطَبَةٌ في أمْرِ قُرَيْشٍ وإعْراضِها عَنِ الشَرْعِ وعِبادَتِها الأصْنامَ، فَنَبَّهَهُمُ اللهُ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ عَلى إنْعامِهِ عَلَيْهِمْ بِبَهِيمَةِ الأنْعامِ. وقَوْلُهُ: ﴿ "أيْدِينا"﴾ عِبارَةٌ عَنِ القُدْرَةِ، عَبَّرَ عنها بـِ"يَدٍ" وبِـ"يَدَيْنِ" وبِـ"أيْدٍ"، وذَلِكَ مِن حَيْثُ كانَ البَشَرُ إنَّما يَفْهَمُونَ القُدْرَةَ والبَطْشَ بِاليَدِ، فَعَبَّرَ لَهم بِالجِهَةِ الَّتِي اقْتَرَبَتْ مِن أفْهامِهِمْ، واللهُ تَبارَكَ وتَعالى مُنَزَّهٌ عَنِ الجارِحَةِ والتَشْبِيهِ كُلِّهِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَهم لَها مالِكُونَ﴾ تَنْبِيهٌ عَلى النِعْمَةِ في أنَّ هَذِهِ الأنْعامَ لَيْسَتْ بِعاتِيَةٍ ولا مُبْتَزَّةٍ، بَلْ تُقْتَنى وتُقَرَّبُ مَنافِعُها. وقَوْلُهُ: "ذَلَّلْناها" مَعْناهُ: سَخَّرْناها ذَلِيلَةً، و"الرَكُوبُ" المَرْكُوبُ، وهو فَعَوْلٌ (p-٢٦٦)بِمَعْنى مَفْعُولٌ، ولَيْسَ إلّا في ألْفاظٍ مَحْصُورَةٍ، كالرَكُوبِ، والحَلُوبِ، والقَدُوعِ، وقَرَأ الجُمْهُورُ: ﴿ "رَكُوبُهُمْ"﴾ بِفَتْحِ الراءِ، وقَرَأ بِضَمِّها الحَسَنُ، والأعْمَشُ، وقَرَأ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وعائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عنها: "رَكُوبَتُهُمْ". و"المَنافِعُ" إشارَةٌ إلى الأصْوافِ والأوبارِ وغَيْرِها، و"المَشارِبُ": الألْبانُ. ثُمَّ عَنَّفَهم في اتِّخاذِ آلِهَةٍ طَلَبًا لِلِاسْتِنْصارِ بِها والتَعاضُدِ، ثُمَّ أخْبَرَ أنَّهم لا يَسْتَطِيعُونَ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ الضَمِيرُ فِيهِ لِلْكُفّارِ، وفي "نَصْرَهُمْ" لِلْأصْنامِ، ويُحْتَمَلُ عَكْسُ ذَلِكَ لِأنَّ الوَجْهَيْنِ صَحِيحانِ في المَعْنى. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَهم لَهم جُنْدٌ﴾ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ الضَمِيرُ الأوَّلُ لِلْكُفّارِ والثانِي لِلْأصْنامِ، عَلى مَعْنى: وهَؤُلاءِ الكُفّارُ مُجَنَّدُونَ مُتَحَزِّبُونَ لِهَذِهِ الأصْنامِ في الدُنْيا، لَكِنَّهم لا يَسْتَطِيعُونَ التَناصُرَ مَعَ ذَلِكَ، ويُحْتَمَلُ العَكْسُ، أيْ: يَحْضُرُونَ لَهم في الآخِرَةِ عِنْدَ الحِسابِ، عَلى مَعْنى التَوْبِيخِ والنِقْمَةِ، وسَمّاهم جُنْدًا في هَذا التَأْوِيلِ إذْ هم عُدَّةٌ لِلنِّقْمَةِ مِنهم وتَوْبِيخِهِمْ، وجَرَتْ ضَمائِرُ الأصْنامِ في هَذِهِ الآيَةِ مَجْرى مَن يَعْقِلُ إذْ نَزَلَتْ في عِبادَتِها مَنزِلَةَ عَقْلٍ، فَعُومِلَتْ في العِبارَةِ بِذَلِكَ. ثُمَّ آنَسَ نَبِيَّهُ ﷺ بِقَوْلِهِ: ﴿فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ﴾، وتَوَعَّدَ الكَفّارَ بِقَوْلِهِ: ﴿إنّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وما يُعْلِنُونَ﴾.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب