الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿وَإذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنهم يا أهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكم فارْجِعُوا ويَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنهم النَبِيَّ يَقُولُونَ إنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وما هي بِعَوْرَةٍ إنَّ يُرِيدُونَ إلا فِرارًا﴾ ﴿وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِن أقْطارِها ثُمَّ سُئِلُوا الفِتْنَةَ لآتَوْها وما تَلَبَّثُوا بِها إلا يَسِيرًا﴾ ﴿وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللهَ مِن قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأدْبارَ وكانَ عَهْدُ اللهَ مَسْؤُولا﴾
هَذِهِ المَقالَةُ رُوِيَ أنَّ بَنِي حارِثَةَ قالُوها، وبُيُوتُهم بِحُدُودِ المَدِينَةِ، وقالَ مُقاتِلٌ: بَنُو سَلَمَةَ، وقِيلَ: القائِلُ لِذَلِكَ عَبْدُ اللهِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ وأصْحابُهُ. وقَرَأ السِلْمِيُّ، وحَفَصٌ، واليَمانِيُّ، والأعْرَجُ: "لا مَقامَ" بِضَمِّ المِيمِ، بِمَعْنى: لا مَوْضِعَ قِيامٍ، وهي قِراءَةُ أبِي جَعْفَرٍ، وشَيْبَةَ، وأبِي رَجاءٍ، والحَسَنِ، وقَتادَةَ، والنَخْعِيِّ، وعَبْدِ اللهِ بْنِ مُسْلِمٍ، وطِلْحَةَ، والمَعْنى: في حَوْمَةِ القِتالِ ومَوْضِعِ المُمانَعَةِ. ﴿ "فارْجِعُوا"﴾ مَعْناهُ: إلى مَنازِلِكم وبُيُوتِكُمْ، وكانَ هَذا عَلى جِهَةِ التَخْذِيلِ عن رَسُولِ اللهِ ﷺ.
والفَرِيقُ المُسْتَأْذِنُ، رُوِيَ أنَّ أوسَ بْنَ قِيظِي، اسْتَأْذَنَ في ذَلِكَ عَنِ اتِّفاقٍ مِن عَشِيرَتِهِ، فَقالَ: إنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ، أيْ مُنْكَشِفَةٌ لِلْعَدُوِّ، وقِيلَ: أرادَ: خالِيَةٌ لِلسُّرّاقِ، ويُقالُ: أعْوَرُ المَنزِلِ إذا انْكَشَفَ، ومِنهُ قَوْلُ الشاعِرِ:
؎ لَنا الشَدَّةُ الأُولى إذا القِرْنُ أعْوَرا
(p-٩٩)قالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: الفَرِيقُ بَنُو حارِثَةَ، وهم كانُوا عاهَدُوا اللهَ إثْرَ أُحُدٍ لا يُوَلُّونَ الأدْبارَ، وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ، وابْنُ يَعْمَرَ، وقَتادَةُ، وأبُو رَجاءٍ: "عَوِرَةٌ" بِكَسْرِ الواوِ فِيهِما، وهو اسْمُ فاعِلٍ، قالَ أبُو الفَتْحِ: "صِحَّةُ الواوِ في هَذِهِ شاذَّةٌ، لِأنَّها مُتَحَرِّكَةٌ قَبْلَها فَتْحَةٌ"، وقَرَأ الجُمْهُورُ: ﴿ "عَوْرَةٌ"﴾ ساكِنَةَ الواوِ عَلى أنَّهُ مَصْدَرٌ وُصِفَ بِهِ، والبَيْتُ المَعْمُورُ هو المُنْفَرِدُ المُعَرَّضُ لِمَن شاءَهُ بِسُوءٍ، فَأخْبَرَ اللهُ تَعالى عن بُيُوتِهِمْ أنَّها لَيْسَتْ كَما ذَكَرُوهُ، وأنَّ قَصْدَهُمُ الفِرارَ، وأنَّ ما أظْهَرُوهُ مِن أنَّهم يُرِيدُونَ حِمايَةَ بُيُوتِهِمْ وخاصَّةً نُفُوسَهم لَيْسَ كَذَلِكَ، وأنَّهم إنَّما يَكْرَهُونَ نَصْرَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، ويُرِيدُونَ خِزْيَهُ وأنْ يُغْلَبَ.
ولَوْ دُخِلَتِ المَدِينَةُ مِن أقْطارِها، واشْتَدَّ الخَوْفُ الحَقِيقِيُّ، ثُمَّ سُئِلُوا الفِتْنَةَ والحَرْبَ لِمُحَمَّدٍ ﷺ وأصْحابِهِ رِضْوانُ اللهِ عَلَيْهِمْ لَطارُوا إلَيْها وأتَوْها مُجِيبِينَ فِيها، ولَمْ يَتَلَبَّثُوا في بُيُوتِهِمْ لِحِفْظِها إلّا يَسِيرًا، قِيلَ: قَدْرَ ما يَأْخُذُونَ سِلاحَهم. وقَرَأ الحَسَنُ البَصْرِيُّ: "ثُمَّ سُوُلُو الفِتْنَةَ" بِغَيْرِ هَمْزٍ، وهي مَن سالَ يُسالُ كَخافَ يُخافُ، لُغَةٌ في "سَألَ" العَيْنُ فِيها واوٌ، وحَكى أبُو زَيْدٍ: هُما يَتَساوَلانِ، ورُوِيَ عَنِ الحَسَنِ: "سُلُوا الفِتْنَةَ"، وقَرَأ مُجاهِدٌ: "سُوئِلُوا" بِالمَدِّ. وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، ونافِعٌ، وابْنُ عامِرٍ: "لَأتَوْها" بِمَعْنى لَجاؤَوْها، وقَرَأ عاصِمٌ، وأبُو عَمْرُو: "لَآتَوْها" بِمَعْنى: لَأعْطَوْها مِن أنْفُسِهِمْ، وهي قِراءَةُ حَمْزَةَ، والكِسائِيِّ، فَكَأنَّها رَدٌّ عَلى السُؤالِ ومُشْبِهَةً لَهُ، قالَ الشَعْبِيُّ: وقَرَأها النَبِيُّ عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ بِالمَدِّ.
ثُمَّ أخْبَرَ عنهم تَبارَكَ وتَعالى أنَّهم قَدْ كانُوا عاهَدُوا عَلى أنْ لا يَفِرُّوا، ورُوِيَ عن (p-١٠٠)يَزِيدُ بْنُ رُومانٍ أنَّ هَذِهِ الإشارَةَ إلى بَنِي حارِثَةَ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وهم مَعَ بَنِي سَلَمَةَ كانَتا الطائِفَتَيْنِ اللَتَيْنِ هَمَّتا بِالفَشَلِ يَوْمَ أُحُدٍ، ثُمَّ تابُوا وعاهَدا عَلى أنْ لا يَقَعُ فِرارٌ، فَوَقَعَ يَوْمَ الخَنْدَقِ مَن بَنِي حارِثَةَ.
وفِي قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَكانَ عَهْدُ اللهِ مَسْؤُولا﴾ تَوَعُّدٌ. و"الأقْطارُ": النَواحِي، واحِدُها قُطْرٌ وقَتْرٌ، والضَمِيرُ في بِها يُحْتَمَلُ المَدِينَةُ ويُحْتَمَلُ البُيُوتُ.
{"ayahs_start":13,"ayahs":["وَإِذۡ قَالَت طَّاۤىِٕفَةࣱ مِّنۡهُمۡ یَـٰۤأَهۡلَ یَثۡرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمۡ فَٱرۡجِعُوا۟ۚ وَیَسۡتَـٔۡذِنُ فَرِیقࣱ مِّنۡهُمُ ٱلنَّبِیَّ یَقُولُونَ إِنَّ بُیُوتَنَا عَوۡرَةࣱ وَمَا هِیَ بِعَوۡرَةٍۖ إِن یُرِیدُونَ إِلَّا فِرَارࣰا","وَلَوۡ دُخِلَتۡ عَلَیۡهِم مِّنۡ أَقۡطَارِهَا ثُمَّ سُىِٕلُوا۟ ٱلۡفِتۡنَةَ لَـَٔاتَوۡهَا وَمَا تَلَبَّثُوا۟ بِهَاۤ إِلَّا یَسِیرࣰا","وَلَقَدۡ كَانُوا۟ عَـٰهَدُوا۟ ٱللَّهَ مِن قَبۡلُ لَا یُوَلُّونَ ٱلۡأَدۡبَـٰرَۚ وَكَانَ عَهۡدُ ٱللَّهِ مَسۡـُٔولࣰا"],"ayah":"وَإِذۡ قَالَت طَّاۤىِٕفَةࣱ مِّنۡهُمۡ یَـٰۤأَهۡلَ یَثۡرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمۡ فَٱرۡجِعُوا۟ۚ وَیَسۡتَـٔۡذِنُ فَرِیقࣱ مِّنۡهُمُ ٱلنَّبِیَّ یَقُولُونَ إِنَّ بُیُوتَنَا عَوۡرَةࣱ وَمَا هِیَ بِعَوۡرَةٍۖ إِن یُرِیدُونَ إِلَّا فِرَارࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











