الباحث القرآني

قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿وَما لِيَ لا أعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وإلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ ﴿أأتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إنْ يُرِدْنِ الرَحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهم شَيْئًا ولا يُنْقِذُونِ﴾ ﴿إنِّي إذًا لَفي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ ﴿إنِّي آمَنتُ بِرَبِّكم فاسْمَعُونِ﴾ ﴿قِيلَ ادْخُلِ الجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ﴾ ﴿بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وجَعَلَنِي مِنَ المُكْرَمِينَ﴾ قَرَأ الجُمْهُورُ: ﴿ "وَما لِيَ"﴾ بِفَتْحِ الياءِ، وقَرَأ الأعْمَشُ، وحَمْزَةُ بِسُكُونِ الياءِ، وقَدْ تَقَدَّمُ مِثْلُ هَذا. وقَوْلُهُ تَعالى: "وَما لِيَ" تَقْرِيرٌ لَهم - عَلى جِهَةِ التَوْبِيخِ - في هَذا الأمْرِ الَّذِي يَشْهَدُ العَقْلُ بِصِحَّتِهِ، إنَّ مَن فَطَرَ واخْتَرَعَ وأخْرَجَ مِنَ العَدَمِ إلى الوُجُودِ هو الَّذِي يَسْتَحِقُّ أنْ يُعْبُدَ، ثُمَّ أخْبَرَهم بِأنَّهم يُحْشَرُونَ إلَيْهِ يَوْمَ القِيامَةِ. ثُمَّ وقَّفَهم أيْضًا - عَلى جِهَةِ التَوْبِيخِ - عَلى اتِّخاذِ الآلِهَةِ مِن دُونِ اللهِ، وهي لا تَرُدُّ عنهُمُ المَقادِيرَ الَّتِي يُرِيدُها اللهُ بِهِمْ، لا بِقُوَّةٍ مِنها ولا بِشَفاعَةٍ. وقَرَأ طَلْحَةُ السَمّانُ، وعِيسى الهَمَدانِيُّ: "يَرُدْنِي" بِياءٍ (p-٢٤٣)مَفْتُوحَةٍ،، ورُوِيَتْ عن عاصِمٍ، ونافِعٍ، وأبِي عَمْرٍو. ثُمَّ صَدَعَ بِإيمانِهِ وأعْلَنَ فَقالَ: ﴿إنِّي آمَنتُ بِرَبِّكم فاسْمَعُونِ﴾، واخْتَلَفَ المُفَسِّرُونَ، فَقالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما، وكَعْبٌ، ووَهْبٌ: خاطَبَ بِها قَوْمَهُ عَلى جِهَةِ المُبالَغَةِ والتَنْبِيهِ، وقِيلَ: خاطَبَ بِها الرُسُلَ عَلى جِهَةِ الإشْهادِ بِهِمْ، والِاسْتِحْفاظِ لِلْأمْرِ عِنْدَهم. وقَرَأ الجُمْهُورُ بِكَسْرِ النُونِ عَلى نِيَّةِ الياءِ بَعْدَها، ورَوى أبُو بَكْرٍ عن عاصِمٍ فَتْحَها، قالَ أبُو حاتِمٍ: هَذا خَطَأٌ لا يَجُوزُ؛ لِأنَّهُ أمْرٌ، فَإمّا حَذْفُ النُونِ أو كَسْرُها عَلى نِيَّةِ الياءِ. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: وهُنا مَحْذُوفٌ تَواتَرَتْ بِهِ الأحادِيثُ والرِواياتُ، وهو أنَّهم قَتَلُوهُ، واخْتُلِفَ، كَيْفَ؟ فَقالَ قَتادَةُ وغَيْرُهُ: رَجَمُوهُ بِالحِجارَةِ، وقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَشَوْا عَلَيْهِ بِأقْدامِهِمْ حَتّى خَرَجَ قَصَبُهُ مِن دُبُرِهِ، فَقِيلَ لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ: ﴿ادْخُلِ الجَنَّةَ﴾ وذَلِكَ - واللهَ أعْلَمُ - بِأنْ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ مِنها، وتَحَقَّقَ أنَّهُ مِن سُكّانِها بِرُؤْيَتِهِ ما أقَرَّ عَيْنَهُ، فَلَمّا تَحَصَّلَ لَهُ ذَلِكَ تَمَنّى أنْ يَعْلَمَ قَوْمُهُ بِذَلِكَ، فَقِيلَ: أرادَ بِذَلِكَ الإشْفاقِ والنُصْحَ لَهُمْ، أيْ: لَوْ عَلِمُوا بِذَلِكَ لَآمَنُوا بِاللهِ، وقِيلَ: أرادَ أنْ يَنْدَمُوا عَلى فِعْلِهِمْ بِهِ ويُحْزِنَهم ذَلِكَ، وهَذا مَوْجُودٌ في جِبِلَّةِ البَشَرِ، إذا نالَ خَيْرًا في أرْضِ غُرْبَةِ وِدَّ أنْ يَعْلَمَ ذَلِكَ جِيرانُهُ وأتْرابُهُ الَّذِينَ نَشَأ فِيهِمْ؛ ولا سِيَّما في الكَراماتِ، ونَحْوٌ مَن ذَلِكَ قَوْلُ الشاعِرِ: ؎ والعِزُّ مَطْلُوبٌ ومُلْتَمَسٌ ∗∗∗ وأحَبُّهُ ما نِيلَ في الوَطَنِ والتَأْوِيلُ الأوَّلُ أشْبَهُ بِهَذا العَبْدِ الصالِحِ، وفي ذَلِكَ قالَ النَبِيُّ ﷺ: « "نَصَحَ قَوَّمَهُ حَيًّا ومَيِّتًا"،» وقالَ قَتادَةُ بْنُ دِعامَةَ: نَصَحَهم عَلى حالَةِ الغَضَبِ والرِضى، وكَذَلِكَ المُؤْمِنُ لا تَجِدُهُ إلّا ناصِحًا لِلنّاسِ. و"ما" في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿بِما غَفَرَ﴾ يَجُوزُ أنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً، أيْ: بِغُفْرانِ رَبِّي لِي، (p-٢٤٤)وَيَجُوزُ أنْ تَكُونَ بِمَعْنى الَّذِي، وفي "غَفَرَ" ضَمِيرٌ عائِدٌ، قالَ الزُهْرِيُّ: ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ اسْتِفْهامًا، ثُمَّ ضَعَّفَهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب