الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينا الساعَةُ قُلْ بَلى ورَبِّي لَتَأْتِيَنَّكم عالِمِ الغَيْبِ لا يَعْزُبُ عنهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ في السَماواتِ ولا في الأرْضِ ولا أصْغَرُ مِن ذَلِكَ ولا أكْبَرُ إلا في كِتابٍ مُبِينٍ﴾ ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصالِحاتِ أُولَئِكَ لَهم مَغْفِرَةٌ ورِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ ﴿والَّذِينَ سَعَوْا في آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولَئِكَ لَهم عَذابٌ مِن رِجْزٍ ألِيمٌ﴾ رُوِيَ أنَّ قائِلَ هَذِهِ المَقالَةِ هو أبُو سُفْيانَ بْنُ حَرْبٍ، وقالَ: "واللاتِ والعُزّى ما ثَمَّ ساعَةٌ تَأْتِي، ولا قِيامَةٌ ولا حَشْرٌ". فَأمَرَ اللهُ تَعالى نَبِيَّهُ ﷺ أنْ يُقْسِمَ بِرَبِّهِ مُقابَلَةً لِقَسَمِ أبِي سُفْيانَ، قِيلَ: رَدًّا وتَكْذِيبًا وإيجابًا لِما نَفاهُ، وأجازَ نافِعٌ الوَقْفَ عَلى "بَلى"، وقَرَأ (p-١٥٧)الجُمْهُورُ: ﴿ "لَتَأْتِيَنَّكُمْ"﴾ بِالتاءِ مِن فَوْقٍ، وحَكى أبُو حاتِمٍ قِراءَةً: "لَيَأْتِيَنَّكُمْ" بِالياءِ عَلى المَعْنى في البَعْثِ. وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، وأبُو عَمْرٍو، والكِسائِيُّ - بِخِلافٍ عنهُ -: "عالِمِ" بِالخَفْضِ عَلى البَدَلِ مِن "رَبِّي"، وقَرَأ نافِعٌ، وابْنُ عامِرٍ: "عالِمُ" بِالرَفْعِ عَلى القَطْعِ، أيْ: هو عالِمٌ، ويَصِحُّ أنْ يَكُونَ "عالِمُ" رُفِعَ بِالِابْتِداءِ، وخَبَرُهُ "لا يَعْزُبُ" وما بَعْدَهُ، ويَكُونَ الإخْبارُ بِأنَّ "العالِمُ" لا يَعْزُبُ عنهُ شَيْءٌ إشارَةً إلى أنَّهُ قَدْ قَدَّرَ وقْتَها وعَلِمَهُ، والوَجْهُ الأوَّلُ أقْرَبُ، وقَرَأ حَمْزَةٌ، والكِسائِيُّ: "عَلّامِ" عَلى المُبالَغَةِ وبِالخَفْضِ عَلى البَدَلِ. و"يَعْزُبُ" مَعْناهُ: يَغِيبُ ويَبْعُدُ، وبِهِ فَسَّرَ مُجاهِدٌ وقَتادَةُ. وقَرَأ جُمْهُورُ القُرّاءِ بِضَمِّ الزايِ، وخَفَضَها الكِسائِيُّ، وابْنُ وثّابٍ، وهُما لُغَتانِ. و"مِثْقالُ ذَرَّةٍ" مَعْناهُ: مِقْدارُ تَثاقُلِها، وهَذا في الأجْرامِ بَيِّنٌ، وفي المَعانِي بِالمُقايَسَةِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: ﴿ "وَلا أصْغَرُ مِن ذَلِكَ ولا أكْبَرُ"﴾ بِالرَفْعِ عَطْفًا عَلى قَوْلِهِ: "مِثْقالُ"، وقَرَأ نافِعٌ، والأعْمَشُ، وقَتادَةُ: "أصْغَرَ"، و"أكْبَرَ" بِالنَصْبِ عَطْفًا عَلى "ذَرَّةٍ"، ورُوِيَتْ عن أبِي عَمْرٍو، وفي قَوْلِهِ: ﴿إلا في كِتابٍ مُبِينٍ﴾ ضَمِيرٌ تَقْدِيرُهُ: إلّا هو في كِتابٍ مُبِينٍ، و"الكِتابُ المُبِينُ" هو اللَوْحُ المَحْفُوظُ. واللامُ مِن قَوْلِهِ: ﴿ "لِيَجْزِيَ"﴾ يَصِحُّ أنْ تَكُونَ مُتَعَلِّقَةً بِقَوْلِهِ: "لَتَأْتِيَنَّكُمْ"، ويَصِحُّ أنْ تَكُونَ مُتَعَلِّقَةً بِقَوْلِهِ: "لا يَعْزُبُ"، ويَصِحُّ أنْ تَكُونَ مُتَعَلِّقَةً بِما في قَوْلِهِ: ﴿إلا في كِتابٍ مُبِينٍ﴾ مِن مَعْنى الفِعْلِ؛ لِأنَّ المَعْنى: إلّا أُثْبِتُهُ في كِتابٍ مُبِينٍ. و"المَغْفِرَةُ" تَغَمُّدُ الذُنُوبِ، و"الرِزْقُ الكَرِيمُ" الجَنَّةُ. وقَوْلُهُ: "والَّذِينَ" مَعْطُوفٌ عَلى "الَّذِينَ" الأُولى، أيْ: ولِيَجْزِيَ الَّذِينَ سَعَوْا، و"مُعاجِزِينَ" مَعْناهُ: مُحاوِلِينَ تَعْجِيزَ قُدْرَةِ اللهِ فِيهِمْ. وقَرَأ الجَحْدَرِيُّ، وابْنُ كَثِيرٍ، (p-١٥٨)وَأبُو عَمْرٍو: "مُعَجِّزِينَ" دُونَ ألْفٍ، أيْ: مُعَجِّزِينَ قُدْرَةَ اللهِ تَبارَكَ وتَعالى بِزَعْمِهِمْ. وقالَ ابْنُ الزُبَيْرِ: مَعْناهُ: مُثَبِّطِينَ عَنِ الإيمانِ مَن أرادَهُ، مُدْخِلِينِ عَلَيْهِ العَجْزَ في نَشاطِهِ، وهَذا هو سَعْيُهم في الآياتِ، أيْ: في شَأْنِ الآياتِ. ثُمَّ بَيَّنَ تَعالى جَزاءَ الساعِينَ، كَما بَيَّنَ قَبْلُ جَزاءَ المُؤْمِنِينَ. وقَرَأ عاصِمٌ - في رِوايَةِ حَفْصٍ -: "ألِيمٌ" بِالرَفْعِ عَلى النَعْتِ، لِلْعَذابِ، والباقُونَ بِالكَسْرِ عَلى نَعْتِ "الرِجْزِ"، و"الرِجْزُ" هو العَذابُ السَيِّءُ جِدًّا، وقَرَأابْنُ مُحَيْصِنٍ: "رُجْزٍ" بِضَمِّ الراءِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب