الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أأنْذَرْتَهم أمْ لَمْ تُنْذِرْهم لا يُؤْمِنُونَ﴾ ﴿إنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِكْرَ وخَشِيَ الرَحْمَنَ بِالغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وأجْرٍ كَرِيمٍ﴾ ﴿إنّا نَحْنُ نُحْيِي المَوْتى ونَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وآثارَهم وكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْناهُ في إمامٍ مُبِينٍ﴾
هَذِهِ مُخاطَبَةٌ لِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ، مُضَمِّنُها تَسْلِيَةٌ عنهُمْ، أيْ: أنَّهم قَدْ حُتِّمَ عَلَيْهِمْ بِالكُفْرِ، فَسَواءٌ إنْذارُكَ وتَرْكُهُ، والألِفُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ "أأنْذَرْتَهُمْ"﴾ ألِفُ التَسْوِيَةِ؛ لِأنَّها لَيْسَتْ بِاسْتِفْهامٍ، بَلِ المُتَفَهِّمُ والمُسْتَفْهَمُ مُسْتَوِيانِ في عِلْمِ ذَلِكَ.
وقَرَأ الجُمْهُورُ: "آنْذَرْتَهُمْ" بِالمَدِّ، وقَرَأ ابْنُ مُحَيْصِنٍ، والزُهْرِيُّ: "أنْذَرْتَهُمْ" بِهَمْزَةٍ واحِدَةٍ عَلى الخَبَرِ، و"سَواءٌ" رَفْعٌ بِالِابْتِداءِ، وقَوْلُهُ: ﴿أمْ لَمْ تُنْذِرْهم لا﴾ جُمْلَةٌ مِن فِعْلَيْنِ مُتَعادِلَيْنِ يُقَدَّرانِ تَقْدِيرَ فِعْلٍ واحِدٍ هو خَبَرُ الِابْتِداءِ، كَأنَّهُ قالَ: وسَواءٌ عَلَيْهِمْ جَمِيعُ فِعْلِكَ، فَفَسَّرَ هَذا الجَمِيعَ بـِ"أنْذَرْتَهم أمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ"، ومِثْلُهُ قَوْلُكَ: سَواءٌ عِنْدِي قُمْتَ أمْ قَعَدْتَ، هَكَذا ذَكَرَ أبُو عَلِيٍّ في تَحْقِيقِ الخَبَرِ، والخَبَرُ هو الِابْتِداءُ. وقَوْلُهُ: ﴿إنَّما تُنْذِرُ﴾ لَيْسَ عَلى جِهَةِ الحَصْرِ بِإنَّما، بَلْ عَلى جِهَةِ تَخْصِيصِ مَن يَنْفَعُهُ الإنْذارُ. و"اتِّباعُ الذِكْرِ" هو العَمَلُ بِما في كِتابِ اللهِ تَبارَكَ وتَعالى والِاقْتِداءُ بِهِ، قالَ قَتادَةُ: الذِكْرُ القُرْآنُ وقَوْلُهُ: ﴿ "بِالغَيْبِ"﴾ أيْ: بِالخَلَواتِ عِنْدَ مَغِيبِ الإنْسانِ عن عُيُونِ البَشَرِ، ثُمَّ قالَ: ﴿ "فَبَشِّرْهُ"﴾ فَوَحَّدَ الضَمِيرَ مُراعاةً لِلَفْظِ "مِن". و"الأجْرُ الكَرِيمُ" هو كُلُّ ما يَأْخُذُهُ الأجِيرُ مُقْتَرِنًا بِحَمَدٍ (p-٢٣٨)عَلى الإحْسانِ وتَكْرِمَةٍ، وكَذَلِكَ هي الجَنَّةُ لِلْمُؤْمِنِينَ.
ثُمَّ أخْبَرَ تَعالى بِإحْيائِهِ المَوْتى رَدًّا عَلى الكَفَرَةِ، ثُمَّ تَوَعَّدَهم بِذِكْرِهِ كَتْبَ الآثارَ وإحْصاءَ كُلِّ شَيْءٍ. وكُلُّ ما يَصْنَعُهُ الإنْسانُ، فَداخِلٌ فِيما قَدَّمَ ويَدْخُلُ في آثارِهِ، لَكِنَّهُ تَبارَكَ وتَعالى ذَكَرَ الأمْرَ مِنَ الجِهَتَيْنِ، ولِيُنَبِّهَ عَلى الآثارِ الَّتِي تَبْقى وتُذْكَرُ بَعْدَ الإنْسانِ مِن خَيْرٍ أو شَرٍّ، وإلّا فَذَلِكَ كُلُّهُ داخِلٌ فِيما قَدَّمَ ابْنُ آدَمَ. وقالَ قَتادَةُ: "ما قَدَّمُوا" مَعْناهُ: مِن عَمَلٍ، وقالَهُ ابْنُ زَيْدٍ، ومُجاهِدٌ. وقَدْ يَبْقى لِلْمَرْءِ أنْ يُسْتَنَّ بِهِ بَعْدَهُ فَيُؤْجَرَ أو يَأْثَمَ، ونَظِيرُ هَذِهِ الآيَةِ: ﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وأخَّرَتْ﴾ [الإنفطار: ٥].، وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: "وَآثارَهُمْ" بِالنَصْبِ، وقَرَأ مَسْرُوقٌ بِالرَفْعِ.
وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ، وجابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وأبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ: إنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ في بَنِي سَلِمَةَ حِينَ أرادُوا النَقْلَةَ إلى جانِبِ المَسْجِدِ، وقَدْ بَيَّنّا ذَلِكَ في أوَّلِ السُورَةِ. «وَقالَ ثابِتٌ البُنانِيُّ: مَشَيْتُ مَعَ أنَسِ بْنِ مالِكٍ إلى الصَلاةِ فَأسْرَعْتُ فَحَبَسَنِي، فَلَمّا انْقَضَتِ الصَلاةُ قالَ لِي: مَشَيْتُ مَعَ النَبِيِّ ﷺ إلى الصَلاةِ فَأسْرَعْتُ فَحَبَسَنِي، فَلَمّا انْقَضَتِ الصَلاةُ قالَ: "أما عَلِمْتَ أنَّ الآثارَ تُكْتَبُ؟"» فَهَذا احْتِجاجٌ بِالآيَةِ، وقالَ مُجاهِدٌ، وقَتادَةُ، والحَسَنُ: الآثارُ في هَذِهِ الآيَةِ الخُطا، وحَكى الثَعْلَبِيُّ عن أنَسٍ أنَّهُ قالَ: الخُطا إلى الجُمُعَةِ.
وقَوْلُهُ: ﴿ "وَكُلَّ"﴾ نُصِبَ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ ﴿ "أحْصَيْناهُ"،﴾ كَأنَّهُ قالَ: وأحْصَيْنا كُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْناهُ، و"الإمامُ": الكِتابُ المُقْتَدى بِهِ الَّذِي هو حُجَّةٌ، قالَ مُجاهِدٌ، وقَتادَةُ، وابْنُ زَيْدٍ: أرادَ اللَوْحَ المَحْفُوظَ، وقالَتْ فِرْقَةٌ: أرادَ صُحُفَ الأعْمالِ.
{"ayahs_start":10,"ayahs":["وَسَوَاۤءٌ عَلَیۡهِمۡ ءَأَنذَرۡتَهُمۡ أَمۡ لَمۡ تُنذِرۡهُمۡ لَا یُؤۡمِنُونَ","إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلذِّكۡرَ وَخَشِیَ ٱلرَّحۡمَـٰنَ بِٱلۡغَیۡبِۖ فَبَشِّرۡهُ بِمَغۡفِرَةࣲ وَأَجۡرࣲ كَرِیمٍ","إِنَّا نَحۡنُ نُحۡیِ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَنَكۡتُبُ مَا قَدَّمُوا۟ وَءَاثَـٰرَهُمۡۚ وَكُلَّ شَیۡءٍ أَحۡصَیۡنَـٰهُ فِیۤ إِمَامࣲ مُّبِینࣲ"],"ayah":"إِنَّا نَحۡنُ نُحۡیِ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَنَكۡتُبُ مَا قَدَّمُوا۟ وَءَاثَـٰرَهُمۡۚ وَكُلَّ شَیۡءٍ أَحۡصَیۡنَـٰهُ فِیۤ إِمَامࣲ مُّبِینࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق