الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿وَما يَسْتَوِي الأعْمى والبَصِيرُ﴾ ﴿وَلا الظُلُماتُ ولا النُورُ﴾ ﴿وَلا الظِلُّ ولا الحَرُورُ﴾ ﴿وَما يَسْتَوِي الأحْياءُ ولا الأمْواتُ إنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَن يَشاءُ وما أنْتَ بِمُسْمِعٍ مَن في القُبُورِ﴾ ﴿إنْ أنْتَ إلا نَذِيرٌ﴾ ﴿إنّا أرْسَلْناكَ بِالحَقِّ بَشِيرًا ونَذِيرًا وإنْ مِن أُمَّةٍ إلا خَلا فِيها نَذِيرٌ﴾ ﴿وَإنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ جاءَتْهم رُسُلُهم بِالبَيِّناتِ وبِالزُبُرِ وبِالكِتابِ المُنِيرِ﴾ ﴿ثُمَّ أخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ﴾
مَضَمُونُ هَذِهِ الآيَةِ طَعْنٌ عَلى الكَفَرَةِ، وتَمْثِيلٌ لَهم بِالعُمْيِ والظُلُماتِ، وتَمْثِيلُ المُؤْمِنِينَ - بِإزائِهِمْ - بِالبُصَراءِ والأنْوارِ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلا النُورُ﴾ ودُخُولُ "لا" فِيها وفِيما بَعْدَها إنَّما هو عَلى نِيَّةِ التَكْرارِ، كَأنَّهُ قالَ: "وَلا الظُلُماتُ والنُورُ، ولا النُورُ والظُلُماتُ"، فاسْتَغْنى بِذِكْرِ الأوائِلِ عَنِ الثَوانِي، ودَلَّ مَذْكُورُ الآيَةِ عَلى مَتْرُوكِهِ.
و"الحَرُورُ" شِدَّةُ حَرِّ الشَمْسِ، وقالَ رُؤْبَةُ بْنُ العَجّاجِ: الحَرُورُ بِاللَيْلِ والسَمُومُ بِالنَهارِ، ولَيْسَ كَما قالَ، وإنَّما الأمْرُ كَما حَكى الفَرّاءُ وغَيْرُهُ: إنَّ السَمُومَ يَخْتَصُّ بِالنَهارِ، والحَرُورُ يُقالُ في حَرِّ اللَيْلِ وفي حَرِّ النَهارِ، وتَأوَّلَ قَوْمٌ الظِلَّ في هَذِهِ الآيَةِ: الجَنَّةَ، والحَرُورَ: جَهَنَّمَ.
(p-٢١٤)وَشَبَّهَ المُؤْمِنِينَ بِالأحْياءِ، والكَفَرَةَ بِالأمْواتِ، مِن حَيْثُ لا يَفْهَمُونَ الذِكْرَ ولا يُقْبَلُونَ عَلَيْهِ، ثُمَّ رَدَّ الأمْرَ إلى مَشِيئَةِ اللهِ تَعالى بِقَوْلِهِ: " إنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَن يَشاءُ "، وقَوْله " وما أنْتَ بِمُسْمِعٍ مَن في القُبُورِ ". وهَذا تَمْثِيلٌ بِما يُحِسُّهُ البَشَرُ ويُشاهِدُونَهُ، فَهم يَرَوْنَ أنَّ المَيِّتَ الَّذِي في القَبْرِ لا يَسْمَعُ، وأمّا الأرْواحُ فَلا تَرِدُ؛ إذْ تَتَضَمَّنُ الأحادِيثُ أنَّ أرْواحَ المُؤْمِنِينَ في شَجَرٍ عِنْدَ العَرْشِ وفي قَنادِيلَ وغَيْرِ ذَلِكَ، وأنَّ أرْواحَ الكَفَرَةِ في سِجِّينٍ ونَحْوِهُ، وفي بَعْضِ الأخْبارِ أنَّ الأرْواحَ عِنْدَ القُبُورِ، فَرُبَّما سَمِعَتْ، وكَذَلِكَ أهْلُ قَلِيبِ بَدْرٍ إنَّما سَمِعَتْ أرْواحُهُمْ، وكَذَلِكَ سَماعُ المَيِّتِ خَفْقَ النِعالِ، إنَّما هو بَرَدِّ رُوحِهِ عَلَيْهِ عِنْدَ لِقاءِ المَلَكَيْنِ، فَهَذِهِ الآيَةُ لا تُعارُضُ حَدِيثَ القَلِيبِ؛ لِأنَّ اللهَ تَبارَكَ وتَعالى رَدَّ عَلى أُولَئِكَ أرْواحَهم لِيُوَبِّخَهُمْ، وهَذا عَلى قَوْلِ عُمَرَ وابْنِهِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ تَعالى عنهُما - وهو الصَحِيحُ -: «إنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: "ما أنْتُمْ بِأسْمَعَ مِنهُمْ"،» وأمّا عائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عنها فَمَذْهَبُها أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ لَمْ يُسْمِعْهُمْ، وأنَّهُ إنَّما قَصَدَ تَوْبِيخَ الأحْياءِ مِنَ الكَفَرَةِ، وجَعَلَتْ هَذِهِ الآيَةَ أصْلًا، واحْتَجَّتْ بِها، فَمَثَّلَ اللهُ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ الكَفَرَةَ بِالأشْخاصِ الَّتِي في القُبُورِ، وقَرَأ الحَسَنُ بْنُ أبِي الحَسَنِ: "بِمُسْمِعِ مِن" عَلى الإضافَةِ.
(p-٢١٥)ثُمَّ سَلّى نَبِيَّهُ ﷺ بِقَوْلِهِ: ﴿إنْ أنْتَ إلا نَذِيرٌ﴾، أيْ: لَيْسَ عَلَيْكَ غَيْرُ ذَلِكَ، والهِدايَةُ والإضْلالُ إلى اللهِ تَعالى.
و"بَشِيرًا" مَعْناهُ: بِالنَعِيمِ الدائِمِ لِمَن آمَنَ، و"نَذِيرًا" مَعْناهُ: مِنَ العَذابِ الألِيمِ لِمَن كَفَرَ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإنْ مِن أُمَّةٍ إلا خَلا فِيها نَذِيرٌ﴾ مَعْناهُ: إنَّ دَعْوَةَ اللهِ تَعالى قَدْ عَمَّتْ جَمِيعَ الخَلْقِ، وإنْ كانَ فِيهِمْ مَن لَمْ تُباشِرْهُ النِذارَةُ فَهو مِمَّنْ بَلَغَتْهُ؛ لِأنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَلامُ بُعِثَ إلى بَنِيهِ، ثُمَّ لَمْ تَنْقَطِعْ إلى وقْتِ مُحَمَّدٍ ﷺ، والآياتُ الَّتِي تَتَضَمَّنُ أنَّ قُرَيْشًا لَمْ يَأْتِهِمْ نَذِيرٌ مَعْناهُ: نَذِيرٌ مُباشِرٌ، وما ذَكَرَهُ المُتَكَلِّمُونَ مِن فَرْضِ أصْحابِ الفَتَراتِ ونَحْوِهِمْ فَإنَّما ذَلِكَ بِالفَرْضِ لا أنَّهُ تُوجِدُ أُمَّةٌ لَمْ تُعْلَمْ أنَّ في الأرْضِ دَعْوَةً إلى عِبادَةِ اللهِ.
ثُمَّ سَلّى نَبِيَّهُ ﷺ بِما سَلَفَ مِنَ الأُمَمِ لِأنْبِيائِهِمْ، و"البَيِّناتِ" و"الزُبُرِ" و"الكِتابِ المُنِيرِ" شَيْءٌ واحِدٌ، لَكِنَّهُ أكَّدَ أوصافَهُ بَعْضَها بِبَعْضٍ، وذَكَرَهُ بِجِهاتِهِ. و"الزُبُرُ" مِن: زَبَرْتُ الكِتابَ إذا كَتَبْتُهُ. ثُمَّ تَوَعَّدَ قُرَيْشًا بِذِكْرِهِ أخَذَ الأُمَمِ الكافِرَةِ.
{"ayahs_start":19,"ayahs":["وَمَا یَسۡتَوِی ٱلۡأَعۡمَىٰ وَٱلۡبَصِیرُ","وَلَا ٱلظُّلُمَـٰتُ وَلَا ٱلنُّورُ","وَلَا ٱلظِّلُّ وَلَا ٱلۡحَرُورُ","وَمَا یَسۡتَوِی ٱلۡأَحۡیَاۤءُ وَلَا ٱلۡأَمۡوَ ٰتُۚ إِنَّ ٱللَّهَ یُسۡمِعُ مَن یَشَاۤءُۖ وَمَاۤ أَنتَ بِمُسۡمِعࣲ مَّن فِی ٱلۡقُبُورِ","إِنۡ أَنتَ إِلَّا نَذِیرٌ","إِنَّاۤ أَرۡسَلۡنَـٰكَ بِٱلۡحَقِّ بَشِیرࣰا وَنَذِیرࣰاۚ وَإِن مِّنۡ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِیهَا نَذِیرࣱ","وَإِن یُكَذِّبُوكَ فَقَدۡ كَذَّبَ ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِهِمۡ جَاۤءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَیِّنَـٰتِ وَبِٱلزُّبُرِ وَبِٱلۡكِتَـٰبِ ٱلۡمُنِیرِ","ثُمَّ أَخَذۡتُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ۖ فَكَیۡفَ كَانَ نَكِیرِ"],"ayah":"وَمَا یَسۡتَوِی ٱلۡأَعۡمَىٰ وَٱلۡبَصِیرُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق