الباحث القرآني

(p-١٩٧)قوله عزّ وجلّ: ﴿وَقالُوا آمَنّا بِهِ وأنّى لَهُمُ التَناوُشُ مِن مَكانٍ بَعِيدٍ﴾ ﴿وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِن قَبْلُ ويَقْذِفُونَ بِالغَيْبِ مِن مَكانٍ بَعِيدٍ﴾ ﴿وَحِيلَ بَيْنَهم وبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ كَما فُعِلَ بِأشْياعِهِمْ مِن قَبْلُ إنَّهم كانُوا في شَكٍّ مُرِيبٍ﴾ الضَمِيرُ في بِهِ عائِدٌ عَلى اللهِ تَعالى في قَوْلِهِ: "بِهِ"، وقِيلَ: عَلى مُحَمَّدٍ ﷺ وشَرَعِهُ والقُرْآنِ. وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، ونافِعٌ، وعاصِمٌ، وابْنُ عامِرٍ، وعامَّةُ القُرّاءِ: ﴿ "التَناوُشُ"﴾ بِضَمِّ الواوِ دُونَ هَمْزٍ، وقَرَأ أبُو عَمْرٍو، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وعاصِمٌ أيْضًا بِالهَمْزِ، والأُولى مَعْناها: التَناوُلُ، مِن قَوْلِهِمْ: ناشَ يَنُوشُ إذا تَناوَلَ، وتَناوَشَ القَوْمُ في الحَرْبِ إذا تَناوَلَ بَعْضُهم بَعْضًا بِالسِلاحِ، ومِنهُ قَوْلُ الشاعِرِ: ؎ فَهْيَ تَنُوشُ الحَوْضَ نَوْشًا مِن عَلا ∗∗∗ نَوْشًا بِهِ تَقْطَعُ أجْوازَ الفَلا فَكَأنَّهُ قالَ: وأنّى لَهم تَناوُلُ مُرادِهِمْ وقَدْ بَعُدُوا عن مَكانِ إمْكانِ ذَلِكَ. وأمّا الهَمْزُ فَيُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مِمّا تَقَدَّمَ وهُمِزَتِ الواوُ لَمّا كانَتْ مَضْمُومَةً بِضَمَّةٍ لازِمَةٍ، كَما قالُوا: أُقِّتَتْ وغَيْرَ ذَلِكَ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مِنَ الطَلَبِ، تَقُولُ: "تَناءَشْتُ الشَيْءَ" إذا (p-١٩٨)طَلَبْتَهُ مِن بَعِيدٍ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: تَناؤُشُ الشَيْءِ: رُجُوعُهُ، حَكاهُ عنهُ ابْنُ الأنْبارِيِّ، وأنْشَدَ: ؎ تَمَنّى أنْ تَؤُوبَ إلَيْكَ مَيٌّ ∗∗∗ ∗∗∗ ولَيْسَ إلى تَناوُشِها سَبِيلُ وكَأنَّهُ قالَ في الآيَةِ: وأنّى لَهم طَلَبُ مُرادِهِمْ وقَدْ بَعُدَ؟ قالَ مُجاهِدٌ: المَعْنى: مِنَ الآخِرَةِ إلى الدُنْيا. وقَرَأ الجُمْهُورُ: "وَيَقْذِفُونَ" بِفَتْحِ الياءِ وكَسْرِ الذالِ، عَلى إسْنادِ الفِعْلِ إلَيْهِمْ، أيْ: يَرْجُمُونَ بِظُنُونِهِمْ، ويَرْمُونَ بِها الرَسُولَ وكِتابَ اللهِ، وذَلِكَ غَيْبٌ عنهُمْ، في قَوْلِهِمْ: سِحْرٌ وافْتِراءٌ وغَيْرَ ذَلِكَ، قالَهُ مُجاهِدٌ، وقالَ قَتادَةُ: قَذْفُهم بِالغَيْبِ هو قَوْلُهُمْ: لا بَعْثٌ ولا جَنَّةٌ ولا نارٌ. وقَرَأ مُجاهِدٌ بِضَمِّ الياءِ وفَتْحِ الذالِ، عَلى مَعْنى: ويَرْجُمُهُمُ الوَحْيُ بِما يَكْرَهُونَ مِنَ السَماءِ. وقَوْلُهُ: ﴿وَحِيلَ بَيْنَهُمْ﴾ الآيَةَ. قالَ الحَسَنُ: مَعْناهُ: مِنَ الإيمانِ والتَوْبَةِ والرُجُوعِ إلى الأمانَةِ والعَمَلِ الصالِحِ، وذَلِكَ أنَّهُمُ اشْتَهَوْهُ في وقْتٍ لا تَنْفَعُ فِيهِ التَوْبَةُ، وقالَهُ أيْضًا قَتادَةُ، وقالَ مُجاهِدٌ: مَعْناهُ: وحِيلَ بَيْنَهم وبَيْنَ نَعِيمِ الدُنْيا ولَذّاتِها، وقِيلَ: حِيلَ بَيْنَهم وبَيْنَ الجَنَّةِ ونَعِيمِها، وهَذا يَتَمَكَّنُ جِدًّا عَلى القَوْلِ بِأنَّ الأخْذَ والفَزَعَ المَذْكُورَ هو في يَوْمِ القِيامَةِ. وقَوْلُهُ: ﴿كَما فُعِلَ بِأشْياعِهِمْ﴾ أيِ الفِرَقِ المُشابِهَةِ لَهم مِن كُلِّ أُمَّةٍ، وهو جَمْعُ (p-١٩٩)شِيعَةٍ، وقَوْلُهُ: ﴿ "مِن قَبْلُ"﴾ يَصْلُحُ عَلى بَعْضِ الأقْوالِ المُتَقَدِّمَةِ تُعَلُّقُهُ بِـ"فُعِلَ"، ويَصْلُحُ - عَلى قَوْلِ مَن قالَ: إنَّ الفَزَعَ هو في يَوْمِ القِيامَةِ - تَعَلُّقُهُ بِـ"أشْياعِهِمْ"، أيْ: بِمَنِ اتَّصَفَ بِصِفَتِهِمْ مِن قَبْلُ في الزَمَنِ الأوَّلِ، لِأنَّ ما يُفْعَلُ بِجَمِيعِهِمْ إنَّما هو في وقْتٍ واحِدٍ، لا يُقالُ فِيهِ: مِن قَبْلُ. و"الشَكُّ المُرِيبُ": أقْوى ما يَكُونُ مِنَ الشَكِّ وأشَدُّهُ إظْلامًا، واللهُ أعْلَمُ. كَمُلَ بِعَوْنِ اللهِ وتَوْفِيقِهِ تَفْسِيرُ سُورَةِ سَبَأٍ والحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب