الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿وَمَن يُسْلِمْ وجْهَهُ إلى اللهِ وهو مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالعُرْوَةِ الوُثْقى وإلى اللهِ عاقِبَةُ الأُمُورِ﴾ ﴿وَمَن كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إلَيْنا مَرْجِعُهم فَنُنَبِّئُهم بِما عَمِلُوا إنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُدُورِ﴾ ﴿نُمَتِّعُهم قَلِيلا ثُمَّ نَضْطَرُّهم إلى عَذابٍ غَلِيظٍ﴾ ﴿وَلَئِنْ سَألْتَهم مَن خَلَقَ السَماواتِ (p-٥٦)والأرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلِ الحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أكْثَرُهم لا يَعْلَمُونَ﴾ ﴿لِلَّهِ ما في السَماواتِ والأرْضِ إنَّ اللهَ هو الغَنِيُّ الحَمِيدُ﴾
لَمّا ذَكَرَ اللهُ تَعالى حالَ الكَفَرَةِ أعْقَبَ ذَلِكَ بِذِكْرِ حالِ المُؤْمِنِينَ لِيَتَبَيَّنَ الفَرْقُ وتَتَحَرَّكُ النُفُوسُ إلى طَلَبِ الأفْضَلِ. وقَرَأتْ عامَّةُ القُرّاءِ: ﴿ "يُسْلِمْ"﴾ بِسُكُونِ السِينِ وتَخْفِيفِ اللامِ، وقَرَأ عَبْدُ اللهِ بْنِ مُسْلِمٍ، وأبُو عَبْدِ الرَحْمَنِ: "يُسَلِّمُ" بِفَتْحِ السِينِ وشَدِّ اللامِ، ومَعْناهُ يَخْلُصُ ويُوَجِّهُ ويَسْتَسْلِمُ بِهِ، و"الوَجْهُ" هُنا الجارِحَةُ، اسْتُعِيرَ لِلْقَصْدِ؛ لِأنَّ القاصِدَ لِلشَّيْءِ فَهو مُسْتَقْبِلُهُ بِوَجْهِهِ، فاسْتُعِيرَ ذَلِكَ لِلْمَعانِي، و"المُحْسِنُ" الَّذِي جَمَعَ القَوْلَ والعَمَلَ، وهو الَّذِي شَرَحَ رَسُولُ اللهِ ﷺ حِينَ سَألَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَلامُ.
و"العُرْوَةُ الوُثْقى" هي اسْتِعارَةٌ لِلْأمْرِ المُنَجِّي الَّذِي لا يُخافُ عَلَيْهِ اسْتِحالَةٌ ولا إخْلالٌ، والعُرى مَوْضِعُ التَعْلِيقِ، فَكَأنَّ المُؤْمِنَ مُتَعَلِّقٌ بِأمْرِ اللهِ تَبارَكَ وتَعالى، فَشَبَّهَ ذَلِكَ بِالعُرْوَةِ، و"الأُمُورُ" جَمْعُ أمْرٍ ولَيْسَ بِالمُضادِّ لِلنَّهْيِ. ثُمَّ سَلّى عَزَّ وجَلَّ نَبِيَّهُ عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ عن مَوْجِدَتِهِ لِكُفْرِ قَوْمِهِ وإعْراضِهِمْ، فَأمَرَهُ أنْ لا يَحْزَنَ لِذَلِكَ، بَلْ يَعْمَدُ لِما كَلَّفَهُ مِنَ التَبْلِيغِ ويَرْجِعُ الكُلُّ إلى اللهِ تَعالى. وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: "يُحْزِنْكَ" مِنَ الرُباعِيِّ، وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: "يَحْزُنْكَ" مِنَ الثُلاثِيِّ، و"ذاتُ الصُدُورِ" ما فِيها، والقَصْدُ مِن ذَلِكَ: إلى المُعْتَقَداتِ والآراءِ، ومِن ذَلِكَ قَوْلُهُمُ: "الذِئْبُ مَغْبُوطٌ بِذِي بَطْنِهِ"، ومِنهُ (p-٥٧)قَوْلُ أبِي بَكْرٍ الصَدِيقِ رَضِيَ اللهُ عنهُ: "ذُو بَطْنِ بِنْتُ خارِجَةٍ ". و"المَتاعُ القَلِيلُ" هو العُمْرُ في الدُنْيا، و"العَذابُ الغَلِيظُ" مَعْناهُ: المُغْلِظُ المُؤْلِمُ.
ثُمَّ أقامَ عَلَيْهِمُ الحُجَّةَ في أمْرِ الأصْنامِ بِأنَّهم يُقِرُّونَ بِأنَّ اللهَ تَعالى خالِقُ المَخْلُوقاتِ، ويَدْعُونَ مَعَ ذَلِكَ إلَهًا غَيْرَهُ، والمَعْنى: قُلِ الحَمْدُ لِلَّهِ عَلى ظُهُورِ الحُجَّةِ عَلَيْكم. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿بَلْ أكْثَرُهُمْ﴾ إضْرابٌ عن مُقَدَّرٍ، تَقْدِيرُهُ لَيْسَ دَعْواهم بِحَقِّ، ونَحْوَ هَذا، وقَوْلُهُ: ﴿ "أكْثَرُهُمْ"﴾ عَلى أصْلِهِ؛ لِأنَّ مِنهم مَن شَذَّ فِعْلُهم كَزَيْدِ بْنِ عَمْرُو بْنِ نُفَيْلِ ووَرَقَةِ بْنِ نَوْفَلِ. ويُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ الإشارَةُ أيْضًا إلى مَن هو مُعَدٌّ أنْ يُسَلِّمَ. ثُمَّ أخْبَرَ عَلى جِهَةِ الحُكْمِ وفَصْلِ القَضِيَّةِ بِأنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ لَهُ مُلْكُ السَماواتِ والأرْضِ وما فِيهِما، أيْ: وأقْوالُ هَؤُلاءِ لا مَعْنى لَها ولا حَقِيقَةَ، والمَعْنى: الَّذِي لا حاجَةَ بِهِ في وُجُودِهِ وكَمالِهِ إلى شَيْءٍ، ولا نَقْصَ بِجِهَةٍ مِنَ الجِهاتِ، و"الحَمِيدُ" المَحْمُودُ، أيْ: كَذَلِكَ هو بِذاتِهِ وصِفاتِهِ.
{"ayahs_start":22,"ayahs":["۞ وَمَن یُسۡلِمۡ وَجۡهَهُۥۤ إِلَى ٱللَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنࣱ فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰۗ وَإِلَى ٱللَّهِ عَـٰقِبَةُ ٱلۡأُمُورِ","وَمَن كَفَرَ فَلَا یَحۡزُنكَ كُفۡرُهُۥۤۚ إِلَیۡنَا مَرۡجِعُهُمۡ فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوۤا۟ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِیمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ","نُمَتِّعُهُمۡ قَلِیلࣰا ثُمَّ نَضۡطَرُّهُمۡ إِلَىٰ عَذَابٍ غَلِیظࣲ","وَلَىِٕن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ لَیَقُولُنَّ ٱللَّهُۚ قُلِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا یَعۡلَمُونَ","لِلَّهِ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡغَنِیُّ ٱلۡحَمِیدُ"],"ayah":"۞ وَمَن یُسۡلِمۡ وَجۡهَهُۥۤ إِلَى ٱللَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنࣱ فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰۗ وَإِلَى ٱللَّهِ عَـٰقِبَةُ ٱلۡأُمُورِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق