الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿وَمِن آياتِهِ مَنامُكم بِاللَيْلِ والنَهارِ وابْتِغاؤُكم مِن فَضْلِهِ إنَّ في ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ﴾ ﴿وَمِن آياتِهِ يُرِيكُمُ البَرْقَ خَوْفًا وطَمَعًا ويُنَزِّلُ مِنَ السَماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إنَّ في ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ ﴿وَمِن آياتِهِ أنْ تَقُومَ السَماءُ والأرْضُ بِأمْرِهِ ثُمَّ إذا دَعاكم دَعْوَةً مِنَ الأرْضِ إذا أنْتُمْ تَخْرُجُونَ﴾ ذَكَرَ تَعالى النَوْمَ بِاللَيْلِ والنَهارِ وعُرْفُ النُوَّمِ إنَّما هو بِاللَيْلِ وحْدَهُ، ثُمَّ ذَكَرَ الِابْتِغاءَ مِن فَضْلِهِ كَأنَّهُ فِيهِما، وإنَّما مَعْنى ذَلِكَ أنَّهُ عَمَّ بِاللَيْلِ والنَهارِ فَسَمّى الزَمانَ، وقَصَدَ مِن ذَلِكَ تَعْدِيدَ آيَةِ النَوْمِ وتَعْدِيدَ آيَةِ ابْتِغاءِ الفَضْلِ، فَإنَّهُما آيَتانِ ونِعْمَتانِ يَكُونانِ في لَيْلٍ ونَهارٍ، والعُرْفُ "تَحَيُّزُ" كُلِّ واحِدَةٍ مِنَ النِعْمَتَيْنِ أيْ مَحَلَّها مِنَ الأغْلَبِ، وقالَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ: في الكَلامِ تَقْدِيمٌ وتَأْخِيرٌ. (p-١٨)قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: وهَذا ضَعِيفٌ. وإنَّما أرادَ أنْ يُرَتِّبَ النَوْمَ لِلَّيْلِ، والِابْتِغاءَ لِلنَّهارِ، ولَفْظُ الآيَةِ لا يُعْطِي ما أرادَ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ "يُرِيكُمُ"﴾ فِعْلٌ مُرْتَفِعٌ لَمّا حُذِفَتْ "أنْ" الَّتِي لَوْ كانَتْ لَنَصَبَتْهُ، فَلَمّا حَلَّ الفِعْلُ مَحَلَّ الِاسْمِ أُعْرِبَ بِالرَفْعِ، ومَثَلُهُ قَوْلُ طُرْفَةَ: ؎ ألا أيُّهَذا الزاجِرِي أحْضُرَ الوَغى ∗∗∗ وأنْ أشْهَدَ اللَذّاتِ هَلْ أنْتَ مُخْلِدِي؟ قالَ الرُمّانِيُّ: وتَحْتَمِلُ الآيَةُ أنْ يَكُونَ التَقْدِيرُ: "وَمِن آياتِهِ آيَةُ يُرِيكُمُ البَرْقَ"، وحُذِفَتِ "الآيَةُ" لِدَلالَةِ "مِن" عَلَيْها، ومِنهُ قَوْلُ الشاعِرِ: ؎ وما الدَهْرُ إلّا تارَتانِ فَمِنهُما ∗∗∗ ∗∗∗ أمُوتُ وأُخْرى أبْتَغِي العَيْشَ أكْدَحُ التَقْدِيرُ: فَمِنها تارَةٌ أمُوتُ. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: وهَذا عَلى أنَّ "مِن" لِلتَّبْعِيضِ كَسائِرِ هَذِهِ الآياتِ، ويَحْتَمِلُ في هَذِهِ وحْدَها أنْ تَكُونَ "مِن" لِابْتِداءِ الغايَةِ فَلا يُحْتاجُ إلى تَقْدِيرِ "آيَةٌ"، وإنَّما يَكُونُ الفِعْلُ مُخْلَصًا لِلِاسْتِقْبالِ. (p-١٩)وَقَوْلُهُ: ﴿خَوْفًا وطَمَعًا﴾، قالَ قَتادَةُ: خَوْفًا لِلْمُسافِرِ وطَمَعًا لِلْمُقِيمِ. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: ولا وجْهَ لِهَذا التَخْصِيصِ ونَحْوِهِ، بَلْ فِيهِ الخَوْفُ والطَمَعُ لِكُلِّ بَشَرٍ، قالَ الضَحّاكُ: الخَوْفُ مِن صَواعِقِهِ، والطَمَعُ في مَطَرِهِ. وقَوْلُهُ: ﴿أنْ تَقُومَ السَماءُ والأرْضُ﴾ مَعْناهُ: تَثْبُتُ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَإذا أظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا﴾ [البقرة: ٢٠]، وهَذا كَثِيرٌ، وقِيلَ: هو فِعْلٌ مُسْتَقْبَلٌ، أحَلَّهُ مَحَلَّ الماضِي لِيُعْطِيَ فِيهِ مَعْنى الدَوامِ الَّذِي هو في المُسْتَقْبَلِ، و"الدَعْوَةُ مِنَ الأرْضِ" هي البَعْثُ يَوْمَ القِيامَةِ، و"مِنَ الأرْضِ" حالٌ لِلْمُخاطَبِينَ، كَأنَّهُ قالَ: خارِجِينَ مِنَ الأرْضِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ "مِنَ الأرْضِ" صِفَةٌ لِلدَّعْوَةِ. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: و"مِن" عِنْدِي هاهُنا لِانْتِهاءِ الغايَةِ، كَما تَقُولُ: "دَعْوَتُكَ مِنَ الجَبَلِ"، إذا كانَ المَدْعُوُّ في الجَبَلِ، والوَقْفُ في هَذِهِ الآيَةِ عِنْدَ نافِعٍ ويَعْقُوبَ الحَضْرَمِيِّ عَلى "دَعْوَةً"، والمَعْنى: بَعْدَ إذا أنْتُمْ تُخْرَجُونَ مِنَ الأرْضِ، وهَذا عَلى أنَّ "مِن" لِابْتِداءِ الغايَةِ، قالَ مَكِّيٌّ: والأحْسَنُ عِنْدَ أهْلِ النَظَرِ أنَّ الوَقْفَ في آخِرِ الآيَةِ؛ لِأنَّ مَذْهَبَ سِيبَوَيْهِ والخَلِيلِ في "إذا" الثانِيَةِ أنَّها جَوابُ الأُولى، كَأنَّهُ قالَ: ثُمَّ إذا دَعاكم خَرَجْتُمْ، وهَذا أسُدُّ الأقْوالِ، وقَرَأ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ: "تَخْرُجُونَ" بِفَتْحِ التاءِ، وقَرَأ الباقُونَ "تُخْرَجُونَ" بِضَمِّ التاءِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب