الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿واذْكُرْنَ ما يُتْلى في بُيُوتِكُنَّ مِن آياتِ اللهِ والحِكْمَةِ إنَّ اللهِ كانَ لَطِيفًا خَبِيرًا﴾ ﴿إنَّ المُسْلِمِينَ والمُسْلِماتِ والمُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ والقانِتِينَ والقانِتاتِ والصادِقِينَ والصادِقاتِ والصابِرِينَ والصابِراتِ والخاشِعِينَ والخاشِعاتِ والمُتَصَدِّقِينَ والمُتَصَدِّقاتِ (p-١١٩)والصائِمِينَ والصائِماتِ والحافِظِينَ فُرُوجَهم والحافِظاتِ والذاكِرِينَ اللهَ كَثِيرًا والذاكِراتِ أعَدَّ اللهَ لَهم مَغْفِرَةً وأجْرًا عَظِيمًا﴾ اتِّصالُ هَذِهِ الألْفاظِ يُعْطِي أنَّ "أهْلَ البَيْتِ" نِساؤُهُ، وعَلى قَوْلِ الجُمْهُورِ هي ابْتِداءُ مُخاطَبَةٍ، أمَرَ اللهُ تَعالى أزْواجَ النَبِيِّ ﷺ - عَلى جِهَةِ المَوْعِظَةِ وتَعْدِيدِ النِعْمَةِ - بِذِكْرِ ما يُتْلى في بُيُوتِهِنَّ، ولَفْظُ "الذِكْرِ" هُنا يَحْتَمِلُ مَقْصِدَيْنِ كِلاهُما مَوْعِظَةٌ وتَعْدِيدُ نِعْمَةٍ: أحَدُهُما أنْ يُرِيدَ: "اذْكُرْنَ"، أيْ: تُذَكِّرْنَهُ واقْدُرَنَّهُ قَدْرَهُ، وفَكِّرْنَ في أنَّ مِن هَذِهِ حالَهُ يَنْبَغِي أنْ تُحَسِّنَ أفْعالَهُ، والآخَرُ أنْ يُرِيدَ: "اذْكُرْنَ" بِمَعْنى: احْفَظْنَ واقْرَأْنَ والزَمْنَهُ الألْسِنَةَ، وكَأنَّهُ يَقُولُ: واحْفَظْنَ أوامِرَ اللهِ ونَواهِيهِ، وذَلِكَ هو الَّذِي يُتْلى في بُيُوتِكُنَّ مِن آياتِ اللهِ، وذَلِكَ مُؤَدٍّ بِكُنَّ إلى الِاسْتِقامَةِ. و"الحِكْمَةُ" هي سُنَّةُ اللهِ تَبارَكَ وتَعالى عَلى لِسانِ نَبِيِّهِ عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ دُونَ أنْ يَكُونَ في قُرْآنٍ مَتْلُوٍّ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ وصَفًّا لِلْآياتِ، وفي قَوْلِهِ: ﴿ "لَطِيفًا"﴾ تَأْنِيسٌ وتَعْدِيدُ نِعَمِهِ: أيْ: لَطِيفٌ بِكُنَّ في هَذِهِ النِعْمَةِ، وفي قَوْلِهِ: ﴿ "خَبِيرًا"﴾ تَحْذِيرٌ ما. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ المُسْلِمِينَ والمُسْلِماتِ﴾ الآيَةُ. رُوِيَ عن أُمِّ سَلَمَةَ أنَّ سَبَبَها «أنَّها قالَتْ لِلنَّبِيِّ ﷺ: "يا رَسُولَ اللهِ، يَذْكُرُ اللهُ تَعالى الرِجالَ في كِتابِهِ في كُلِّ شَيْءٍ، ولا يَذْكُرُنا" فَنَزَلَتِ الآيَةُ في ذَلِكَ.» ورَوى قَتادَةُ «أنَّ نِساءً مِنَ الأنْصارِ دَخَلْنَ عَلى أزْواجِ النَبِيِّ عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ، فَقُلْنَ لَهُنَّ: "ذَكَرَكُنَّ اللهُ في القُرْآنِ ولَمْ يَذْكُرْ سائِرَ النِساءِ بِشَيْءٍ"، فَنَزَلَتِ الآيَةُ في ذَلِكَ.» ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما «أنَّ نِساءَ النَبِيِّ قُلْنَ لَهُ: "ما لَهُ تَعالى يَذْكُرُ المُؤْمِنِينَ ولَمْ يَذْكُرِ المُؤْمِناتِ"، فَنَزَلَتِ الآيَةُ في ذَلِكَ.» وبَدَأ تَعالى بِذِكْرِ "الإسْلامِ" الَّذِي يَعُمُّ الإيمانَ وعَمَلَ الجَوارِحِ، ثُمَّ ذَكَرَ "الإيمانَ" تَخْصِيصًا وتَنْبِيهًا عَلى أنَّهُ عُظْمُ الإسْلامِ ودُعامَتُهُ، و"القانِتُ": العابِدُ المُطِيعُ، (p-١٢٠)وَ"الصادِقُ" مَعْناهُ: فِيما عُوهِدَ عَلَيْهِ أنْ يَفِيَ بِهِ ويُكْمِلَهُ، و"الصابِرُ": عَنِ الشَهَواتِ وعَلى الطاعاتِ في المَكْرَهِ والمَنَشَطِ، و"الخاشِعُ": الخائِفُ لِلَّهِ المُسْتَكِينُ لِرُبُوبِيَّتِهِ الوَقُورُ، و"المُتَصَدِّقُ": بِالفَرْضِ والنَفْلِ، وقِيلَ: هي في الفَرْضِ خاصَّةً، والأوَّلُ أمْدَحُ، و"الصائِمُ" كَذَلِكَ في الفَرْضِ والنَفْلِ، و"حِفْظُ الفَرْجِ" هو مِنَ الزِنى وشَبَهِهِ، ويَدْخُلُ مَعَ ذَلِكَ كُلُّ ما يُؤَدِّي إلى الزِنى أو هو في طَرِيقِهِ. وفي قَوْلِهِ: ﴿ "والحافِظاتِ"﴾ حَذْفُ ضَمِيرٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ المُتَقَدِّمُ، تَقْدِيرُهُ: والحافِظاتُها، وفي "الذاكِراتِ" أيْضًا مِثْلُهُ، و"المَغْفِرَةُ" هي سَتْرُ ذُنُوبِهِمْ والصَفْحُ عنها، و"الأجْرُ العَظِيمُ": الجَنَّةُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب