الباحث القرآني

(p-١٩٢)قوله عزّ وجلّ: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهم جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أهَؤُلاءِ إيّاكم كانُوا يَعْبُدُونَ﴾ ﴿قالُوا سُبْحانَكَ أنْتَ ولِيُّنا مِن دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الجِنَّ أكْثَرُهم بِهِمْ مُؤْمِنُونَ﴾ ﴿فاليَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكم لِبَعْضٍ نَفْعًا ولا ضَرًّا ونَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ النارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ﴾ ﴿وَإذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هَذا إلا رَجُلٌ يُرِيدُ أنْ يَصُدَّكم عَمّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكم وقالُوا ما هَذا إلا إفْكٌ مُفْتَرًى وقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمّا جاءَهم إنْ هَذا إلا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ هَذِهِ آيَةُ وعِيدٍ لِلْكُفّارِ، والمَعْنى: واذْكُرْ يَوْمَ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: "نَحْشُرُهُمْ"، "ثُمَّ نَقُولُ" بِالنُونِ فِيهِما، ورَواها أبُو بَكْرٍ عن عاصِمٍ، وقَرَأ حَفْصٌ عن عاصِمٍ بِالياءِ فِيهِما، وذَكَرَها أبُو حاتِمٍ عن أبِي عَمْرٍو. والقَوْلُ لِلْمَلائِكَةِ هو تَوْقِيفٌ تَقُومُ مِنهُ الحُجَّةُ عَلى الكُفّارِ عَبَدَتِهِمْ، نَحْوُ قَوْلِهِ تَعالى لِعِيسى عَلَيْهِ السَلامُ: ﴿أأنْتَ قُلْتَ لِلنّاسِ اتَّخِذُونِي﴾ [المائدة: ١١٦]، وإذا قالَ اللهُ تَعالى لِلْمَلائِكَةِ هَذِهِ المَقالَةَ قالَتِ المَلائِكَةُ: ﴿ "سُبْحانَكَ"،﴾ أيْ: تَنْزِيهًا لَكَ عَمّا فَعَلَ هَؤُلاءِ الكَفَرَةُ، ثُمَّ بَرَّأُوا أنْفُسَهم بِقَوْلِهِمْ: ﴿أنْتَ ولِيُّنا مِن دُونِهِمْ﴾ يُرِيدُونَ البَراءَةَ مِن أنْ يَكُونَ لَهم عِلْمٌ أو رِضًى أو مُشارَكَةٌ في أنْ يَعْبُدَهُمُ البَشَرُ، ثُمَّ قَرَّرُوا أنَّ البَشَرَ إنَّما عَبَدَتِ الجِنَّ بِرِضى الجِنِّ وبِإغْوائِها لِلْبَشَرِ، فَلَمْ تَنْفِ المَلائِكَةُ عِبادَةَ البَشَرِ إيّاها، وإنَّما قَرَّرَتْ أنَّها لَمْ تَكُنْ لَها في ذَلِكَ مُشارَكَةٌ، ثُمَّ ذَنَّبَتِ الجِنَّ. وعِبادَةُ البَشَرِ لِلْجِنِّ هي فِيما نَعْرِفُهُ نَحْنُ: بِطاعَتِهِمْ إيّاهُمْ، وسَماعِهِمْ مِن وسْوَسَتِهِمْ وإغْوائِهِمْ، فَهَذا نَوْعٌ مِنَ العِبادَةِ، وقَدْ يَجُوزُ إنْ كانَ في الأُمَمِ الكافِرَةِ مَن عَبَدَ الجِنَّ، وفي القُرْآنِ آياتٌ يَظْهَرُ مِنها ذَلِكَ في الأنْعامِ وغَيْرِها. ثُمَّ قالَ سُبْحانَهُ: "فاليَوْمَ"، وفي الكَلامِ حَذْفٌ، تَقْدِيرُهُ: "فَيُقالُ لَهُمْ"، أيْ: لِمَن عَبَدَ ولِمَن عُبِدَ: ﴿لا يَمْلِكُ بَعْضُكم لِبَعْضٍ نَفْعًا ولا ضَرًّا﴾. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا﴾. ذَكَرَ في هَذِهِ الآيَةِ أقْوالَ وأنْواعَ كَلامِهِمْ عِنْدَ ما يُقْرَأُ عَلَيْهِمُ القُرْآنُ، ويَسْمَعُونَ حِكَمَهُ وبَراهِينَهُ البَيِّنَةَ، فَقائِلٌ طَعَنَ عَلى النَبِيِّ ﷺ بِأنَّهُ يَقْدَحُ في الأوثانِ ودِينِ الآباءِ، وقائِلٌ طَعَنَ عَلَيْهِ بِأنَّ هَذا القُرْآنَ مُفْتَرًى، أيْ: مَصْنُوعٌ مِن قِبَلِ مُحَمَّدٍ ويَدَّعِي أنَّهُ مِن عِنْدِ اللهِ، وقائِلٌ طَعَنَ عَلَيْهِ بِأنَّ ما عِنْدَهُ مِنَ الرِقَّةِ (p-١٩٣)واسْتِجْلابِ النُفُوسِ واسْتِمالَةِ الأسْماعِ إنَّما هو سِحْرٌ بِهِ يَجْلِبُ ويَسْتَدْعِي، تَعالى اللهُ عن أقْوالِهِمْ، وتَقَدَّسَتْ شَرِيعَتُهُ عن طَعْنِهِمْ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب