الباحث القرآني

(p-٢٦)قوله عزّ وجلّ: ﴿وَإذا مَسَّ الناسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهم مُنِيبِينَ إلَيْهِ ثُمَّ إذا أذاقَهم مِنهُ رَحْمَةً إذا فَرِيقٌ مِنهم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ﴾ ﴿لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهم فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ ﴿أمْ أنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطانًا فَهو يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ﴾ هَذا ابْتِداءُ إنْحاءٍ عَلى عَبَدَةِ الأصْنامِ المُشْرِكِينَ بِاللهِ عَزَّ وجَلَّ غَيْرَهُ، بَيَّنَ اللهِ تَعالى لَهم أنَّهم كَسائِرِ البَشَرِ في أنَّهم إذا مَسَّهم ضُرٌّ دَعَوُا اللهَ سُبْحانَهُ، وتَرَكُوا الأصْنامَ مَطْرُوحَةُ، ولَهم في ذَلِكَ الوَقْتِ إنابَةٌ وخُضُوعٌ، فَإذا أذاقَهم رَحْمَتَهُ، أيْ: باشَرَهم أمْرُهُ بِها، والذَوْقُ مُسْتَعارٌ، إذا طائِفَةٌ تُشْرِكُ بِهِ أصْنامًا ونَحْوَ هَذا، و"إذا" لِلْمُفاجَأةِ، فَلِذَلِكَ صَلَحَتْ في جَوابِ "إذا" الأولى، بِمَنزِلَةِ الفاءِ، وهَذِهِ الطائِفَةُ هي عَبَدَةُ الأصْنامِ. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: ويَلْحَقُ مِن هَذِهِ الألْفاظِ شَيْءٌ لِلْمُؤْمِنِينَ إذا جاءَهم فَرَجٌ بَعْدَ شِدَّةٍ، فَعَلَّقُوا ذَلِكَ بِمَخْلُوقٍ، أو بِحِذْقِ آرائِهِمْ، وغَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأنَّ فِيهِ قِلَّةُ شُكْرٍ لِلَّهِ تَبارَكَ وتَعالى، ويُسَمّى تَشْرِيكًا مَجازًا. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ "لِيَكْفُرُوا"﴾ اللامُ لامُ كَيْ، وقالَتْ فِرْقَةٌ: هي لامُ الأمْرِ عَلى جِهَةِ الوَعِيدِ والتَهْدِيدِ. وأمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ "فَتَمَتَّعُوا"﴾ فَأمْرٌ عَلى جِهَةِ الوَعِيدِ والتَقْرِيرِ، أيْ: قُلْ لَهم يا مُحَمَّدُ: فَتَمَتَّعُوا. وقَرَأ أبُو العالِيَةِ: "فَيَتَمَتَّعُوا" بِياءٍ قَبْلَ التاءِ، وذَلِكَ عَطْفٌ عَلى "لِيَكْفُرُوا"، أيْ: لِتَطُولَ أعْمارُهم عَلى الكُفْرِ، وفي حِرَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ: "فَلْيَتَمَتَّعُوا"، ورُوِيَ عن أبِي العالِيَةِ: "فَيُمَتِّعُوا" بِضَمِّ الياءِ دُونَ تاءٍ أُولى، وفي مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ: "تَمَتَّعُوا"، كَذا قالَ هارُونُ. وقَرَأ عامَّةُ الناسِ: "تَعْلَمُونَ" بِالتاءِ عَلى المُخاطَبَةِ، وقَرَأ أبُو العالِيَةِ: "يَعْلَمُونَ" بِالياءِ عَلى ذِكْرِ الغائِبِ. وقَوْلُهُ تَعالى: "أمْ" بِمَعْنى (بَلْ) وألِفُ الِاسْتِفْهامِ، كَأنَّهُ أضْرَبَ عن صَدْرِ الكَلامِ ورَجَعَ إلى هَذِهِ الحُجَّةِ. و"السُلْطانُ" هاهُنا: البُرْهانُ، مِن رَسُولٍ أو كِتابٍ ونَحْوِهِ، والسُلْطانُ في كَلامِ العَرَبِ جَمْعُ سَلِيطٍ، كَرَغِيفٍ ورُغْفانٍ، وغَدِيرٍ وغُدْرانٍ، فَهو مَأْخُوذٌ مِنَ التَسَلُّطِ والتَغَلُّبِ، ولَزِمَ هَذا الِاسْمُ في العَرَبِ الرَئِيسَ؛ لِأنَّهُ سَلِيطٌ بِوَجْهِ الحَقِّ، وهو (p-٢٧)اسْمُ جَمْعٍ مِن حَيْثُ أنْواعِ الغَلَبَةِ والمُلْكِ عِنْدَهُ، وقالَ قَوْمٌ: هو اسْمٌ مُفْرَدٌ وزْنُهُ فُعْلانُ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَهُوَ يَتَكَلَّمُ﴾ مَعْناهُ أنْ يُظْهِرَ حُجَّتَهُمْ، ويُغَلِّبَ مَذْهَبَهُمْ، ويَنْطِقَ بِشِرْكِهِمْ، قالَهُ قَتادَةُ، فَيَقُومُ ذَلِكَ مَقامَ الكَلامِ، كَما قالَ تَعالى: ﴿هَذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكم بِالحَقِّ﴾ [الجاثية: ٢٩].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب