الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿يا أيُّها النَبِيُّ قُلْ لأزْواجِكَ إنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الحَياةَ الدُنْيا وزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وأُسَرِّحْكُنَّ سَراحًا جَمِيلا﴾ ﴿وَإنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ ورَسُولَهُ والدارَ الآخِرَةَ فَإنَّ اللهَ أعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنكُنَّ أجْرًا عَظِيمًا﴾ اخْتَلَفَ الناسُ في سَبَبِها، فَقالَ قَتادَةُ: سَبَبُها غِيرَةٌ غارَتْها عائِشَةُ رَضِيَ اللهُ تَعالى عنها، وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: وقَعَ بَيْنَ أزْواجِهِ تَغايُرٌ ونَحْوَهُ مِمّا شَقِيَ هو بِهِ - ﷺ - فَنَزَلَتِ الآيَةُ بِسَبَبِ ذَلِكَ، وبَشَّرَهُ اللهُ أنْ يَصْرِفَ إرادَتَهُ في أنْ يُؤْوِيَ إلَيْهِ مَن يَشاءُ، وقالَ ابْنُ الزُبَيْرِ: نَزَلَ ذَلِكَ بِسَبَبِ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ سَألَهُ أزْواجُهُ النَفَقَةَ، وتَشَطَّطْنَ في تَكْلِيفِهِ مِنها فَوْقَ وُسْعِهِ، وقالَتْ فِرْقَةٌ: بَلْ سَبَبُ ذَلِكَ أنَّهُنَّ طَلَبْنَ مِنهُ مَلابِسَ وثِيابًا، وقالَتْ واحِدَةٌ: لَوْ كُنّا عِنْدَ غَيْرِ النَبِيِّ لَكانَ لَنا الحُلِيُّ والمَتاعُ. وقالَ بَعْضُ الناسِ: «أمَرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِتِلاوَةِ هَذِهِ الآيَةِ عَلَيْهِنَّ، وتَخْيِيرِهِنَّ بَيْنَ الدُنْيا والآخِرَةِ» وأمْرِ الطَلاقِ مَرَجًا، فَلَوِ اخْتَرْنَ أنْفُسَهُنَّ نَظَرَ كَيْفَ يُسَرِّحُهُنَّ هُوَ، ولَيْسَ فِيها تَخْيِيرِهِنَّ في الطَلاقِ؛ لِأنَّ التَخْيِيرَ يَتَضَمَّنُ ثَلاثَ تَطْلِيقاتٍ وهو قَدْ قالَ: ﴿وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحًا جَمِيلا﴾، ولَيْسَ مَعَ بَتِّ الطَلاقِ سَراحٌ جَمِيلٌ. وقالَتْ فِرْقَةٌ: بَلْ هي آيَةُ تَخْيِيرٍ، واخْتَرْنَهُ عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ، ولَمْ يَعُدْ ذَلِكَ طَلاقًا، وهو قَوْلُ عائِشَةَ أيْضًا. واخْتَلَفَ الناسُ في التَخْيِيرِ إذا اخْتارَتِ المَرْأةُ نَفْسَها، فَقالَ مالِكٌ: هي طالِقُ ثَلاثًا، ولا مُناكِرَةَ لِلزَّوْجِ، بِخِلافِ التَمْلِيكِ. وقالَ غَيْرُهُ: هي طَلْقَةٌ بائِنَةٌ. وقالَ بَعْضُ الصَحابَةِ (p-١١٢)رِضْوانُ اللهِ عَلَيْهِمْ: إذا خَيَّرَ الرَجُلُ امْرَأتَهُ فاخْتارَتْهُ فَهي طَلْقَةٌ، وهَذا مُخالِفٌ جِدًّا. وقَوْلُهُ: ﴿إنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الحَياةَ الدُنْيا﴾، أيْ: إنْ كانَتْ عَظِيمُ هِمَّتِكُنَّ ومَطْلَبِكُنَّ، أيِ التَعَمُّقَ فِيها والنَيْلَ مِن نِعْمَتِها. و"زِينَةُ الدُنْيا": المالُ والبَنُونَ، و"تَعالَيْنَ" دُعاءٌ، و"أُمَتِّعْكُنَّ" مَعْناهُ أُعْطِيكُنَّ المَتاعَ الَّذِي نَدَبَ اللهُ تَعالى لَهُ في قَوْلِهِ: "وَمَتِّعُوهُنَّ"، وأكْثَرُ الناسِ عَلى أنَّها مِنَ المَندُوباتِ، وقالَتْ فِرْقَةٌ: هي واجِبَةٌ، والسَراحُ الجَمِيلُ: يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ ما دُونُ بَتِّ الطَلاقِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ في بَقاءِ جَمِيلِ المُعْتَقَدِ وحَسُنِ العِشْرَةِ وجَمِيلِ الثَناءِ وإنْ كانَ الطَلاقُ باتًّا. و"أعَدَّ" مَعْناهُ: يَسَّرَ وسَنّى، و"المُحْسِناتُ": الطائِعاتُ لِلَّهِ والرَسُولِ. وأزْواجُ النَبِيِّ اللَواتِي نَزَلَتْ فِيهِنَّ تِسْعٌ، خَمْسُ قُرَشِيّاتٍ: عائِشَةُ بِنْتُ أبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، وحَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، وأُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أبِي سُفْيانَ، وسَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ، وأُمُّ سَلَمَةَ بِنْتُ أبِي أُمِّيَّةَ. وأرْبَعٌ غَيْرُ قُرَشِيّاتٍ: مَيْمُونَةُ بِنْتُ الحارِثِ الهِلالِيَّةُ، وصَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيِّ بْنُ أخْطَبُ الخَيْبَرِيَّةُ، وزَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ الأسْدِيَّةُ، وجُوَيْرِيَّةُ بِنْتُ الحارِثِ المُصْطَلْقِيَةُ. رَضِيَ اللهُ عن أزْواجِ رَسُولِ اللهِ أجْمَعِينَ. وفِي الحَدِيثِ «أنَّ النَبِيَّ ﷺ لَمّا خَرَجَ مِن إيلائِهِ الشَهْرَ، ونَزَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الآيَةُ، بَدَأ بِعائِشَةَ فَقالَ: "إنِّي ذاكِرٌ لَكَ أمْرًا، ولا عَلَيْكَ ألّا تُعَجِّلِي حَتّى تَسْتَأْمِرِي أبَوَيْكِ"، ثُمَّ تَلا عَلَيْها الآيَةَ، فَقالَتْ لَهُ: وفي هَذا أسْتَأْمَرَ أبَوَيَّ؟ فَإنِّي أُرِيدُ اللهَ ورَسُولَهُ والدارَ الآخِرَةَ، قالَتْ: "وَقَدْ عَلِمَ أنَّ أبَوَيَّ لا يَأْمُرانِي بِفِراقِهِ"، ثُمَّ تَتابَعَ أزْواجُ النَبِيِّ ﷺ عَلى مَثْلِ قَوْلِ عائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنها، فاخْتَرْنَ اللهَ ورَسُولَهُ.»
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب