الباحث القرآني
(p-٢٥٥)قوله عزّ وجلّ:
﴿وَنُفِخَ في الصُورِ فَإذا هم مِنَ الأجْداثِ إلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ﴾ ﴿قالُوا يا ويْلَنا مَن بَعَثَنا مَن مَرْقَدِنا هَذا ما وعَدَ الرَحْمَنُ وصَدَقَ المُرْسَلُونَ﴾ ﴿إنْ كانَتْ إلا صَيْحَةً واحِدَةً فَإذا هم جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ﴾ ﴿فاليَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ولا تُجْزَوْنَ إلا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾
هَذِهِ نَفْخَةُ البَعْثِ، و"الصُورُ": القَرْنُ في قَوْلِ جَماعَةِ المُفَسِّرِينَ، وبِذَلِكَ تَواتَرَتِ الأحادِيثُ، وذَهَبَ أبُو عُبَيْدَةَ إلى أنَّهُ جَمْعُ صُورَةٍ، خَرَجَ مُخْرَجَ بُسْرٍ وبُسْرَةٍ، وكَذَلِكَ قالَ سُورَةُ البِناءِ جَمْعُها سُوَرٌ، والمَعْنى عِنْدَهُ وعِنْدَ مَن قالَ بِقَوْلِهِ: نُفِخَ في صُوَرِ بَنِي آدَمَ فَعادُوا أحْياءً. و"الأجْداثُ" القُبُورُ، وقَرَأ الأعْرَجُ: "فِي الصُوَرِ" بِفَتْحِ الواوِ، جَمْعُ صُورَةٍ. و"يَنْسِلُونَ": يَمْشُونَ مِشْيَةَ الذِئْبِ بِسُرْعَةٍ، ومِنهُ قَوْلُ الشاعِرِ:
؎ عَسَلانَ الذِئْبِ أمْسى قارِبًا ∗∗∗ بَرَدَ اللَيْلُ عَلَيْهِ فَنَسَلْ
وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: "يَنْسِلُونَ": يَخْرُجُونَ، وقَرَأ الجُمْهُورُ: بِكَسْرِ السِينِ، وضَمَّها ابْنُ أبِي إسْحَقَ، وأبُو عَمْرٍو. (p-٢٥٦)وَنِداؤُهُمُ الوَيْلَ هو بِمَعْنى: هَذا وقْتُكَ وأوانُ حُضُورِكَ، وهو مُنادى مُضافٌ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ نَصْبُهُ عَلى المَصْدَرِ والمُنادى مَحْذُوفٌ، كَأنَّهم قالُوا: "يا قَوْمَنا ويْلَنا"، وقَرَأ ابْنُ أبِي لَيْلى: "يا ويْلَتَنا" بِتاءِ التَأْنِيثِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: ﴿ "مَن بَعَثَنا"﴾ عَلى مَعْنى الِاسْتِفْهامِ، ورُوِيَ عن عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ وابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: أنَّهُما قَرَآ: "مِن بَعْثِنا" بِكَسْرِ المِيمِ مِن "مِن" وبِسُكُونِ العَيْنِ وكَسْرِ الثاءِ فِي" بَعْثِنا" نَصْبًا عَلى المَصْدَرِ، وفي قِراءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: "مَن أهَبَّنا مِن مَرْقَدِنا" وفي قِراءَةِ أُبَيٍّ: "مَن هَبَّنا". قالَ أبُو الفَتْحِ: ولَمْ أرَ لَها في اللُغَةِ أصْلًا، ولا مَرَّ بِنا "مَهْبُوبٌ"، ونَسَبَها أبُو حاتِمٍ إلى ابْنِ مَسْعُودٍ، وقَوْلُهُمْ: ﴿ "مِن مَرْقَدِنا"﴾ يُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدُونَ مِن مَوْضِعِ الرُقادِ حَقِيقَةً، ويُرْوى عن أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وقَتادَةَ، ومُجاهِدٍ أنَّ جَمِيعَ البَشَرِ يَنامُونَ نَوْمَةً قَبْلَ الحَشْرِ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وهَذا غَيْرُ صَحِيحِ الإسْنادِ، وإنَّما الوَجْهُ في قَوْلِهِمْ "مِن مَرْقَدِنا" أنَّها اسْتِعارَةٌ وتَشْبِيهٌ، كَما تَقُولُ في قَتِيلٍ: هَذا مَرْقَدُهُ إلى يَوْمِ القِيامَةِ، وفي الثَعْلَبِيِّ أنَّهم قالُوا: "مِن مَرْقَدِنا" لِأنَّ عَذابَ القَبْرِ كانَ كالرُقادِ في جَنْبِ ما صارُوا إلَيْهِ مِن عَذابِ جَهَنَّمَ. وقالَ الزَجّاجُ: يَجُوزُ أنْ يَكُونَ "هَذا" إشارَةً إلى المَرْقَدِ، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ بِقَوْلِهِ: ﴿ما وعَدَ الرَحْمَنُ﴾ ويُضْمِرُ الخَبَرَ: "حَقٌّ" أو نَحْوَهُ، وقالَ الجُمْهُورُ: ابْتِداءُ الكَلامِ: ﴿هَذا ما وعَدَ الرَحْمَنُ﴾.
واخْتُلِفَ في هَذِهِ المَقالَةِ، مَن قالَها؟ فَقالَ ابْنُ زَيْدٍ: هي مِن قَوْلِ الكَفَرَةِ لَمّا رَأوُا البَعْثَ والنُشُورَ الَّذِي كانُوا يُكَذِّبُونَ بِهِ في الدُنْيا، وقالَتْ فِرْقَةٌ: ذَلِكَ مِن قَوْلِ اللهِ تَبارَكَ وتَعالى لَهم عَلى جِهَةِ التَوْبِيخِ والتَوْقِيفِ، وقالَ الفَرّاءُ: هو مِن قَوْلِ المَلائِكَةِ، وقالَ قَتادَةُ ومُجاهِدٌ: هو مِن قَوْلِ المُؤْمِنِينَ لِلْكُفّارِ عَلى جِهَةِ التَقْرِيعِ.
(p-٢٥٧)ثُمَّ أخْبَرَ تَعالى أنَّ أمْرَ القِيامَةِ والبَعْثِ مِنَ القُبُورِ ما هو إلّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإذا الجَمِيعُ حاضِرٌ مَحْشُورٌ، وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: "إلّا صَيْحَةً" بِالنَصْبِ، وفِرْقَةٌ بِالرَفْعِ، وقَدْ تُقَدَّمُ إعْرابُ نَظِيرِها.
وقَوْلُهُ: ﴿ "فاليَوْمَ"﴾ نَصْبٌ عَلى الظَرْفِ، ويُرِيدُ يَوْمَ الحَشْرِ المَذْكُورِ وهَذِهِ مُخاطَبَةٌ يُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ لِجَمِيعِ العالَمِ.
{"ayahs_start":51,"ayahs":["وَنُفِخَ فِی ٱلصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ ٱلۡأَجۡدَاثِ إِلَىٰ رَبِّهِمۡ یَنسِلُونَ","قَالُوا۟ یَـٰوَیۡلَنَا مَنۢ بَعَثَنَا مِن مَّرۡقَدِنَاۜۗ هَـٰذَا مَا وَعَدَ ٱلرَّحۡمَـٰنُ وَصَدَقَ ٱلۡمُرۡسَلُونَ","إِن كَانَتۡ إِلَّا صَیۡحَةࣰ وَ ٰحِدَةࣰ فَإِذَا هُمۡ جَمِیعࣱ لَّدَیۡنَا مُحۡضَرُونَ","فَٱلۡیَوۡمَ لَا تُظۡلَمُ نَفۡسࣱ شَیۡـࣰٔا وَلَا تُجۡزَوۡنَ إِلَّا مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ"],"ayah":"وَنُفِخَ فِی ٱلصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ ٱلۡأَجۡدَاثِ إِلَىٰ رَبِّهِمۡ یَنسِلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











