الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الآياتِ والذِكْرِ الحَكِيمِ﴾ ﴿إنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ ﴿الحَقُّ مِن رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِن المُمْتَرِينَ﴾ ﴿فَمَن حاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ ما جاءَكَ مِن العِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أبْناءَنا وأبْناءَكم ونِساءَنا ونِساءَكم وأنْفُسَنا وأنْفُسَكم ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلى الكاذِبِينَ﴾ "ذَلِكَ" رُفِعَ بِالِابْتِداءِ والإشارَةُ بِهِ إلى ما تَقَدَّمَ مِنَ الأنْباءِ. و﴿نَتْلُوهُ عَلَيْكَ﴾ خَبَرُ ابْتِداءٍ، وقَوْلُهُ: ﴿مِنَ الآياتِ﴾ لِبَيانِ الجِنْسِ، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ لِلتَّبْعِيضِ، ويَصِحُّ أنْ يَكُونَ: ﴿نَتْلُوهُ عَلَيْكَ﴾ حالًا، ويَكُونَ الخَبَرُ في قَوْلِهِ: ﴿مِنَ الآياتِ﴾، وعَلى قَوْلِ (p-٢٤٠)الكُوفِيِّينَ يَكُونُ قَوْلُهُ "نَتْلُوهُ" صِلَةً لِذَلِكَ، عَلى حَدِّ قَوْلِهِمْ في بَيْتِ ابْنِ مُفَرِّغٍ الحِمْيَرِيِّ: ؎ ................ وهَذا تَحْمِلِينَ طَلِيقُ ويَكُونُ الخَبَرُ في قَوْلِهِ: ﴿مِنَ الآياتِ﴾. وقَوْلُ البَصْرِيِّينَ في البَيْتِ: أنَّ "تَحْمِلِينَ" حالٌ، التَقْدِيرُ: وهَذا مَحْمُولًا. و"نَتْلُوهُ" مَعْناهُ: نَسْرُدُهُ، و﴿مِنَ الآياتِ﴾ ظاهِرُهُ آياتُ القُرْآنِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ: ﴿مِنَ الآياتِ﴾ مِنَ المُعْجِزاتِ والمُسْتَغْرَباتِ أنْ تَأْتِيَهم بِهَذِهِ الغُيُوبِ مِن قِبَلِنا، وبِسَبَبِ تِلاوَتِنا وأنْتَ أُمِّيٌّ لا تَقْرَأُ. ولَسْتَ مِمَّنْ صَحِبَ أهْلَ الكِتابِ. فالمَعْنى: أنَّها آياتٌ لِنُبُوَّتِكَ. وهَذا الِاحْتِمالُ إنَّما يَتَمَكَّنُ مَعَ كَوْنِ "نَتْلُوهُ" حالًا. و"الذِكْرِ" ما يَنْزِلُ مِن عِنْدِ اللهِ، "الحَكِيمِ" يَجُوزُ أنْ يُتَأوَّلَ بِمَعْنى المُحْكَمِ، فَهو فَعِيلٌ بِمَعْنى مَفْعُولٌ، ويَصِحُّ أنْ يُتَأوَّلَ بِمَعْنى مُصَرِّحٍ بِالحِكْمَةِ، فَيَكُونَ بِناءَ اسْمِ فاعِلٍ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: "الذِكْرِ": القُرْآنُ، و"الحَكِيمِ": الَّذِي قَدْ كَمُلَ في حِكْمَتِهِ. وذَكَرَ ابْنُ عَبّاسٍ وقَتادَةُ وعِكْرِمَةُ والسُدِّيُّ وغَيْرُهُمْ، قالُوا: سَبَبُ نُزُولِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ﴾.... الآيَةِ «أنَّ وفْدَ نَصارى نَجْرانَ جادَلُوا النَبِيَّ ﷺ في أمْرِ عِيسى، وقالُوا: بَلَغَنا أنَّكَ تَشْتُمُ صاحِبَنا وتَقُولُ: هو عَبْدٌ، فَقالَ النَبِيُّ ﷺ: وما يَضُرُّ ذَلِكَ عِيسى، أجَلْ هو عَبْدُ اللهِ، وكَلِمَتُهُ ألْقاها إلى مَرْيَمَ ورُوحٌ مِنهُ، فَقالُوا: فَهَلْ رَأيْتَ بَشَرًا قَطُّ جاءَ مِن غَيْرِ فَحْلٍ أو سَمِعْتَ بِهِ؟ وخَرَجُوا مِن عِنْدِ النَبِيِّ فَأنْزَلَ اللهُ عَلَيْهِ هَذِهِ الآيَةَ.» وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ مَثَلَ﴾ عَبَّرَ عنهُ بَعْضُ الناسِ، بِأنَّهُ صِفَةُ عِيسى، وقَرَنُوا ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿مَثَلُ الجَنَّةِ﴾ [الرعد: ٣٥] قالُوا: مَعْناهُ: صِفَةُ الجَنَّةِ. وهَذا عِنْدِي ضَعْفٌ في (p-٢٤١)فَهْمِ مَعْنى الكَلامِ، وإنَّما المَعْنى: أنَّ المَثَلَ الَّذِي تَتَصَوَّرُهُ النُفُوسُ والعُقُولُ مِن عِيسى؛ هو كالمُتَصَوَّرِ مِن آدَمَ، إذِ الناسُ كُلُّهم مُجْمِعُونَ عَلى أنَّ اللهَ تَعالى خَلَقَهُ مِن تُرابٍ مِن غَيْرِ فَحْلٍ، وكَذَلِكَ مَثَلُ الجَنَّةِ عِبارَةٌ عَنِ المُتَصَوَّرِ مِنها، وفي هَذِهِ الآيَةِ صِحَّةُ القِياسِ، أيْ: إذا تُصُوِّرَ أمْرُ آدَمَ؛ قِيسَ عَلَيْهِ جَوازُ أمْرِ عِيسى عَلَيْهِ السَلامُ. والكافُ في قَوْلِهِ: "كَمَثَلِ" اسْمٌ عَلى ما ذَكَرْناهُ مِنَ المَعْنى، وقَوْلُهُ: "عِنْدَ اللهِ" عِبارَةٌ عَنِ الحَقِّ في نَفْسِهِ، أيْ: هَكَذا هو الأمْرُ فِيما غابَ عنكم. وقَوْلُهُ: ﴿خَلَقَهُ مِن تُرابٍ﴾ تَفْسِيرٌ لِمَثَلِ آدَمَ الَّذِي يَنْبَغِي أنْ يُتَصَوَّرَ، والمَثَلُ والمِثالُ بِمَعْنىً واحِدٍ، ولا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ "خَلَقَهُ" صِلَةً لِآدَمَ ولا حالًا مِنهُ، قالَ الزَجّاجُ: إذِ الماضِي لا يَكُونُ حالًا أنْتَ فِيها، بَلْ هو كَلامٌ مَقْطُوعٌ مِنهُ، مُضَمَّنُهُ تَفْسِيرُ المَثَلِ. وقوله عزّ وجلّ: "ثُمَّ قالَ" تَرْتِيبٌ لِلْأخْبارِ لِمُحَمَّدٍ ﷺ، المَعْنى: خَلَقَهُ مِن تُرابٍ ثُمَّ كانَ مِن أمْرِهِ في الأزَلِ أنْ قالَ لَهُ: كُنْ وقْتَ كَذا، وعَلى مَذْهَبِ أبِي عَلِيٍّ الفارِسِيِّ في أنَّ القَوْلَ مَجازِيٌّ، مِثْلُ "وَقالَ قَطْنِي" وأنَّ هَذِهِ الآيَةَ عِبارَةٌ عَنِ التَكْوِينِ، فَـ "ثُمَّ" عَلى بابِها في تَرْتِيبِ الأمْرَيْنِ المَذْكُورَيْنِ، وقِراءَةُ الجُمْهُورِ: "فَيَكُونُ" بِالرَفْعِ عَلى مَعْنى: فَهو يَكُونُ. وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ: "فَيَكُونَ" بِالنَصْبِ، وهي قِراءَةٌ ضَعِيفَةُ الوَجْهِ، وقَدْ تَقَدَّمَ تَوْجِيهُها آنِفًا في مُخاطَبَةِ مَرْيَمَ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿الحَقُّ مِن رَبِّكَ﴾ رُفِعَ عَلى الِابْتِداءِ، وخَبَرُهُ فِيما يَتَعَلَّقُ بِهِ قَوْلُهُ: "مِن رَبِّكَ"، أوِ الحَقُّ ذَلِكَ، أو ما قُلْنا لَكَ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ خَبَرَ ابْتِداءٍ، تَقْدِيرُهُ هَذا الحَقُّ. و"المُمْتَرِينَ" هُمُ الشاكُّونَ، والمِرْيَةُ: الشَكُّ. ونُهِيَ النَبِيُّ ﷺ في عِبارَةٍ اقْتَضَتْ ذَمَّ المُمْتَرِينَ، وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّ المُرادَ بِالِامْتِراءِ غَيْرُهُ، ولَوْ قِيلَ: فَلا تَكُنْ مُمْتَرِيًا لَكانَتْ هَذِهِ الدَلالَةُ أقَلَّ، ولَوْ قِيلَ: فَلا تَمْتَرِ لَكانَتْ أقَلَّ ونَهْيُ النَبِيِّ عَلَيْهِ السَلامُ عَنِ الامْتِراءِ مَعَ بُعْدِهِ عنهُ عَلى جِهَةِ التَثْبِيتِ والدَوامِ عَلى حالِهِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَمَن حاجَّكَ فِيهِ﴾ مَعْناهُ: جادَلَكَ ونازَعَكَ الحُجَّةَ، والضَمِيرُ في قَوْلِهِ تَعالى: "فِيهِ" يُحْتَمَلُ أنْ يَعُودَ عَلى عِيسى، ويُحْتَمَلُ أنْ يَعُودَ عَلى الحَقِّ. و"العِلْمِ" الَّذِي أُشِيرَ إلَيْهِ بِالمَجِيءِ هو ما تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الآياتُ المُتَقَدِّمَةُ مِن أمْرِ عِيسى. (p-٢٤٢)وَقَوْلُهُ تَعالى: "فَقُلْ تَعالَوْا"... الآيَةُ، اسْتِدْعاءُ المُباهَلَةِ، و"تَعالَوْا" تَفاعَلُوا مِنَ العُلُوِّ، وهي كَلِمَةٌ قُصِدَ بِها أوَّلًا تَحْسِينُ الأدَبِ مَعَ المَدْعُوِّ ثُمَّ اطَّرَدَتْ حَتّى يَقُولَها الإنْسانُ لِعَدُوِّهِ ولِلْبَهِيمَةِ ونَحْوِ ذَلِكَ. و"نَبْتَهِلْ" مَعْناهُ: نَلْتَعِنْ، ويُقالُ عَلَيْهِمْ بَهْلَةُ اللهِ بِمَعْنى اللَعْنَةِ، والِابْتِهالُ: الجِدُّ في الدُعاءِ بِالبَهْلَةِ. ورُوِيَ في قَصَصِ هَذِهِ الآيَةِ: أنَّها نَزَلَتْ بِسَبَبِ مُحاجَّةِ نَصارى نَجْرانَ في عِيسى عَلَيْهِ السَلامُ وقَوْلِهِمْ: هو اللهُ، وكانُوا يُكْثِرُونَ الجِدالَ، وقَدْ رَوى عَبْدُ اللهِ بْنُ الحارِثِ بْنِ جُزْءٍ السِوائِيُّ عَنِ النَبِيِّ عَلَيْهِ السَلامُ أنَّهُ قالَ: « "لَيْتَ بَيْنِي وبَيْنَ أهْلِ نَجْرانَ حِجابًا فَلا أراهم ولا يَرَوْنِي"» لِشِدَّةِ ما كانُوا يُمارُونَ، فَلَمّا قَرَأ النَبِيُّ ﷺ الآيَةَ دَعاهم إلى ذَلِكَ. فَرَوى الشَعْبِيُّ وغَيْرُهُ «أنَّهم وعَدُوهُ بِالغَدِ أنْ يُلاعِنُوهُ، فانْطَلَقُوا إلى السَيِّدِ والعاقِبِ فَتابَعاهم عَلى أنْ يُلاعِنُوا، فانْطَلَقُوا إلى رَجُلٍ آخَرَ مِنهم عاقِلٍ فَذَكَرُوا لَهُ ما صَنَعُوا فَذَمَّهم وقالَ لَهُمْ: إنْ كانَ نَبِيًّا ثُمَّ دَعا عَلَيْكم هَلَكْتُمْ، وإنْ كانَ مَلِكًا فَظَهَرَ لَمْ يُبْقِ عَلَيْكُمْ، قالُوا: فَكَيْفَ نَصْنَعُ وقَدْ واعَدْناهُ؟ قالَ: إذا غَدَوْتُمْ فَدَعاكم إلى ذَلِكَ فاسْتَعِيذُوا بِاللهِ مِن ذَلِكَ، فَعَسى أنْ يُعْفِيَكُمْ؛ فَلَمّا كانَ الغَدُ غَدا رَسُولُ اللهِ ﷺ مُحْتَضِنًا حُسَيْنًا آخِذًا بِيَدِ الحَسَنِ، وفاطِمَةُ تَمْشِي خَلْفَهُ، فَدَعاهم إلى المِيعادِ، فَقالُوا: نَعُوذُ بِاللهِ، فَأعادَ فَأعادُوا التَعَوُّذَ، فَقالَ النَبِيُّ ﷺ: فَإنْ أبَيْتُمْ فَأسْلِمُوا، فَإنْ أبَيْتُمْ فَأعْطُوا الجِزْيَةَ عن يَدٍ وأنْتُمْ صاغِرُونَ، فَإنْ أبَيْتُمْ فَإنِّي أنْبِذُ إلَيْكم عَلى سَواءٍ، قالُوا: لا طاقَةَ لَنا بِحَرْبِ العَرَبِ، ولَكِنّا نُؤَدِّي الجِزْيَةَ قالَ: فَجَعَلَ عَلَيْهِمْ كُلَّ سَنَةٍ ألْفَيْ حُلَّةٍ "ألْفًا في رَجَبَ وألْفًا في صَفَرَ"، وطَلَبُوا مِنهُ رَجُلًا أمِينًا يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ، فَبَعَثَ مَعَهم أبا عُبَيْدَةَ بْنَ الجَرّاحِ وقالَ عَلَيْهِ السَلامُ: "لَقَدْ أتانِي البَشِيرُ بِهَلَكَةِ أهْلِ نَجْرانَ لَوْ تَمُّوا عَلى المُلاعَنَةِ"» (p-٢٤٣)، ورَوى مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُبَيْرِ وغَيْرُهُ: «أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ لَمّا دَعاهم قالُوا: دَعْنا نَنْظُرْ في أمْرِنا ثُمَّ نَأْتِيكَ بِما نَفْعَلُ، فَذَهَبُوا إلى العاقِبِ وهو ذُو رَأْيِهِمْ فَقالُوا: يا عَبْدَ المَسِيحِ ما تَرى؟ فَقالَ: يا مَعْشَرَ النَصارى، واللهِ لَقَدْ عَرَفْتُمْ أنَّ مُحَمَّدًا لَنَبِيٌّ مُرْسَلٌ ولَقَدْ جاءَكم بِالفَصْلِ مِن خَبَرِ صاحِبِكم عِيسى، ولَقَدْ عَلِمْتُمْ ما لاعَنَ قَوْمٌ قَطُّ نَبِيًّا فَبَقِيَ كَبِيرُهُمْ، ولا نَبَتَ صَغِيرُهُمْ، وإنَّهُ الِاسْتِئْصالُ إنْ فَعَلْتُمْ، فَإنْ أبَيْتُمْ إلّا إلْفَ دِينِكم وما أنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ القَوْلِ في صاحِبِكُمْ؛ فَوادِعُوا الرَجُلَ وانْصَرِفُوا إلى بِلادِكم حَتّى يُرِيَكُمُ الزَمانُ رَأْيَهُ. فَأتَوُا النَبِيَّ عَلَيْهِ السَلامُ فَقالُوا: يا أبا القاسِمِ، قَدْ رَأيْنا ألّا نُلاعِنَكَ وأنْ نَبْقى عَلى دِينِنا، وصالَحُوهُ عَلى أمْوالٍ وقالُوا لَهُ: ابْعَثْ مَعَنا رَجُلًا مِن أصْحابِكَ تَرْضاهُ لَنا يَحْكُمُ في أشْياءَ قَدِ اخْتَلَفْنا فِيها مِن أمْوالِنا، فَإنَّكم عِنْدَنا رِضىً.» ورَوى السُدِّيُّ وغَيْرُهُ أنَّ النَبِيَّ عَلَيْهِ السَلامُ جاءَ هو وعَلِيٌّ وفاطِمَةُ والحَسَنُ والحُسَيْنُ ودَعاهم فَأبَوْا وجَزِعُوا، وقالَ لَهم أحْبارُهُمْ: إنْ فَعَلْتُمُ اضْطَرَمَ الوادِي عَلَيْكم نارًا، فَصالَحُوا النَبِيَّ ﷺ عَلى ثَمانِينَ ألْفَ دِرْهَمٍ في العامِ، فَما عَجَزَتْ عنهُ الدَراهِمُ فَفي العُرُوضِ: الحُلَّةُ بِأرْبَعِينَ، وعَلى أنَّ عَلَيْهِمْ ثَلاثًا وثَلاثِينَ دِرْعًا، وثَلاثَةً وثَلاثِينَ بَعِيرًا وأرْبَعًا وثَلاثِينَ فَرَسًا عارِيَةً كُلَّ سَنَةٍ، ورَسُولُ اللهِ ﷺ ضامِنٌ لِذَلِكَ حَتّى يُؤَدِّيَها إلَيْهِمْ. وقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: « "لَوْ لاعَنُوا لاسْتُؤْصِلُوا مِن جَدِيدِ الأرْضِ"،» وقالَ أيْضًا: « "لَوْ فَعَلُوا لاضْطَرَمَ عَلَيْهِمُ الوادِي نارًا".» ورَوى عِلْباءُ بْنُ أحْمَرَ اليَشْكُرِيُّ قالَ: «لَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ، أرْسَلَ مُحَمَّدٌ ﷺ إلى عَلِيٍّ وفاطِمَةَ وابْنَيْهِما الحَسَنِ والحُسَيْنِ ودَعا اليَهُودَ لِيُلاعِنَهُمْ، فَقالَ شابٌّ مِنَ اليَهُودِ: ويْحَكُمْ، ألَيْسَ عَهْدُكم بِالأمْسِ بِإخْوانِكُمُ الَّذِينَ مُسِخُوا قِرَدَةً وخَنازِيرَ؟ فَلا تُلاعِنُوا، فانْتَهَوْا.» وفي هَذِهِ القِصَّةِ اخْتِلافاتٌ لِلرُّواةِ وعِباراتٌ تَجْرِي كُلُّها في مَعْنى ما ذَكَرْناهُ، لَكِنّا قَصَدْنا الإيجازَ. (p-٢٤٤)وَفِي تَرْكِ النَصارى المُلاعَنَةَ لِعِلْمِهِمْ بِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ، شاهِدٌ عَظِيمٌ عَلى صِحَّةِ نُبُوَّتِهِ ﷺ، وما رُوِيَ مِن ذَلِكَ خَيْرٌ مِمّا رَوى الشَعْبِيُّ مِن تَقْسِيمِ ذَلِكَ الرَجُلِ العاقِلِ فِيهِمْ أمْرَ مُحَمَّدٍ بِأنَّهُ إمّا نَبِيٌّ وإمّا مَلِكٌ، لِأنَّ هَذا نَظَرٌ دُنْياوِيٌّ، وما رَوى الرُواةُ مِن أنَّهم تَرَكُوا المُلاعَنَةَ لِعِلْمِهِمْ بِنُبُوَّتِهِ؛ أحَجُّ لَنا عَلى سائِرِ الكَفَرَةِ، وألْيَقُ بِحالِ مُحَمَّدٍ ﷺ. ودُعاءُ النِساءِ والأبْناءِ لِلْمُلاعَنَةِ أهَزُّ لِلنُّفُوسِ وأدْعى لِرَحْمَةِ اللهِ، أو لِغَضَبِهِ عَلى المُبْطِلِينَ. وظاهِرُ الأمْرِ أنَّ النَبِيَّ ﷺ جاءَهم بِما يَخُصُّهُ، ولَوْ عَزَمُوا؛ اسْتَدْعى المُؤْمِنِينَ بِأبْنائِهِمْ ونِسائِهِمْ، ويُحْتَمَلُ أنَّهُ كانَ يَكْتَفِي بِنَفْسِهِ وخاصَّتِهِ فَقَطْ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب