الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿وَما أرْسَلْنا في قَرْيَةٍ مِن نَذِيرٍ إلا قالَ مُتْرَفُوها إنّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ﴾ ﴿وَقالُوا نَحْنُ أكْثَرُ أمْوالا وأولادًا وما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾ ﴿قُلْ إنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِزْقَ لِمَن يَشاءُ ويَقْدِرُ ولَكِنَّ أكْثَرَ الناسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ ﴿وَما أمْوالُكم ولا أولادُكم بِالَّتِي تُقَرِّبُكم عِنْدَنا زُلْفى إلا مَن آمَنَ وعَمِلَ صالِحًا فَأُولَئِكَ لَهم جَزاءُ الضِعْفِ بِما عَمِلُوا وهم في الغُرُفاتِ آمِنُونَ﴾
هَذِهِ تَسْلِيَةٌ لِلنَّبِيِّ ﷺ عن فِعْلِ قُرَيْشٍ وقَوْلِها، أيْ: هَذِهِ يا مُحَمَّدُ سِيرَةُ الأُمَمِ، فَلا يُهِمَّنَّكَ أمْرُ قَوْمِكَ، و"القَرْيَةُ": المَدِينَةُ، و"المُتْرَفُ": المُنْعَمُ البَطّالُ الغَنِيُّ القَلِيلُ تَعَبِ النَفْسِ والجِسْمِ، فَعادَتُهُمُ المُبادَرَةُ بِالتَكْذِيبِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَقالُوا نَحْنُ أكْثَرُ أمْوالا وأولادًا﴾ يَحْتَمِلُ أنْ يَعُودَ الضَمِيرُ عَلى "المُتْرَفِينَ"، ويَكُونُ ذَلِكَ مِن قَوْلِهِمْ مَعَ تَكْذِيبِهِمْ، ولَمّا كانَتْ قُرَيْشٌ مِثْلَهم أمَرَهُ اللهُ تَعالى بِأنْ يَقُولَ: ﴿إنَّ رَبِّي يَبْسُطُ﴾ الآيَةَ، ويَحْتَمِلُ أنْ يَعُودَ الضَمِيرُ في "قالُوا" لِقُرَيْشٍ، ويَكُونَ كَلامُ "المُتْرَفِينَ" قَدْ تَقَدَّمَ، ثُمَّ تَطَّرِدُ الآيَةُ بَعْدُ. ومَعْنى قَوْلِهِمْ: ﴿نَحْنُ أكْثَرُ أمْوالا وأولادًا﴾ الِاحْتِجاجُ بِأنَّ اللهَ لَمْ يُعْطِنا هَذا وقَدَّرَهُ لَنا إلّا لِرِضاهُ عَنّا وعن طَرِيقَتِنا، ونَحْنُ مِمَّنْ لا يُعَذَّبُ البَتَّةَ؛ إذِ اللهُ الَّذِي تَزْعُمُ أنْتَ عِلْمَهُ بِجَمِيعِ الأشْياءِ وإحاطَتَهُ قَدْ قَدَّرَ (p-١٩٠)عَلَيْنا النِعَمَ، فَهو إذَنْ راضٍ عَنّا. وقالَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ: مَعْنى قَوْلِهِمْ: ﴿وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾ أيْ: بِالفَقْرِ، وهَذا لَيْسَ كالأوَّلِ في القُوَّةِ، فَأمَرَ اللهُ تَعالى نَبِيَّهُ ﷺ أنْ يَقُولَ: إنَّ الأمْرَ لَيْسَ كَما ظَنُّوا، بَلْ بَسْطَ الرِزْقِ وقَدْرَهُ مُعَلَّقٌ بِالمَشِيئَةِ في كافِرٍ ومُؤْمِنٍ، ولَيْسَ شَيْءٌ مِن ذَلِكَ دَلِيلًا عَلى رِضى اللهِ تَعالى والقُرْبِ مِنهُ؛ لِأنَّهُ قَدْ يُعْطِي ذَلِكَ إمْلاءً واسْتِدْراجًا، وكَثِيرٌ مِنَ الناسِ لا يَعْلَمُ ذَلِكَ كَأنْتُمْ أيُّها الكَفَرَةُ. وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: "وَيَقْدِرُ"، وقَرَأتْ فِرْقَةٌ بِالتَشْدِيدِ، وهي راجِعَةٌ إلى مَعْنى التَضْيِيقِ الَّذِي هو ضِدُّ البَسْطِ.
ثُمَّ أخْبَرَهم بِأنَّ أمْوالَهم وأولادَهم لَيْسَتْ بِمُقَرِّبَةٍ مِنَ اللهِ ﴿ "زُلْفى"،﴾ وهي مَصْدَرٌ بِمَعْنى القُرْبِ، وكَأنَّهُ قالَ: تُقَرِّبُكم عِنْدَنا تَقْرِيبًا، وقَرَأ الضَحّاكُ: "زُلَفًى" بِفَتْحِ اللامِ وتَنْوِينٍ. وقَوْلُهُ: ﴿إلا مَن آمَنَ﴾ اسْتِثْناءٌ، و"مَن" في مَوْضِعِ نَصْبٍ بِالِاسْتِثْناءِ. وقالَ الزَجّاجُ: هي بَدَلٌ مِنَ الضَمِيرِ في ﴿ "تُقَرِّبُكُمْ"،﴾ وقالَ الفَرّاءُ: في مَوْضِعِ رَفْعٍ، وتَقْدِيرُ الكَلامِ: ما هو مُقَرَّبٌ إلّا مَن آمَنَ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: "جَزاءُ الضِعْفِ" بِالإضافَةِ، وقَرَأ قَتادَةُ: "جَزاءٌ" مُنَوَّنًا "الضِعْفُ" رَفَعًا، وحَكى عنهُ الدانِيُّ "جَزاءً" نَصْبًا مُنَوَّنًا "الضِعْفَ" نَصْبًا. و"الضِعْفِ" هُنا اسْمُ جِنْسٍ، أيْ بِالتَضْعِيفِ؛ إذْ بَعْضُهم يُجازى إلى عَشْرَةٍ، وبَعْضُهم أكْثَرَ صاعِدًا إلى سَبْعِمِائَةٍ بِحَسَبِ الأعْمالِ ومَشِيئَةِ اللهِ فِيها.
وقَرَأ الجُمْهُورُ: ﴿ "فِي الغُرُفاتِ"﴾ بِالجَمْعِ، وقَرَأ حَمْزَةُ وحْدَهُ: "فِي الغُرْفَةِ" عَلى اسْمِ الجِنْسِ يُرادُ بِهِ الجَمْعُ، ورُوِيَتْ عَنِ الأعْمَشِ، وهُما في القِراءَةِ حَسَنَتانِ. قالَ أبُو عَلِيٍّ: وقَدْ يَجِيءُ هَذا الجَمْعُ بِالألِفِ والتاءِ "الغُرُفاتِ" ونَحْوِهِ لِلتَّكْثِيرِ، ومِنهُ قَوْلُ حَسّانَ:
؎ لَنا الجَفَناتُ الغُرُّ يَلْمَعْنَ بِالضُحى ∗∗∗ وأسْيافُنا يَقْطُرْنَ مِن نَجْدَةٍ دَما
فَلَمْ يُرِدْ إلّا كَثْرَةَ جِفانٍ، وتَأمَّلْ نَقْدَ الأعْشى في هَذا البَيْتِ.
وقَرَأ الأعْشى، والحَسَنُ، وعاصِمٌ - بِخِلافٍ -: "فِي الغُرْفاتِ" بِسُكُونِ الراءِ.
{"ayahs_start":34,"ayahs":["وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَا فِی قَرۡیَةࣲ مِّن نَّذِیرٍ إِلَّا قَالَ مُتۡرَفُوهَاۤ إِنَّا بِمَاۤ أُرۡسِلۡتُم بِهِۦ كَـٰفِرُونَ","وَقَالُوا۟ نَحۡنُ أَكۡثَرُ أَمۡوَ ٰلࣰا وَأَوۡلَـٰدࣰا وَمَا نَحۡنُ بِمُعَذَّبِینَ","قُلۡ إِنَّ رَبِّی یَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن یَشَاۤءُ وَیَقۡدِرُ وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا یَعۡلَمُونَ","وَمَاۤ أَمۡوَ ٰلُكُمۡ وَلَاۤ أَوۡلَـٰدُكُم بِٱلَّتِی تُقَرِّبُكُمۡ عِندَنَا زُلۡفَىٰۤ إِلَّا مَنۡ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَـٰلِحࣰا فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ لَهُمۡ جَزَاۤءُ ٱلضِّعۡفِ بِمَا عَمِلُوا۟ وَهُمۡ فِی ٱلۡغُرُفَـٰتِ ءَامِنُونَ"],"ayah":"قُلۡ إِنَّ رَبِّی یَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن یَشَاۤءُ وَیَقۡدِرُ وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا یَعۡلَمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق