الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿يا أيُّها النَبِيُّ قُلْ لأزْواجِكَ وبَناتِكَ ونِساءِ المُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أدْنى أنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وكانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ لِما كانَتْ عادَةُ العَرَبِيّاتِ التَبَذُّلَ في مَعْنى الحَجَبَةِ، وكُنَّ يَكْشِفْنَ وُجُوهَهُنَّ كَما تَفْعَلُ الإماءُ، وكانَ ذَلِكَ داعِيًا إلى نَظَرِ الرِجالِ إلَيْهِنَّ وتَشَعُّبِ الفِكْرِ فِيهِنَّ، أمَرَ اللهُ تَعالى رَسُولَهُ ﷺ بِأمْرِهِنَّ بِإدْناءِ الجَلابِيبِ لِيَقَعَ تَسَتُّرُهُنَّ، فَيَكُفُّ عن مُعارَضَتِهِنَّ مَن كانَ غَزِلًا أو شابًّا. ورُوِيَ أنَّهُ كانَ في المَدِينَةِ قَوْمٌ يَجْلِسُونَ عَلى الصُعَداتِ لِرُؤْيَةِ النِساءِ ومُعارَضَتِهِنَّ ومُراوَدَتِهِنَّ، ونَزَلَتِ الآيَةُ بِسَبَبِ ذَلِكَ. و"الجِلْبابُ": ثَوْبٌ أكْبَرُ مِنَ الخِمارِ، ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما، وابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ أنَّهُ الرِداءُ. واخْتَلَفَ الناسُ في صُورَةِ إدْنائِهِ، فَقالَ ابْنُ عَبّاسٍ، وعُبَيْدَةُ السَلْمانِيُّ: ذَلِكَ أنْ تَلْوِيَهُ المَرْأةُ حَتّى لا يَظْهَرَ مِنها إلّا عَيْنٌ واحِدَةٌ تُبْصِرُ بِها، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ أيْضًا، وقَتادَةُ: وذَلِكَ أنْ تَلْوِيَهُ فَوْقَ الجَبِينِ وتَشُدَّهُ ثُمَّ تَعْطِفُهُ عَلى الأنْفِ وإنْ ظَهَرَتْ عَيْناها، لَكِنَّهُ يَسْتُرُ الصَدْرَ ومُعْظَمَ الوَجْهِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ذَلِكَ أدْنى أنْ يُعْرَفْنَ﴾، أيْ: عَلى الجُمْلَةِ بِالفَرْقِ حَتّى لا يَخْتَلِطْنَ بِالإماءِ، فَإذا عُرِفْنَ لَمْ يُقابَلْنَ بِأذى مِنَ المُعارِضَةٍ مُراقَبَةً لِرُتْبَةِ الحُرِّيَّةِ، ولَيْسَ المَعْنى أنَّ (p-١٤٨)تُعْرَفَ المَرْأةُ حَتّى تُعْلَمَ مَن هِيَ، وكانَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عنهُ إذا رَأى أمَةً قَدْ تَقَنَّعَتْ قَنْعَها الدِرَّةَ مُحافَظَةً عَلى زِيِّ الحَرائِرِ. وباقِي الآيَةِ تَرْجِيَةٌ ولُطْفٌ وحَظٌّ عَلى التَوْبَةِ وتَطْمِيعٌ في رَحْمَةِ اللهِ، وفِيها تَأْنِيسٌ لِلنِّساءِ في تَرْكِ الجَلابِيبِ قَبْلَ هَذا الأمْرِ المَشْرُوعِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب