الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿وَلِسُلَيْمانَ الرِيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ ورَواحُها شَهْرٌ وأسَلْنا لَهُ عَيْنَ القِطْرِ ومِنَ الجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإذْنِ رَبِّهِ ومِنَ يَزِغْ مِنهم عن أمْرِنا نُذِقْهُ مَن عَذابِ السَعِيرِ﴾ قالَ الحَسَنُ: عَقَرَ سُلَيْمانُ عَلَيْهِ السَلامُ الخَيْلَ أسَفًا عَلى ما فَوَّتَتْهُ مِن فَضْلِ وقْتِ صَلاةِ العَصْرِ، فَأبْدَلَهُ اللهُ تَعالى خَيْرًا مِنها وأسْرَعَ، قَرَأ الجُمْهُورُ: "الرِيحَ" تَجْرِي بِالنَصْبِ عَلى مَعْنى: ولِسُلَيْمانَ سَخَّرَنا الرِيحَ، وقَرَأ عاصِمٌ - في رِوايَةِ أبِي بَكْرٍ - والأعْرَجُ: "الرِيحُ" بِالرَفْعِ عَلى تَقْدِيرِ: تَسَخَّرَتِ الرِيحُ، أو عَلى الِابْتِداءِ، والخَبَرُ في المَجْرُورِ، وذَلِكَ عَلى حَذْفِ مُضافٍ تَقْدِيرُهُ: ولِسُلَيْمانَ تَسْخِيرُ الرِيحِ. وقَرَأ الحَسَنُ: "وَلِسُلَيْمانَ الرِياحُ"، وكَذَلِكَ جُمِعَ في كُلِّ القُرْآنِ. (p-١٦٥)وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿غُدُوُّها شَهْرٌ ورَواحُها شَهْرٌ﴾، قالَ قَتادَةُ: إنَّها كانَتْ تَقْطَعُ بِهِ في الغُدُوِّ إلى قُرْبِ الزَوالِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، ورُوِيَ عَنِ الحَسَنِ البَصْرِيِّ أنَّهُ قالَ: كانَ يَخْرُجُ مِنَ الشامِ مِن مُسْتَقَرِّهِ بِتَدْمُرَ الَّتِي بَنَتْها لَهُ الجِنُّ بِالصِفاحِ والعُمُدِ فَيَقِيلُ في إصْطَخَرَ، ويَرُوحُ مِنها فَيَبِيتُ في كابُلَ مِن أرْضِ خُراسانَ، ونَحْوُ هَذا، وكانَتِ الأعاصِيرُ تُقِلُّ بِساطَهُ وتَحْمِلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ الرُخاءِ، وكانَ هَذا البِساطُ يَحْمِلُ - فِيما رُوِيَ - أرْبَعَةَ آلافِ فارِسٍ وما يُشْبِهُها مِنَ الرِجالِ والعَدَدِ ويَتَّسِعُ لَهُمْ، ورُوِيَ أكْثَرُ مِن هَذا بِكَثِيرٍ، ولَكِنَّ عَدَمَ صِحَّتِهِ مَعَ بُعْدِ شِبْهِهِ أوجَبَ اخْتِصارَهُ، وقَدْ قالَ عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ: « ["خَيْرُ الجُيُوشِ أرْبَعَةُ آلافٍ"]» وما كانَ سُلَيْمانُ لِيَعْدُوَ الخَيْرَ. وقَرَأ ابْنُ أبِي عَبْلَةَ: ["غَدْوَتُها شَهْرٌ ورَوْحَتُها شَهْرٌ"]، وكانَ سُلَيْمانُ عَلَيْهِ السَلامُ إذا أرادَ قَوْمًا لَمْ يُشْعَرْ بِهِ حَتّى يُظِلَّهم في جَوِّ السَماءِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَأسَلْنا لَهُ عَيْنَ القِطْرِ﴾، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وقَتادَةَ أنَّهُ كانَتْ تَسِيلُ لَهُ بِاليَمَنِ عَيْنٌ جارِيَةٌ مِن نُحاسٍ يُصْنَعُ لَهُ مِنها جَمِيعُ ما أحَبَّ، والقِطْرُ: النُحاسُ، وقالَتْ فِرْقَةٌ: القِطْرُ: الفِلِزُّ كُلُّهُ، النُحاسُ والحَدِيدُ وما جَرى مَجْراهُ، كانَ يَسِيلُ لَهُ مِنهُ عُيُونٌ، وقالَتْ فِرْقَةٌ: بَلْ مَعْنى ﴿ "وَأسَلْنا لَهُ عَيْنَ القِطْرِ":﴾ أذَبْنا لَهُ النُحاسَ، عَلى نَحْوِ ما كانَ الحَدِيدُ يَلِينُ لِداوُدَ، قالُوا: وكانَتِ الأعْمالُ تَتَأتّى مِنهُ لِسُلَيْمانَ وهو بارِدٌ دُونَ نارٍ، و"عَيْنَ" - عَلى هَذا التَأْوِيلِ - بِمَعْنى المُذابِ، وقالُوا: لَمْ يَلِنِ النُحاسُ ولا ذابَ لِأحَدٍ قَبْلَهُ. وقَوْلُهُ: ﴿وَمِنَ الجِنِّ مَن يَعْمَلُ﴾ يَحْتَمِلُ أنَّ "مَن" تَكُونُ في مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلى الإتْباعِ لِما تَقَدَّمَ بِإضْمارِ فِعْلٍ تَقْدِيرُهُ: وسَخَّرْنا مِنَ الجِنِّ مَن يَعْمَلُ، ويُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ في مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلى الِابْتِداءِ، والخَبَرُ في المَجْرُورِ، و"يَزِغْ" مَعْناهُ: يَمِلْ، أيْ يَنْحَرِفُ عاصِيًا، وقالَ: ﴿عن أمْرِنا﴾ ولَمْ يَقُلْ: "عن إرادَتِنا" لِأنَّهُ لا يَقَعُ في العالَمِ شَيْءٌ يُخالِفُ الإرادَةَ، ويَقَعُ ما يُخالِفُ الأمْرَ. قالَ الضَحّاكُ: وفي مُصْحَفِ عَبْدِ اللهِ: "وَمَن يَزِغْ (p-١٦٦)عن أمْرِنا" بِغَيْرٍ "مِنهُمْ". وقَوْلُهُ: ﴿مِن عَذابِ السَعِيرِ﴾ قِيلَ: عَذابُ الآخِرَةِ، وقِيلَ: بَلْ كانَ قَدْ وُكِّلَ بِهِمْ مَلَكٌ وبِيَدِهِ سَوْطٌ مِن نارِ السَعِيرِ، فَمَن عَصى ضَرَبَهُ فَأحْرَقَهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب