الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿وَيَرى الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إلَيْكَ مِن رَبِّكَ هو الحَقَّ ويَهْدِي إلى صِراطِ العَزِيزِ الحَمِيدِ﴾ ﴿وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكم عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكم إذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إنَّكم لَفي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ ﴿أفْتَرى عَلى اللهِ كَذِبًا أمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ في العَذابِ والضَلالِ البَعِيدِ﴾ قالَ الطَبَرِيُّ والثَعْلَبِيُّ وغَيْرُهُما: "يَرى" مَعْطُوفٌ عَلى ما قَبْلِهُ مِنَ الأفْعالِ، والظاهِرُ أنَّهُ فِعْلٌ مُسْتَأْنَفٌ، وأنَّ الواوَ إنَّما عَطَفَتْ جُمْلَةً عَلى جُمْلَةٍ، وكَأنَّ المَعْنى الإخْبارُ بِأنَّ أهْلَ العِلْمِ يَرَوْنَ الوَحْيَ المُنَزَّلَ عَلى مُحَمَّدٍ ﷺ حَقًّا وأنَّهُ يَهْدِي إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ. وقَوْلُهُ: ﴿الَّذِي أُنْزِلَ﴾ مَفْعُولٌ بِـ"يَرى"، و"الحَقَّ" مَفْعُولٌ ثانٍ، و"هُوَ" عِمادٌ. و﴿الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ﴾ قِيلَ: هم مَن أسْلَمَ مِن أهْلِ الكِتابِ،وَقالَ قَتادَةُ: هم أُمَّةُ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ المُؤْمِنُونَ بِهِ كائِنًا مَن كانَ، و"يَهْدِي" مَعْناهُ: يُرْشِدُ، و"الصِراطُ المُسْتَقِيمُ" الطَرِيقُ المُعْتَدِلُ، وأرادَ طَرِيقَ الشَرْعِ والدِينِ. ثُمَّ حَكى عَنِ الكُفّارِ مَقالَتَهُمُ الَّتِي قالُوها عَلى جِهَةِ التَعَجُّبِ والهُزْءِ، أيْ: قالَها بَعْضُهم لِبَعْضٍ، كَما يَقُولُ الرَجُلُ لِمَن يُرِيدُ أنْ يُعَجِّبَهُ: هَلْ أدُلُّكَ عَلى أُضْحُوكَةٍ ونادِرَةٍ؟ فَلَمّا كانَ البَعْثُ عِنْدَهم مِنَ البَعِيدِ المُحالِ جَعَلُوا مَن يُخْبِرُ بِهِ في حَيِّزِ مَن يُتَعَجَّبُ مِنهُ، والعامِلُ في "إذا" فِعْلٌ مُضْمَرٌ قَبْلَها فِيما قالَ بَعْضُ الناسِ، تَقْدِيرُهُ: يُنَبِّئُكم بِأنَّكم تُبْعَثُونَ إذا مُزِّقْتُمْ، ويَصِحُّ أنْ يَكُونَ العامِلُ ما في قَوْلِهِ: ﴿إنَّكم لَفي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ مِن (p-١٥٩)مَعْنى الفِعْلِ؛ لِأنَّ تَقْدِيرَ الكَلامِ: يُنَبِّئُكم إنَّكم لَفي خَلْقٍ جَدِيدٍ إذا مُزِّقْتُمْ. وقالَ الزَجّاجُ: العامِلُ في "إذا" هو ﴿ "مُزِّقْتُمْ"﴾ وهو خَطَأٌ وإفْسادٌ لِلْمَعْنى المَقْصُودِ، ولا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ العامِلُ ﴿ "يُنَبِّئُكُمْ"﴾ بِوَجْهٍ، و"مُزِّقْتُمْ" مَعْناهُ: بِالبِلى وتَقَطُّعِ الأوصالِ في القُبُورِ وغَيْرِها. وكُسِرَ الألِفُ مِن ﴿ "إنَّكُمْ"﴾ لِأنَّ ﴿ "يُنَبِّئُكُمْ"﴾ في مَعْنى: يَقُولُ لَكُمْ، ولِمَكانِ اللامِ الَّتِي في الخَبَرِ. و"جَدِيدٍ" بِمَعْنى: مُجَدِّدٍ. وقَوْلُهُمْ: ﴿ "أفْتَرى"﴾ هو مِن قَوْلِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، وهي ألِفُ الِاسْتِفْهامِ دَخَلَتْ عَلى ألِفِ الوَصْلِ، فَحُذِفَتْ ألِفُ الوَصْلِ، وبَقِيَتْ مَفْتُوحَةً غَيْرَ مَمْدُودَةٍ، فَكَأنَّ بَعْضَهُمُ اسْتَفْهَمَ بَعْضًا عن مُحَمَّدٍ - ﷺ -: أحالُ الفِرْيَةِ عَلى اللهِ هي حالُهُ أمْ حالُ الجُنُونِ؟ لِأنَّ هَذا القَوْلَ إنَّما يَصْدُرُ عن أحَدِ هَذَيْنِ. فَأضْرَبَ القُرْآنُ عن قَوْلِهِمْ وكَذَّبَهُ، فَكَأنَّهُ قالَ: لَيْسَ الأمْرُ كَما قالُوا، ﴿بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ﴾ والإشارَةُ بِذَلِكَ إلَيْهِمْ، ﴿ "فِي العَذابِ"،﴾ يُرِيدُ: عَذابَ الآخِرَةِ؛ لِأنَّهم يَصِيرُونَ إلَيْهِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ: في العَذابِ في الدُنْيا بِمُكابَدَةِ الشَرْعِ ومُكايَدَتِهِ، ومُحاوَلَةِ إطْفاءِ نُورِ اللهِ وهو يُتِمُّ، فَهَذا كُلُّهُ عَذابٌ، وفي الضَلالِ البَعِيدِ، أيْ: قَوِيَتِ الحَيْرَةُ وتَمَكَّنَ التَلَفُ لِأنَّهُ قَدْ أبْعَدَ صاحِبَهُ عَنِ الطَرِيقِ الَّذِي ضَلَّ مِنهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب