الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿وَلَوْ تَرى إذِ المُجْرِمُونَ ناكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أبْصَرْنا وسَمِعْنا فارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحًا إنّا مُوقِنُونَ﴾ ﴿وَلَوْ شِئْنا لآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها ولَكِنْ حَقَّ القَوْلُ مِنِّي لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجِنَّةِ والناسِ أجْمَعِينَ﴾ ﴿فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكم هَذا إنّا نَسِيناكم وذُوقُوا (p-٧٤)عَذابَ الخُلْدِ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ ﴿إنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنا الَّذِينَ إذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّدًا وسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وهم لا يَسْتَكْبِرُونَ﴾
قَوْلُهُ تَعالى: "لَوْ تَرى" تَعْجِيبٌ لِمُحَمَّدٍ ﷺ وأُمَّتِهِ مِن حالِ الكَفَرَةِ وما حَلَّ بِهِمْ. وجَوابُ "لَوْ" مَحْذُوفٌ؛ لِأنَّ حَذْفَهُ أهْوَلُ؛ إذْ يَتْرُكُ الإنْسانُ فِيهِ مَعَ أقْصى تَخَيُّلُهُ. و"المُجْرِمُونَ" هُمُ الكافِرُونَ؛ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ: ﴿إنّا مُوقِنُونَ﴾، أيْ أنَّهم كانُوا في الدُنْيا غَيْرَ مُوقِنِينَ. و"تَنْكِيسُ الرُؤُوسِ" هو مِنَ الهَوْلِ والذُلِّ واليَأْسِ والهَمِّ بِحُلُولِ العَذابِ وتَعَلُّقِ نُفُوسِهِمْ بِالرَجْعَةِ إلى الدُنْيا، وفي القَوْلِ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: يَقُولُونَ رَبَّنا، وقَوْلُهُمْ: ﴿أبْصَرْنا وسَمِعْنا﴾ أيْ: ما كُنّا نُخْبَرُ بِهِ في الدُنْيا فَكُنّا مُكَذِّبِينَ بِهِ، ثُمَّ طَلَبُوا الرَجْعَةَ حِينَ لا يَنْفَعُ ذَلِكَ.
ثُمَّ أخْبَرَ تَبارَكَ وتَعالى عن نَفْسِهِ أنَّهُ لَوْ شاءَ لَهَدى الناسَ أجْمَعِينَ، أيْ: يَلْطُفُ بِهِمْ لُطْفًا يُؤْمِنُونَ بِهِ ويَخْتَرِعُ الإيمانَ في قُلُوبِهِمْ. هَذا مَذْهَبُ أهْلِ السُنَّةِ. وقالَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ: تُعْرَضُ عَلَيْهِمْ آيَةٌ يَضْطَرُّهم بِها إلى الإيمانِ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وهَذا قَوْلُ بَعْضِ المُعْتَزِلَةِ، إلّا أنَّ مَن أشَرْنا إلَيْهِ مِنَ المُفَسِّرِينَ لَمْ يَدْرِ قَدَرَ القَوْلِ ولا مَغْزاهُ ولِذَلِكَ حَكاهُ، والَّذِي يَقُودُ المُعْتَزِلَةَ إلى هَذِهِ المَقالَةِ أنَّهم يَرَوْنَ أنَّ مَن يَقْدِرُ عَلى اللُطْفِ بِإنْسانٍ حَتّى يُؤْمِنَ ولا يَفْعَلَ فَإنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنَ الحِكْمَةِ ولا مِنَ الأمْرِ المُسْتَقِيمِ، والكَلامُ عَلى هَذِهِ المَسْألَةِ يَطُولُ ولَهُ تَوالِيفُهُ، و"الجِنَّةِ" الشَياطِينُ.
وقَوْلُهُ: "فَذُوقُوا العَذابَ" بِمَعْنى: يُقالُ لَهُمْ: ذُوقُوا، و"نَسِيتُمْ" مَعْناهُ: تَرَكْتُمْ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عنهُما - وغَيْرُهُ، وفي الكَلامِ حَذْفٌ مُضافٌ تَقْدِيرُهُ: عَمَلٌ، أو عِدَّةٌ ونَحْوَهُ. وقَوْلُهُ: ﴿إنّا نَسِيناكُمْ﴾ سَمّى العُقُوبَةَ بِاسْمِ الذَنْبِ، وقَوْلُهُ: ﴿بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ أيْ: بِتَكَسُّبِكُمُ الآثامَ.
ثُمَّ أثْنى عَزَّ وجَلَّ عَلى القَوْمِ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِهِ، ووَصْفَهم بِالصِفَةِ الحَسَنَةِ، بِسُجُودِهِمْ عِنْدَ التَذْكِيرِ وتَسْبِيحِهِمْ وعَدَمِ اسْتِكْبارِهِمْ، بِخِلافِ ما يَصْنَعُ الكُفْرُ مِنَ الإعْراضِ عِنْدَ التَذْكِيرِ، وقَوْلِ الهُجْرِ، وإظْهارِ التَكَبُّرِ، وهَذِهِ السَجْدَةُ مِن عَزائِمِ السَجْدَةِ في القُرْآنِ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: السُجُودُ هُنا بِمَعْنى الرُكُوعِ، وقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، ومُجاهِدٍ أنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ بِسَبَبِ قَوْمٍ مِنَ المُنافِقِينَ كانُوا إذا أُقِيمَتِ الصَلاةُ (p-٧٥)خَرَجُوا مِنَ المَسْجِدِ، فَكَأنَّ الرُكُوعَ يُقْصَدُ مِن هَذا، ويَلْزَمُ عَلى هَذا أنْ تَكُونَ الآيَةُ مَدَنِيَّةً، وأيْضًا فَمِن مَذْهَبِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما أنَّ القارِئَ لِلسَّجْدَةِ يَرْكَعُ، واسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ: ﴿وَخَرَّ راكِعًا وأنابَ﴾ [ص: ٢٤].
{"ayahs_start":12,"ayahs":["وَلَوۡ تَرَىٰۤ إِذِ ٱلۡمُجۡرِمُونَ نَاكِسُوا۟ رُءُوسِهِمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ رَبَّنَاۤ أَبۡصَرۡنَا وَسَمِعۡنَا فَٱرۡجِعۡنَا نَعۡمَلۡ صَـٰلِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ","وَلَوۡ شِئۡنَا لَـَٔاتَیۡنَا كُلَّ نَفۡسٍ هُدَىٰهَا وَلَـٰكِنۡ حَقَّ ٱلۡقَوۡلُ مِنِّی لَأَمۡلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلۡجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجۡمَعِینَ","فَذُوقُوا۟ بِمَا نَسِیتُمۡ لِقَاۤءَ یَوۡمِكُمۡ هَـٰذَاۤ إِنَّا نَسِینَـٰكُمۡۖ وَذُوقُوا۟ عَذَابَ ٱلۡخُلۡدِ بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ","إِنَّمَا یُؤۡمِنُ بِـَٔایَـٰتِنَا ٱلَّذِینَ إِذَا ذُكِّرُوا۟ بِهَا خَرُّوا۟ سُجَّدࣰا وَسَبَّحُوا۟ بِحَمۡدِ رَبِّهِمۡ وَهُمۡ لَا یَسۡتَكۡبِرُونَ ۩"],"ayah":"فَذُوقُوا۟ بِمَا نَسِیتُمۡ لِقَاۤءَ یَوۡمِكُمۡ هَـٰذَاۤ إِنَّا نَسِینَـٰكُمۡۖ وَذُوقُوا۟ عَذَابَ ٱلۡخُلۡدِ بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق