الباحث القرآني
(p-٦٥)بِسْمِ اللهِ الرَحْمَنِ الرَحِيمِ
تَفْسِيرُ سُورَةِ السَجْدَةِ
هَذِهِ السُورَةُ مَكِّيَّةٌ غَيْرُ ثَلاثِ آياتٍ نَزَلَتْ بِالمَدِينَةِ، وهي قَوْلُهُ: ﴿أفَمَن كانَ مُؤْمِنًا كَمَن كانَ فاسِقًا لا يَسْتَوُونَ﴾ [السجدة: ١٨] إلى تَمامِ ثَلاثِ آياتٍ، ويَأْتِي تَفْسِيرُها. وقالَ جابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: « "ما كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَنامُ حَتّى يَقْرَأ: ﴿الم﴾ ﴿تَنْزِيلُ﴾ السَجْدَةَ، و﴿تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ المُلْكُ﴾ [الملك: ١]».
قوله عزّ وجلّ:
﴿الم﴾ ﴿تَنْزِيلُ الكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِن رَبِّ العالَمِينَ﴾ ﴿أمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ بَلْ هو الحَقُّ مِن رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا ما أتاهم مِن نَذِيرٍ مِن قَبْلِكَ لَعَلَّهم يَهْتَدُونَ﴾ ﴿اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَماواتِ والأرْضَ وما بَيْنَهُما في سِتَّةِ أيّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلى العَرْشِ ما لَكم مِن دُونِهِ مِن ولِيٍّ ولا شَفِيعٍ أفَلا تَتَذَكَّرُونَ﴾
﴿ "تَنْزِيلُ"﴾ يَصِحُّ أنْ يَرْتَفِعَ بِالِابْتِداءِ، والخَبَرُ ﴿ "لا رَيْبَ"،﴾ ويَصِحُّ أنْ يَرْتَفِعَ عَلى أنَّهُ خَبَرُ ابْتِداءٍ، وهُوَ: إمّا الحُرُوفُ المُشارُ إلَيْها عَلى بَعْضِ الأقْوالِ في أوائِلِ السُورِ، وإمّا: "ذَلِكَ تَنْزِيلُ"، أو نَحْوَ هَذا مِنَ التَقْدِيرِ بِحَسَبِ القَوْلِ في الحُرُوفِ.
(p-٦٦)وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿لا رَيْبَ فِيهِ﴾ أيْ: هو كَذا في نَفْسِهِ، ولا يُراعى ارْتِيابُ الكَفَرَةِ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿مِن رَبِّ العالَمِينَ﴾ مُتَعَلِّقٌ بِـ"تَنْزِيلُ"، فَفي الكَلامِ تَقْدِيمٌ وتَأْخِيرٌ. ويَجُوزُ أنْ يَتَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ: ﴿ "لا رَيْبَ"،﴾ أيْ: لا شَكَّ فِيهِ مِن جِهَةِ اللهِ تَعالى، وإنَّ وقَعَ شَكٌّ لِلْكَفَرَةِ فَذَلِكَ لا يُراعى. والرَيْبُ: الشَكُّ، وكَذَلِكَ هو في كُلِّ القُرْآنِ إلّا قَوْلَهُ: ﴿رَيْبَ المَنُونِ﴾ [الطور: ٣٠].
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ "أمْ يَقُولُونَ"﴾ إضْرابٌ، وتَقْدِيرُهُ أنَّهُ قالَ: بَلْ أيَقُولُونَ، و"افْتَراهُ": اخْتَلَقَهُ، ثُمَّ رَدَّ تَعالى عَلى مَقالَتِهِمْ هَذِهِ، وأخْبَرَ أنَّهُ الحَقُّ مِن عِنْدِ اللهِ تَعالى، واللامُ في قَوْلِهِ: "لِتُنْذِرَ" يَجُوزُ أنْ تَتَعَلَّقَ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ تَقْدِيرُهُ: أنْزَلَهُ لِتُنْذِرَ، فَيُوقِفُ حِينَئِذٍ عَلى قَوْلِهِ: ﴿ "مِن رَبِّكَ"،﴾ وقَوْلُهُ تَعالى ﴿ما أتاهم مِن نَذِيرٍ﴾ أيْ: لَمْ يُباشِرْهم ولا رَأوهُ هم ولا آباؤُهُمُ العَرَبُ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإنْ مِن أُمَّةٍ إلا خَلا فِيها نَذِيرٌ﴾ [فاطر: ٢٤] فَيَعُمُّ مَن بُوشِرَ مِنَ النُذُرِ ومَن سَمِعَ بِهِ، فالعَرَبُ مِنَ الأُمَمِ الَّتِي خَلَتْ فِيها النُذُرُ عَلى هَذا الوَجْهِ، لِأنَّها عَلِمَتْ بِإبْراهِيمَ وبَنِيِّهِ عَلَيْهِمُ السَلامُ ودَعْوَتِهِمْ، وهم مِمَّنْ لَمَّ يَأْتِهِمْ نَذِيرٌ مُباشِرٌ لَهم سِوى مُحَمَّدٍ ﷺ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما، ومُقاتِلٌ: المَعْنى: لَمْ يَأْتِهِمْ نَذِيرٌ في الفَتْرَةِ بَيْنَ عِيسى ومُحَمَّدٍ عَلَيْهِما الصَلاةُ والسَلامُ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فِي سِتَّةِ أيّامٍ﴾ يَقْضِي بِأنْ يَوْمًا مِن أيّامِ الجُمْعَةِ بَقِيَ لَمْ يُخْلَقْ فِيهِ شَيْءٌ، وتَظاهَرَتِ الأحادِيثُ الصِحاحُ «أنَّ الخَلْقَ ابْتَدَأ يَوْمَ الأحَدِ، وخُلِقَ آدَمُ يَوْمَ الجُمْعَةِ (p-٦٧)آخِرَ الأشْياءِ،» فَهَذا مُسْتَقِيمٌ مَعَ هَذِهِ الآيَةِ، ووَقَعَ في كِتابٍ مُسْلِمٍ «أنَّ الخَلْقَ ابْتَدَأ يَوْمَ السَبْتَ،» فَهَذا يُخالِفُ الآيَةَ، اللهُمَّ إلّا أنْ يَكُونَ أرادَ في الآيَةِ جَمِيعَ الأشْياءِ غَيْرَ آدَمِ عَلَيْهِ السَلامُ، ثُمَّ يَكُونُ يَوْمُ الجُمْعَةَ هو الَّذِي لَمْ يُخْلَقْ فِيهِ شَيْءٌ مِمّا بَيْنُ السَماءِ والأرْضِ؛ لِأنَّ آدَمَ لَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ مِمّا بَيْنَهُما. وقَدْ تَقَدَّمَ القَوْلُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿اسْتَوى عَلى العَرْشِ﴾ بِما فِيهِ كِفايَةٌ، و"ثُمَّ" في هَذا المَوْضِعِ لِتَرْتِيبِ الجُمَلِ، لا لِأنَّ الِاسْتِواءَ كانَ بَعْدَ أنْ لَمْ يَكُنْ، وهَذا عَلى المُخْتارِ في مَعْنى "اسْتَوى".
ونَفْيُ الشَفاعَةِ مَحْمُولٌ عَلى أحَدِ وجْهَيْنِ: إمّا نَفْيٌ عَنِ الكَفَرَةِ، وإمّا نَفْيُ الشُفَعاءِ مِن ذاتِهِمْ عَلى حَدِّ شَفاعَةِ الدُنْيا؛ لِأنَّ شَفاعَةَ الآخِرَةِ إنَّما هي بَعْدَ إذْنٍ مِنَ اللهِ تَعالى.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["الۤمۤ","تَنزِیلُ ٱلۡكِتَـٰبِ لَا رَیۡبَ فِیهِ مِن رَّبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ","أَمۡ یَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰهُۚ بَلۡ هُوَ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوۡمࣰا مَّاۤ أَتَىٰهُم مِّن نَّذِیرࣲ مِّن قَبۡلِكَ لَعَلَّهُمۡ یَهۡتَدُونَ","ٱللَّهُ ٱلَّذِی خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَیۡنَهُمَا فِی سِتَّةِ أَیَّامࣲ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ مَا لَكُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَلِیࣲّ وَلَا شَفِیعٍۚ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ"],"ayah":"الۤمۤ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











