الباحث القرآني

(p-٦٢)قوله عزّ وجلّ: ﴿يا أيُّها الناسُ اتَّقُوا رَبَّكم واخْشَوْا يَوْمًا لا يَجْزِي والِدٌ عن ولَدِهِ ولا مَوْلُودٌ هو جازٍ عن والِدِهِ شَيْئًا إنَّ وعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الحَياةُ الدُنْيا ولا يَغُرَّنَّكم بِاللهِ الغَرُورُ﴾ ﴿إنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ الساعَةِ ويُنَزِّلُ الغَيْثَ ويَعْلَمُ ما في الأرْحامِ وما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَدًا وما تَدْرِي نَفْسٌ بِأيِّ أرْضٍ تَمُوتُ إنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ ﴿ "يَجْزِي"﴾ مَعْناهُ: يَقْضِي، والمَعْنى لا يَنْفَعُهُ بِشَيْءٍ ولا يَدْفَعُ عنهُ شَيْئًا، و"هُوَ جازٍ" جُمْلَةٌ في مَوْضِعِ الصِفَةِ، أيْ: ولا يَجْزِي مَوْلُودٌ قَدْ كانَ في الدُنْيا يَجْزِي. و"الغُرُورُ": التَطْمِيعُ بِما لا يَتَحَصَّلُ، و"الغَرُورُ": الشَيْطانُ، بِذَلِكَ فَسَّرَ مُجاهِدٌ والضَحّاكُ، وقالَ: هو الأمَلُ والتَسْوِيفُ. وقَرَأ سِماكُ بْنُ حَرْبٍ، وأبُو حَيْوَةَ: "الغُرُورُ" بِضَمِّ الغَيْنِ، وقالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: مَعْنى الآيَةِ أنْ تَعْمَلَ المَعْصِيَةَ وتَتَمَنّى المَغْفِرَةَ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: "يَجْزِي" بِفَتْحِ الياءِ، مِن "جَزى"، وقَرَأ عِكْرِمَةُ: "يَجْزِي" بِضَمِّ الياءِ عَلى ما لَمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، وحَكى ابْنُ مُجاهِدٍ قِراءَةَ: "لا يُجْزِئُ" بِضَمِّ الياءِ والهَمْزِ. وفي رَفْعِ "مَوْلُودٌ" اضْطِرابٌ مِنَ النُحاةِ، قالَ المَهْدَوِيُّ: "وَلا يَكُونُ مُبْتَدَأً لِأنَّهُ نَكِرَةٌ وما بَعْدَهُ صِفَةٌ لَهُ فَيَبْقى بِغَيْرِ خَبَرٍ". وقَرَأ ابْنُ أبِي عَبْلَةَ وابْنُ أبِي إسْحاقٍ ويَعْقُوبُ: "وَلا تَغُرَّنَكُمْ" خَفِيفَةُ النُونِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ اللهَ عِنْدَهُ﴾ الآيَةُ. ذَكَرَ النَقّاشُ «أنَّ رَجُلًا سَألَ رَسُولَ اللهِ ﷺ عن (p-٦٣)هَذِهِ الخَمْسِ، ورُوِيَ أنَّهُ سَألَ عن بَعْضِها فَنَزَلَتِ الآيَةُ حاصِرَةً لِمَفاتِيحِ الغَيْبِ الَّتِي لا يَعْلَمُها إلّا اللهُ عَزَّ وجَلَّ،» ذَكَرَ ذَلِكَ مُجاهِدٌ، ولَنْ تَجِدَ مِنَ المُغَيَّباتِ شَيْئًا إلّا هَذِهِ أو ما يُفِيدُهُ النَظَرُ والتَأْوِيلُ. و﴿عِلْمُ الساعَةِ﴾ مَصْدَرٌ مُضافٌ إلى مَفْعُولٍ، أيْ: كُلُّ ما شَأْنُهُ أنْ يُعْلَمَ مِن أمْرِ الساعَةِ، ولَكِنَّ الَّذِي اسْتَأْثَرَ اللهُ تَعالى بِهِ هو عِلْمُ الوَقْتِ، وغَيْرُ ذَلِكَ قَدْ أعْلَمَ بِبَعْضٍ مِنهُ. وكَذَلِكَ نُزُولُ الغَيْثِ أمْرٌ قَدِ اسْتَأْثَرَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ بِتَفْصِيلِهِ وعِلْمِ وقْتِهِ الخاصِّ بِهِ. وأمْرُ الأجِنَّةِ كَذَلِكَ، وأفْعالُ البَشَرِ وجَمِيعُ كَسْبِهِمْ كَذَلِكَ، ومَوْضِعُ مَوْتِ كُلِّ بَشَرٍ كَذَلِكَ الأصْقاعُ والمَوْضِعُ الخاصُّ بِالجَسَدِ. وقَرَأ ابْنُ أبِي عَبْلَةَ: "بِأيَّةِ أرْضٍ" بِفَتْحِ الياءِ وزِيادَةِ تاءِ تَأْنِيثٍ. و﴿عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ صِفَتانِ مُتَشابِهَتانِ لِمَعْنى الآيَةِ. وقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ: كُلُّ شَيْءٍ أُوتِيَ نَبِيُّكم إلّا مَفاتِيحَ الخَمْسِ، ثُمَّ تَلا الآيَةَ. (p-٦٤)وَقَرَأ: "وَيُنْزِلُ الغَيْثَ" خَفِيفَةً أهْلُ الكُوفَةِ، وأبُو عَمْرُو، وعِيسى، وقَرَأ: "يُنَزِّلُ" بِالتَثْقِيلِ نافِعٌ، وأبُو جَعْفَرٍ، وعاصِمٌ، وشَيْبَةُ. وذَكَرَ أبُو حاتِمٍ في تَرْجِيحِ التَثْقِيلِ رَأْيًا. كَمُلَ تَفْسِيرُ سُورَةِ لُقْمانَ والحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ وصَلّى اللهُ عَلى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وعَلى آلِهِ وصَحِبَهُ وسَلَّمَ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب