الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿يَحْسَبُونَ الأحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا وإنْ يَأْتِ الأحْزابَ يَوَدُّوا لَوْ أنَّهم بادُونَ في الأعْرابِ يَسْألُونَ عن أنْبائِكم ولَوْ كانُوا فِيكم ما قاتَلُوا إلا قَلِيلا﴾ ﴿لَقَدْ كانَ لَكم في رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كانَ يَرْجُو اللهِ واليَوْمَ الآخِرَ وذَكَرَ اللهِ كَثِيرًا﴾ الضَمِيرُ في ﴿ "يَحْسَبُونَ"﴾ لِلْمُنافِقِينَ، والمَعْنى أنَّهم مِنَ الجَزَعِ والفَزَعِ بِحَيْثُ رَحَلَ الأحْزابُ وهَزَمَهُمُ اللهُ تَعالى وهَؤُلاءِ يَظُنُّونَ أنَّهم لَمْ يَذْهَبُوا، بَلْ يُرِيدُونَ الكَرَّةَ إلى المَدِينَةِ، ثُمَّ أخْبَرَ تَعالى عن مُعْتَقَدِ هَؤُلاءِ المُنافِقِينَ أنَّ وِدَّهم إذا أتى الأحْزابُ وحاصَرُوا المَدِينَةَ أنْ يَكُونُوا هم قَدْ خَرَجُوا إلى البادِيَةِ ومَعَ الأعْرابِ وهم أهْلُ العَمُودِ والرَحِيلِ مَن قُطْرٍ إلى قُطْرٍ، ومَن كانَ مِنهم مُقِيمًا بِأرْضٍ مُسْتَوْطِنًا فَلا يُسَمَّوْنَ أعْرابًا، وغَرَضُهم مِنَ البَداوَةِ أنْ يَكُونُوا سالِمِينَ مِنَ القِتالِ. وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ، وطَلْحَةُ بْنُ مَصْرِفٍ: "لَوْ أنَّهم بُدًّى في الأعْرابِ" شَدِيدَةُ الدالِّ مُنَوَّنَةٌ، وهو جَمْعُ بادٍ كَغازٍ وغُزًّى. ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: "بُدًّا" فِعْلًا ماضِيًا. وقَرَأ أهْلُ مَكَّةَ، ونافِعٌ، وابْنُ كَثِيرٍ، والحَسَنُ: "يَسْألُونَ"، أيْ عن أنْبائِكُمْ، وقَرَأ أبُو (p-١٠٤)عَمْرُو، وعاصِمٌ، والأعْمَشُ، والحَسَنُ: "يَسْألُونَ" بِغَيْرِ هَمْزٍ، نَحْوَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿سَلْ بَنِي إسْرائِيلَ﴾ [البقرة: ٢١١]، وقَرَأ الجَحْدَرِيُّ، وقَتادَةُ، والحَسَنُ - بِخِلافٍ عنهُ -: "يَسّاءَلُونَ"، أيْ: يَسْألُ بَعْضُهم بَعْضًا، قالَ الجَحْدَرِيُّ في الإمامِ: "يَتَساءَلُونَ". ثُمَّ سَلّى اللهُ تَعالى نَبِيَّهُ عنهُمْ، وحَقَّرَ شَأْنَهم بِأنْ أخْبَرَ أنَّهم لَوْ حَضَرُوا لَما أغْنَوْا ولَما قاتَلُوا إلّا قِتالًا قَلِيلًا لا نَفْعَ لَهُ، قالَ التَغْلَبِيُّ: هو قَلِيلٌ مِن حَيْثُ هو رِياءٌ مِن غَيْرِ حِسْبَةٍ ولَوْ كانَ لِلَّهِ لَكانَ كَثِيرًا. ثُمَّ أخْبَرَ تَبارَكَ وتَعالى عَلى جِهَةِ المَوْعِظَةِ بِأنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ ومُدَّعٍ في الإسْلامِ يَجِبُ أنْ يَقْتَدِيَ بِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ حِينَ قاتَلَ وصَبَرَ وجادَ بِنَفْسِهِ. وقَرَأ جُمْهُورُ الناسِ: "إسْوَةٌ" بِكَسْرِ الهَمْزَةِ، وقَرَأ عاصِمٌ وحْدَهُ: "أُسْوَةٌ" بِضَمِّ الهَمْزَةِ، وهُما لُغَتانِ، مَعْناها: قُدْوَةٌ، وتَأسّى الرَجُلُ إذا اقْتَدى، و"رَجاءُ اللهِ تَعالى" تابِعٌ لِلْمَعْرِفَةِ بِهِ، و"رَجاءُ اليَوْمِ الآخِرِ" ثَمَرَةُ العَمَلِ الصالِحِ، و"ذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا" مِن خَيْرِ الأعْمالِ، فَنَبَّهَ عَلَيْهِ. وفِي مُصْحَفِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ: "يَحْسَبُونَ الأحْزابَ قَدْ ذَهَبُوا، فَإذا وجَدُوهم لَمْ يَذْهَبُوا ودُّوا لَوْ أنَّهم بادُونَ في الأعْرابِ".
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب