الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿إنَّ اللهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ في الأرْضِ ولا في السَماءِ﴾ ﴿هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكم في الأرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ لا إلَهَ إلا هو العَزِيزُ الحَكِيمُ﴾ ﴿هُوَ الَّذِي أنْزَلَ عَلَيْكَ الكِتابَ مِنهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتابَ وأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ﴾
هَذِهِ الآيَةُ خَبَرٌ عن عِلْمِ اللهِ تَعالى بِالأشْياءِ عَلى التَفْصِيلِ، وهَذِهِ صِفَةٌ لَمْ تَكُنْ لِعِيسى (p-١٥٥)وَلا لِأحَدٍ مِنَ المَخْلُوقِينَ، ثُمَّ أخْبَرَ عن تَصْوِيرِهِ البَشَرَ في أرْحامِ الأُمَّهاتِ، وهَذا أمْرٌ لا يُنْكِرُهُ عاقِلٌ، ولا يُنْكِرُ أنَّ عِيسى وسائِرَ البَشَرِ لا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ، ولا يُنْكِرُ أنَّ عِيسى عَلَيْهِ السَلامُ مِنَ المُصَوَّرِينَ في الأرْحامِ، فَهَذِهِ الآيَةُ تَعْظِيمٌ لِلَّهِ تَعالى في ضِمْنِها الرَدُّ عَلى نَصارى نَجْرانَ.
وفِي قَوْلِهِ: ﴿إنَّ اللهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ﴾ وعِيدٌ ما لَهُمْ؛ فَسَّرَ بِنَحْوِ هَذا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُبَيْرِ والرَبِيعُ، وفي قَوْلِهِ تَعالى: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ﴾ رَدٌّ عَلى أهْلِ الطَبِيعَةِ، إذْ يَجْعَلُونَها فاعِلَةً مُسْتَبِدَّةً، وشَرَحَ النَبِيُّ ﷺ كَيْفِيَّةَ التَصْوِيرِ في الحَدِيثِ الَّذِي رَواهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وغَيْرُهُ: « "إنَّ النُطْفَةَ إذا وقَعَتْ في الرَحِمِ مَكَثَتْ نُطْفَةً أرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ تَكُونُ عَلَقَةً أرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللهُ إلَيْها مَلَكًا فَيَقُولُ: يا رَبُّ، أذَكَرٌ أمْ أُنْثى؟ أشَقِيٌّ أمْ سَعِيدٌ؟".» الحَدِيثُ بِطُولِهِ عَلى اخْتِلافِ ألْفاظِهِ. وفي مُسْنَدِ ابْنِ سَنْجَرٍ حَدِيثُ: « "إنَّ اللهَ يَخْلُقُ عِظامَ الجَنِينِ وغَضارِيفَهُ مِن مَنِيِّ الرَجُلِ، ولَحْمَهُ وشَحْمَهُ وسائِرَ ذَلِكَ مِن مَنِيِّ المَرْأةِ".» و"صَوَّرَ" بِناءُ مُبالَغَةٍ مِن: صارَ يَصُورُ إذا أمالَ وثَنى إلى حالٍ ما، فَلَمّا كانَ التَصْوِيرُ إمالَةً إلى حالٍ وإثْباتًا فِيها، جاءَ بِناؤُهُ عَلى المُبالَغَةِ. والرَحِمُ: مَوْضِعُ نَشْأةِ الجَنِينِ.
و"كَيْفَ يَشاءُ" يَعْنِي مِن طُولٍ وقِصَرٍ ولَوْنٍ وسَلامَةٍ وعاهَةٍ وغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الِاخْتِلافاتِ. و"العَزِيزُ": الغالِبُ، و"الحَكِيمُ": ذُو الحِكْمَةِ أوِ المُحَكِّمُ في مَخْلُوقاتِهِ، وهَذا أخَصُّ بِما ذَكَرَ مِنَ التَصْوِيرِ.
و"الكِتابَ" في هَذِهِ الآيَةِ: القُرْآنُ بِإجْماعٍ مِنَ المُتَأوِّلِينَ، والمُحْكَماتُ: (p-١٥٦)المُفَصَّلاتُ المُبَيَّناتُ الثابِتاتُ الأحْكامِ، والمُتَشابِهاتُ: هي الَّتِي فِيها نَظَرٌ وتَحْتاجُ إلى تَأْوِيلٍ، ويَظْهَرُ فِيها بِبادِئِ النَظَرِ إمّا تَعارُضٌ مَعَ أُخْرى أو مَعَ العَقْلِ، إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِن أنْواعِ التَشابُهِ، فَهَذا الشَبَهُ الَّذِي مِن أجْلِهِ تُوصَفُ بِمُتَشابِهاتٍ إنَّما هو بَيْنَها وبَيْنَ المَعانِي الفاسِدَةِ الَّتِي يَظُنُّها أهْلُ الزَيْغِ ومَن لَمْ يُمْعِنِ النَظَرَ، وهَذا نَحْوَ الحَدِيثِ الصَحِيحِ، عَنِ النَبِيِّ عَلَيْهِ السَلامُ: « "الحَلالُ بَيِّنٌ والحَرامُ بَيِّنٌ، وبَيْنَهُما أُمُورٌ مُتَشابِهاتٌ"» أيْ يَكُونُ الشَيْءُ حَرامًا في نَفْسِهِ فَيُشْبِهُ عِنْدَ مَن لَمْ يُمْعِنِ النَظَرَ شَيْئًا حَلالًا، وكَذَلِكَ الآيَةُ يَكُونُ لَها في نَفْسِها مَعْنىً صَحِيحٌ فَتُشْبِهُ عِنْدَ مَن لَمْ يُمْعِنِ النَظَرَ أو عِنْدَ الزائِغِ مَعْنىً آخَرَ فاسِدًا، فَرُبَّما أرادَ الِاعْتِراضَ بِهِ عَلى كِتابِ اللهِ، هَذا عِنْدِي مَعْنى الإحْكامِ والتَشابُهِ في هَذِهِ الآيَةِ، ألا تَرى «أنَّ نَصارى نَجْرانَ قالُوا لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَلامُ: ألَيْسَ عِنْدَكَ في كِتابِكَ أنَّ عِيسى كَلِمَةُ اللهِ ورُوحٌ مِنهُ؟ قالَ نَعَمْ، قالُوا: فَحَسْبُنا إذًا،» فَهَذا التَشابُهُ.
واخْتَلَفَتْ عِبارَةُ المُفَسِّرِينَ في تَعْيِينِ المُحْكَمِ والمُتَشابِهِ المُرادِ بِهَذِهِ الآيَةِ، فَقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: المُحْكَماتُ: هي قَوْلُهُ تَعالى في سُورَةِ الأنْعامِ: ﴿قُلْ تَعالَوْا أتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكم عَلَيْكُمْ﴾ [الأنعام: ١٥١] إلى ثَلاثِ آياتٍ، وقَوْلُهُ في بَنِي إسْرائِيلَ: ﴿وَقَضى رَبُّكَ ألا تَعْبُدُوا إلا إيّاهُ﴾ [الإسراء: ٢٣]، وهَذا عِنْدِي مِثالٌ أعْطاهُ في المُحْكَماتِ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ أيْضًا: المُحْكَماتُ: ناسِخُهُ وحَلالُهُ وحَرامُهُ وما يُؤْمَنُ بِهِ ويُعْمَلُ بِهِ؛ والمُتَشابِهاتُ: مَنسُوخُهُ ومُقَدَّمُهُ ومُؤَخَّرُهُ وأمْثالُهُ وأقْسامُهُ وما يُؤْمَنُ بِهِ ولا يُعْمَلُ بِهِ. وقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وغَيْرُهُ: المُحْكَماتُ الناسِخاتُ، والمُتَشابِهاتُ: المَنسُوخاتُ. وهَذا عِنْدِي عَلى جِهَةِ التَمْثِيلِ أيْ يُوجَدُ الإحْكامُ في هَذا والتَشابُهُ في هَذا، لا أنَّهُ وقْفٌ عَلى هَذا النَوْعِ مِنَ الآياتِ. وقالَ بِهَذا القَوْلِ قَتادَةُ والرَبِيعُ والضَحّاكُ. وقالَ مُجاهِدٌ وعِكْرِمَةُ: المُحْكَماتُ: ما فِيهِ الحَلالُ والحَرامُ، وما سِوى ذَلِكَ فَهو مُتَشابِهٌ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا، (p-١٥٧)وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِ: ﴿وَما يُضِلُّ بِهِ إلا الفاسِقِينَ﴾ [البقرة: ٢٦] وقَوْلِهِ: ﴿كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِجْسَ عَلى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنعام: ١٢٥]. وهَذِهِ الأقْوالُ وما ضارَعَها؛ يُضْعِفُها أنَّ أهْلَ الزَيْغِ لا تَعَلُّقَ لَهم بِنَوْعٍ مِمّا ذُكِرَ دُونَ سِواهُ.
وقالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُبَيْرِ: المُحْكَماتُ: هي الَّتِي فِيهِنَّ حُجَّةُ الرَبِّ وعِصْمَةُ العِبادِ ودَفْعُ الخُصُومِ والباطِلِ، لَيْسَ لَها تَصْرِيفٌ ولا تَحْرِيفٌ عَمّا وُضِعْنَ عَلَيْهِ، والمُتَشابِهاتُ: لَهُنَّ تَصْرِيفٌ وتَحْرِيفٌ وتَأْوِيلٌ ابْتَلى اللهُ فِيهِنَّ العِبادَ، وهَذا أحْسَنُ الأقْوالِ في هَذِهِ الآيَةِ. وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: المُحْكَمُ: ما أُحْكِمَ فِيهِ قِصَصُ الأنْبِياءِ والأُمَمِ، وبُيِّنَ لِمُحَمَّدٍ وأُمَّتِهِ، والمُتَشابِهُ: هو ما اشْتَبَهَتِ الألْفاظُ بِهِ مِن قِصَصِهِمْ عِنْدَ التَكْرِيرِ في السُوَرِ بَعْضُهُ بِاتِّفاقِ الألْفاظِ واخْتِلافِ المَعانِي، وبَعْضُهُ بِعَكْسِ ذَلِكَ نَحْوِ قَوْلِهِ: "حَيَّةٌ تَسْعى" و"ثُعْبانٌ مُبِينٌ" ونَحْوِ: "اسْلُكْ يَدَكَ" و"أدْخِلْ يَدَكَ".
وقالَتْ جَماعَةٌ مِنَ العُلَماءِ؛ مِنهم جابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ رِئابٍ، وهو مُقْتَضى قَوْلِ الشَعْبِيِّ وسُفْيانَ الثَوْرِيِّ وغَيْرِهِما: المُحْكَماتُ مِن آيِ القُرْآنِ: ما عَرَفَ العُلَماءُ تَأْوِيلَهُ وفَهِمُوا مَعْناهُ وتَفْسِيرَهُ، والمُتَشابِهُ: ما لَمْ يَكُنْ لِأحَدٍ إلى عِلْمِهِ سَبِيلٌ مِمّا اسْتَأْثَرَ اللهُ بِعِلْمِهِ دُونَ خَلْقِهِ. قالَ بَعْضُهُمْ: وذَلِكَ مِثْلُ وقْتِ قِيامِ الساعَةِ وخُرُوجِ يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ والدَجّالِ ونُزُولِ عِيسى، ونَحْوِ الحُرُوفِ المُقَطَّعَةِ في أوائِلِ السُوَرِ.
(p-١٥٨)قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الحَقِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ:
أمّا الغُيُوبُ الَّتِي تَأْتِي فَهي مِنَ المُحْكَماتِ، لِأنَّ ما يَعْلَمُ البَشَرُ مِنها مَحْدُودٌ، وما لا يَعْلَمُونَهُ وهو تَحْدِيدُ الوَقْتِ مَحْدُودٌ أيْضًا. وأمّا أوائِلُ السُوَرِ فَمِنَ المُتَشابِهِ لِأنَّها مُعَرَّضَةٌ لِلتَّأْوِيلِ، ولِذَلِكَ اتَّبَعَتْهُ اليَهُودُ وأرادُوا أنْ يَفْهَمُوا مِنهُ مُدَّةَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَلامُ.
وفِي بَعْضِ هَذِهِ العِباراتِ الَّتِي ذَكَرْنا لِلْعُلَماءِ اعْتِراضاتٌ، وذَلِكَ أنَّ التَشابُهَ الَّذِي في هَذِهِ الآيَةِ مُقَيَّدٌ بِأنَّهُ مِمّا لِأهْلِ الزَيْغِ بِهِ تَعَلُّقٌ، وفي بَعْضِ عِباراتِ المُفَسِّرِينَ تَشابُهٌ لا يَقْتَضِي لِأهْلِ الزَيْغِ تَعَلُّقًا.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿هُنَّ أُمُّ الكِتابِ﴾ فَمَعْناهُ الإعْلامُ بِأنَّها مُعْظَمُ الكِتابِ وعُمْدَةُ ما فِيهِ، إذِ المُحْكَمُ في آياتِ اللهِ كَثِيرٌ قَدْ فُصِّلَ ولَمْ يُفَرَّطْ في شَيْءٍ مِنهُ. قالَ يَحْيى بْنُ يَعْمَرَ: هَذا كَما يُقالُ لِمَكَّةَ: أُمُّ القُرى، ولِمُرْوٍ: أُمُّ خُراسانَ، وكَما يُقالُ: أُمُّ الرَأْسِ لِمُجْتَمَعِ الشُؤُونِ إذْ هو أخْطَرُ مَكانٍ. قالَ المَهْدَوِيُّ والنَقّاشُ: كُلُّ آيَةٍ مُحْكَمَةٍ في كِتابِ اللهِ يُقالُ لَها أُمُّ الكِتابِ؛ وهَذا مَرْدُودٌ بَلْ جَمِيعُ المُحْكَمِ هو أُمُّ الكِتابِ، وقالَ النَقّاشُ: وهَذا كَما تَقُولُ: كُلُّكم عَلَيَّ أسَدٌ ضارٍ، وهَذا المِثالُ غَيْرُ مُحْكَمٍ. وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: "أُمُّ الكِتابِ" مَعْناهُ: جِماعُ الكِتابِ. وحَكى الطَبَرِيُّ عن أبِي فاخِتَةَ أنَّهُ قالَ: "هُنَّ أُمُّ الكِتابِ" يُرادُ بِهِ فَواتِحُ السُوَرِ إذْ مِنها يُسْتَخْرَجُ القُرْآنُ ﴿الم﴾ [البقرة: ١] ﴿ذَلِكَ الكِتابُ﴾ [البقرة: ٢] مِنهُ اسْتُخْرِجَتْ سُورَةُ البَقَرَةِ، ﴿الم﴾ [آل عمران: ١] ﴿اللهُ لا إلَهَ إلا هو الحَيُّ القَيُّومُ﴾ [آل عمران: ٢] مِنهُ اسْتُخْرِجَتْ سُورَةُ آلِ عِمْرانَ. وهَذا قَوْلٌ مُتَداعٍ لِلسُّقُوطِ، مُضْطَرِبٌ لَمْ يَنْظُرْ قائِلُهُ أوَّلَ (p-١٥٩)الآيَةِ وآخِرَها ومَقْصِدَها، وإنَّما مَعْنى الآيَةِ الإنْحاءُ عَلى أهْلِ الزَيْغِ، والإشارَةُ بِذَلِكَ أوَّلًا إلى نَصارى نَجْرانَ، وإلى اليَهُودِ الَّذِينَ كانُوا مُعاصِرِينَ لِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَلامُ، فَإنَّهم كانُوا يَعْتَرِضُونَ مَعانِيَ القُرْآنِ، ثُمَّ تَعُمُّ بَعْدَ ذَلِكَ كُلَّ زائِغٍ، فَذَكَرَ اللهُ تَعالى أنَّهُ نَزَّلَ الكِتابَ عَلى مُحَمَّدٍ إفْضالًا مِنهُ ونِعْمَةً، وأنَّ مُحْكَمَهُ وبَيِّنَهُ الَّذِي لا اعْتِراضَ فِيهِ هو مُعْظَمُهُ والغالِبُ عَلَيْهِ، وأنَّ مُتَشابِهَهُ الَّذِي يَحْتَمِلُ التَأْوِيلَ ويَحْتاجُ إلى التَفَهُّمِ، هو أقَلُّهُ. ثُمَّ إنَّ أهْلَ الزَيْغِ يَتْرُكُونَ المُحْكَمَ الَّذِي فِيهِ غُنْيَتُهُمْ، ويَتَّبِعُونَ المُتَشابِهَ، ابْتِغاءَ الفِتْنَةِ وأنْ يُفْسِدُوا ذاتَ البَيْنِ ويَرُدُّوا الناسَ إلى زَيْغِهِمْ، فَهَكَذا تَتَوَجَّهُ المَذَمَّةُ عَلَيْهِمْ.
"وَأُخَرُ" جَمْعُ أُخْرى لا يَنْصَرِفُ لِأنَّهُ صِفَةٌ، وعُدِلَ عَنِ الألِفِ واللامِ في أنَّهُ يُثَنّى ويُجْمَعُ، وصِفاتُ التَفْضِيلِ كُلُّها إذا عَرِيَتْ عَنِ الألِفِ واللامِ لَمْ تُثَنَّ ولَمْ تُجْمَعْ، كَأفْضَلِ وما جَرى مَجْراهُ، ولا يُفاضَلُ بِهَذِهِ الصِفاتِ بَيْنَ شَيْئَيْنِ إلّا وهي مُنَكَّرَةٌ، ومَتى دَخَلَتْ عَلَيْهِ الألِفُ واللامُ زالَ مَعْنى التَفْضِيلِ بَيْنَ أمْرَيْنِ، ولَيْسَ عَدْلُ "أُخَرُ" عَنِ الألِفِ واللامِ مُؤَثِّرًا في التَعْرِيفِ كَما هو عَدْلُ "سَحَرْ" بَلْ أُخَرُ نَكِرَةٌ، وأمّا سَحَرٌ فَعَدَلَ بِأنَّهُ زالَتِ الألِفُ واللامُ، وبَقِيَ مَعْرِفَةً في قَوْلِهِ "جِئْتُ يَوْمَ الجُمُعَةِ سَحَرْ". وخَلَطَ المَهْدَوِيُّ في هَذِهِ المَسْألَةِ وأفْسَدَ كَلامَ سِيبَوَيْهِ فَتَأمَّلْهُ.
***
قوله عزّ وجلّ:
﴿فَأمّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنهُ ابْتِغاءَ الفِتْنَةِ وابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وما يَعْلَمُ تَأْوِيلِهِ إلا اللهُ والراسِخُونَ في العِلْمِ يَقُولُونَ آمَنّا بِهِ كُلٌّ مِن عِنْدِ رَبِّنا وما يَذَّكَّرُ إلا أُولُو الألْبابِ﴾
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ﴾ يَعُمُّ كُلَّ طائِفَةٍ مِن كافِرٍ وزِنْدِيقٍ وجاهِلٍ صاحِبِ بِدْعَةٍ. والزَيْغُ: المَيْلُ، ومِنهُ زاغَتِ الشَمْسُ، وزاغَتِ الأبْصارُ. والإشارَةُ بِالآيَةِ في ذَلِكَ الوَقْتِ كانَتْ إلى نَصارى نَجْرانَ لِتَعَرُّضِهِمْ لِلْقُرْآنِ في أمْرِ عِيسى عَلَيْهِ (p-١٦٠)السَلامُ، قالَهُ الرَبِيعُ، وإلى اليَهُودِ، ثُمَّ تَنْسَحِبُ عَلى كُلِّ ذِي بِدْعَةٍ أو كُفْرٍ، وبِالمَيْلِ عَنِ الهُدى فَسَّرَ الزَيْغَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُبَيْرِ، وابْنُ مَسْعُودٍ وجَماعَةٌ مِنَ الصَحابَةِ ومُجاهِدٌ وغَيْرُهم.
و﴿ما تَشابَهَ مِنهُ﴾ هو المَوْصُوفُ آنِفًا بِـ "مُتَشابِهاتٌ". وقالَ قَتادَةُ في تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَأمّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ﴾: إنْ لَمْ يَكُونُوا الحَرُورِيَّةَ وأنْواعَ الخَوارِجِ فَلا أدْرِي مَن هم. وقالَتْ عائِشَةُ: "إذا رَأيْتُمُ الَّذِينَ يُجادِلُونَ في القُرْآنِ فَهُمُ الَّذِي عَنى اللهُ فاحْذَرُوهُمْ" وقالَ الطَبَرِيُّ: الأشْبَهُ أنْ تَكُونَ الآيَةُ في الَّذِينَ جادَلُوا رَسُولَ اللهِ ﷺ في مُدَّتِهِ ومُدَّةِ أُمَّتِهِ بِسَبَبِ حُرُوفِ أوائِلِ السُوَرِ، وهَؤُلاءِ هُمُ اليَهُودُ.
و"ابْتِغاءَ" نُصِبَ عَلى المَفْعُولِ مِن أجْلِهِ، ومَعْناهُ طَلَبُ الفِتْنَةِ. وقالَ الرَبِيعُ: الفِتْنَةُ هُنا: الشِرْكُ، وقالَ مُجاهِدٌ: الفِتْنَةُ الشُبُهاتُ واللَبْسُ عَلى المُؤْمِنِينَ.
ثُمَّ قالَ: و"ابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ" والتَأْوِيلُ هو مَرَدُّ الكَلامِ ومَرْجِعُهُ، والشَيْءُ الَّذِي يَقِفُ عَلَيْهِ مِنَ المَعانِي، وهو مِن آلَ يَؤُولُ، إذا رَجَعَ، فالمَعْنى: وطَلَبَ تَأْوِيلَهُ عَلى مَنازِعِهِمُ الفاسِدَةِ. هَذا فِيما لَهُ تَأْوِيلٌ حَسَنٌ، وإنْ كانَ مِمّا لا يُتَأوَّلُ، بَلْ يُوقَفُ فِيهِ كالكَلامِ في مَعْنى الرُوحِ ونَحْوِهِ، فَنَفْسُ طَلَبِ تَأْوِيلِهِ هو اتِّباعُ ما تَشابَهَ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: ابْتَغَوْا مَعْرِفَةَ مُدَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ وأُمَّتِهِ.
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلا اللهُ﴾ فَهَذا عَلى الكَمالِ والتَوْفِيَةِ فِيما لا يُتَأوَّلُ ولا سَبِيلَ لِأحَدٍ عَلَيْهِ كَأمْرِ الرُوحِ، وتَعَرُّفِ وقْتِ قِيامِ الساعَةِ وسائِرِ الأحْداثِ الَّتِي أنْذَرَ بِها الشَرْعُ، وفِيما يُمْكِنُ أنْ يَتَأوَّلَهُ العُلَماءُ ويَصِحَّ التَطَرُّقُ إلَيْهِ، فَمَعْنى الآيَةِ: وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ عَلى الكَمالِ إلّا اللهُ.
(p-١٦١)واخْتَلَفَ العُلَماءُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿والراسِخُونَ في العِلْمِ﴾ فَرَأتْ فِرْقَةٌ أنَّ رَفْعَ "والراسِخُونَ" هو بِالعَطْفِ عَلى اسْمِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، وأنَّهم داخِلُونَ في عِلْمِ المُتَشابِهِ في كِتابِ اللهِ، وأنَّهم مَعَ عِلْمِهِمْ بِهِ "يَقُولُونَ آمَنّا بِهِ"... الآيَةُ، قالَ بِهَذا القَوْلِ ابْنُ عَبّاسٍ، وقالَ: أنا مِمَّنْ يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ. وقالَ مُجاهِدٌ: والراسِخُونَ في العِلْمِ يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَهُ ويَقُولُونَ آمَنّا بِهِ، وقالَهُ الرَبِيعُ ومُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُبَيْرِ وغَيْرُهُمْ، و"يَقُولُونَ" عَلى هَذا التَأْوِيلِ نُصِبَ عَلى الحالِ.
وقالَتْ طائِفَةٌ أُخْرى: "والراسِخُونَ" رُفِعَ بِالِابْتِداءِ وهو مَقْطُوعٌ مِنَ الكَلامِ الأوَّلِ، وخَبَرُهُ "يَقُولُونَ". والمُنْفَرِدُ بِعِلْمِ المُتَشابِهِ هو اللهُ وحْدَهُ بِحَسَبِ اللَفْظِ في الآيَةِ، وفِعْلُ الراسِخِينَ قَوْلُهُمْ: "آمَنّا بِهِ" قالَتْهُ عائِشَةُ وابْنُ عَبّاسٍ أيْضًا. وقالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُبَيْرِ: إنَّ الراسِخِينَ لا يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَهُ ولَكِنَّهم يَقُولُونَ: "آمَنّا بِهِ". وقالَ أبُو نَهِيكٍ الأسَدِيُّ: إنَّكم تَصِلُونَ هَذِهِ الآيَةَ وإنَّها مَقْطُوعَةٌ، وما انْتَهى عِلْمُ الراسِخِينَ إلّا إلى قَوْلِهِمْ: ﴿آمَنّا بِهِ كُلٌّ مِن عِنْدِ رَبِّنا﴾ وقالَ مِثْلَ هَذا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ، وحَكى نَحْوَهُ الطَبَرِيُّ عن يُونُسَ عن أشْهَبَ عن مالِكِ بْنِ أنَسٍ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وهَذِهِ المَسْألَةُ إذا تُؤُمِّلَتْ قَرُبَ الخِلافُ فِيها مِنَ الِاتِّفاقِ، وذَلِكَ أنَّ اللهَ تَعالى قَسَمَ آيَ الكِتابِ قِسْمَيْنِ: مُحْكَمًا ومُتَشابِهًا، فالمُحْكَمُ هو المُتَّضِحُ المَعْنى لِكُلِّ مَن يَفْهَمُ كَلامَ العَرَبِ، لا يَحْتاجُ فِيهِ إلى نَظَرٍ ولا يَتَعَلَّقُ بِهِ شَيْءٌ يُلْبِسُ، ويَسْتَوِي في عِلْمِهِ الراسِخُ وغَيْرُهُ، والمُتَشابِهُ يَتَنَوَّعُ، فَمِنهُ ما لا يُعْلَمُ البَتَّةَ، كَأمْرِ الرُوحِ، وآمادِ المُغَيَّباتِ الَّتِي قَدْ أعْلَمَ اللهُ بِوُقُوعِها، إلى سائِرِ ذَلِكَ، ومِنهُ ما يُحْمَلُ عَلى وُجُوهٍ في اللُغَةِ ومَناحٍ في كَلامِ العَرَبِ، فَيُتَأوَّلُ ويُعْلَمُ تَأْوِيلُهُ المُسْتَقِيمُ، ويُزالُ ما فِيهِ مِمّا عَسى أنْ يُتَعَلَّقَ بِهِ مِن تَأْوِيلٍ غَيْرِ مُسْتَقِيمٍ كَقَوْلِهِ في عِيسى: "وَرُوحٌ مِنهُ" إلى غَيْرِ ذَلِكَ، ولا يُسَمّى أحَدٌ راسِخًا إلّا بِأنْ يَعْلَمَ مِن (p-١٦٢)هَذا النَوْعِ كَثِيرًا بِحَسَبِ ما قُدِّرَ لَهُ، وإلّا فَمَن لا يَعْلَمُ سِوى المُحْكَمِ فَلَيْسَ يُسَمّى راسِخًا.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ﴾ الضَمِيرُ عائِدٌ عَلى جَمِيعِ مُتَشابِهِ القُرْآنِ، وهو نَوْعانِ كَما ذَكَرْنا، فَقَوْلُهُ: "إلّا اللهُ" مُقْتَضٍ بِبَدِيهَةِ العَقْلِ أنَّهُ يَعْلَمُهُ عَلى الكَمالِ والِاسْتِيفاءِ، يَعْلَمُ نَوْعَيْهِ جَمِيعًا. فَإنْ جَعَلْنا قَوْلَهُ: "والراسِخُونَ" عَطْفًا عَلى اسْمِ اللهِ تَعالى، فالمَعْنى إدْخالُهم في عِلْمِ التَأْوِيلِ لا عَلى الكَمالِ، بَلْ عِلْمُهم إنَّما هو في النَوْعِ الثانِي مِنَ المُتَشابِهِ، وبَدِيهَةُ العَقْلِ تَقْضِي بِهَذا، والكَلامُ مُسْتَقِيمٌ عَلى فَصاحَةِ العَرَبِ كَما تَقُولُ: ما قامَ لِنُصْرَتِي إلّا فُلانٌ وفُلانٌ، وأحَدُهُما قَدْ نَصَرَكَ بِأنْ حارَبَ مَعَكَ، والآخَرُ إنَّما أعانَكَ بِكَلامٍ فَقَطْ، إلى كَثِيرٍ مِنَ المُثُلِ، فالمَعْنى "وَما يَعْلَمُ" تَأْوِيلَ المُتَشابِهِ إلّا اللهُ والراسِخُونَ كُلٌّ بِقَدْرِهِ وما يَصْلُحُ لَهُ، والراسِخُونَ بِحالِ قَوْلٍ في جَمِيعِهِ "آمَنّا بِهِ"، وإذا تَحَصَّلَ لَهم في الَّذِي لا يُعْلَمُ ولا يُتَصَوَّرُ عَلَيْهِ تَمْيِيزُهُ مِن غَيْرِهِ، فَذَلِكَ قَدْرٌ مِنَ العِلْمِ بِتَأْوِيلِهِ، وإنْ جَعَلْنا قَوْلَهُ: "والراسِخُونَ" رَفْعًا بِالِابْتِداءِ مَقْطُوعًا مِمّا قَبْلَهُ، فَتَسْمِيَتُهم راسِخِينَ يَقْتَضِي بِأنَّهم يَعْلَمُونَ أكْثَرَ مِنَ المُحْكَمِ الَّذِي يَسْتَوِي في عِلْمِهِ جَمِيعُ مَن يَفْهَمُ كَلامَ العَرَبِ، وفي أيِّ شَيْءٍ هو رُسُوخُهُمْ، إذا لَمْ يَعْلَمُوا إلّا ما يَعْلَمُ الجَمِيعُ؟ وما الرُسُوخُ إلّا المَعْرِفَةُ بِتَصارِيفِ الكَلامِ، ومَوارِدِ الأحْكامِ، ومَواقِعِ المَواعِظِ، وذَلِكَ كُلُّهُ بِقَرِيحَةٍ مُعَدَّةٍ، فالمَعْنى: وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ عَلى الِاسْتِيفاءِ إلّا اللهُ، والقَوْمُ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ مِنهُ ما يُمْكِنُ أنْ يُعْلَمَ يَقُولُونَ في جَمِيعِهِ: "آمَنّا بِهِ كُلٌّ مِن عِنْدِ رَبِّنا" وهَذا القَدْرُ هو الَّذِي تَعاطى ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، وهو تُرْجُمانُ القُرْآنِ، ولا يُتَأوَّلُ عَلَيْهِ أنَّهُ عَلِمَ وقْتَ الساعَةِ وأمْرَ الرُوحِ وما شاكَلَهُ. فَإعْرابُ "الراسِخُونَ" يَحْتَمِلُ الوَجْهَيْنِ، ولِذَلِكَ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ بِهِما، والمَعْنى فِيهِما يَتَقارَبُ بِهَذا النَظَرِ الَّذِي سَطَّرْناهُ.
فَأمّا مَن يَقُولُ: إنَّ المُتَشابِهَ إنَّما هو ما لا سَبِيلَ لِأحَدٍ إلى عِلْمِهِ، فَيَسْتَقِيمُ عَلى قَوْلِهِ إخْراجُ الراسِخِينَ مِن عِلْمِ تَأْوِيلِهِ، لَكِنَّ تَخْصِيصَهُ المُتَشابِهاتِ بِهَذا النَوْعِ غَيْرُ صَحِيحٍ، بَلِ الصَحِيحُ في ذَلِكَ قَوْلُ مَن قالَ: المُحْكَمُ ما لا يَحْتَمِلُ إلّا تَأْوِيلًا واحِدًا والمُتَشابِهُ ما (p-١٦٣)احْتَمَلَ مِنَ التَأْوِيلِ أوجُهًا. وهَذا هو مُتَّبَعُ أهْلِ الزَيْغِ، وعَلى ذَلِكَ يَتَرَتَّبُ النَظَرُ الَّذِي ذَكَرْتُهُ. ومَن قالَ مِنَ العُلَماءِ الحُذّاقِ بِأنَّ الراسِخِينَ لا يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَ المُتَشابِهِ فَإنَّما أرادُوا هَذا النَوْعَ، وخافُوا أنْ يَظُنَّ أحَدٌ أنَّ اللهَ وصَفَ الراسِخِينَ بِعِلْمِ التَأْوِيلِ عَلى الكَمالِ، وكَذَلِكَ ذَهَبَ الزَجّاجُ إلى أنَّ الإشارَةَ بِما تَشابَهَ مِنهُ إنَّما هي إلى وقْتِ البَعْثِ الَّذِي أنْكَرَهُ وفَسَّرَ باقِي الآيَةِ عَلى ذَلِكَ، فَهَذا أيْضًا تَخْصِيصٌ لا دَلِيلَ عَلَيْهِ. وأمّا مَن يَقُولُ: إنَّ المُتَشابِهَ هو المَنسُوخُ فَيَسْتَقِيمُ عَلى قَوْلِهِ إدْخالُ الراسِخِينَ في عِلْمِ التَأْوِيلِ، ولَكِنَّ تَخْصِيصَهُ المُتَشابِهاتِ بِهَذا النَوْعِ غَيْرُ صَحِيحٍ. ورَجَّحَ ابْنُ فُورَكٍ أنَّ الراسِخِينَ يَعْلَمُونَ التَأْوِيلَ، وأطْنَبَ في ذَلِكَ.
وقَرَأ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وابْنُ عَبّاسٍ: "إلّا اللهُ ويَقُولُ الراسِخُونَ في العِلْمِ آمَنّا بِهِ". وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ "وابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ إنْ تَأْوِيلُهُ إلّا عِنْدَ اللهِ، والراسِخُونَ في العِلْمِ يَقُولُونَ آمَنّا بِهِ". والرُسُوخُ: الثُبُوتُ في الشَيْءِ، وأصْلُهُ في الأجْرامِ أنْ يَرْسَخَ الجَبَلُ أوِ الشَجَرُ في الأرْضِ. وسُئِلَ النَبِيُّ عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ عَنِ الراسِخِينَ في العِلْمِ فَقالَ: "هُوَ مَن بَرَّتْ يَمِينُهُ وصَدَقَ لِسانُهُ واسْتَقامَ قَلْبُهُ". وقَوْلُهُ: ﴿كُلٌّ مِن عِنْدِ رَبِّنا﴾ فِيهِ ضَمِيرٌ عائِدٌ عَلى كِتابِ اللهِ، مُحْكَمِهِ ومُتَشابِهِهِ، والتَقْدِيرُ: كُلُّهُ مِن عِنْدِ رَبِّنا، وحُذِفَ الضَمِيرُ لِدَلالَةِ لَفْظِ "كُلٌّ" عَلَيْهِ، إذْ هي لَفْظَةٌ تَقْتَضِي الإضافَةَ.
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿وَما يَذَّكَّرُ إلا أُولُو الألْبابِ﴾ أيْ ما يَقُولُ هَذا ويُؤْمِنُ بِهِ ويَقِفُ حَيْثُ وقَفَ ويَدَعُ اتِّباعَ المُتَشابِهِ إلّا ذُو لُبٍّ، وهو العَقْلُ، وأولو: جَمْعُ ذُو.
{"ayahs_start":5,"ayahs":["إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَخۡفَىٰ عَلَیۡهِ شَیۡءࣱ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِی ٱلسَّمَاۤءِ","هُوَ ٱلَّذِی یُصَوِّرُكُمۡ فِی ٱلۡأَرۡحَامِ كَیۡفَ یَشَاۤءُۚ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ","هُوَ ٱلَّذِیۤ أَنزَلَ عَلَیۡكَ ٱلۡكِتَـٰبَ مِنۡهُ ءَایَـٰتࣱ مُّحۡكَمَـٰتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلۡكِتَـٰبِ وَأُخَرُ مُتَشَـٰبِهَـٰتࣱۖ فَأَمَّا ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمۡ زَیۡغࣱ فَیَتَّبِعُونَ مَا تَشَـٰبَهَ مِنۡهُ ٱبۡتِغَاۤءَ ٱلۡفِتۡنَةِ وَٱبۡتِغَاۤءَ تَأۡوِیلِهِۦۖ وَمَا یَعۡلَمُ تَأۡوِیلَهُۥۤ إِلَّا ٱللَّهُۗ وَٱلرَّ ٰسِخُونَ فِی ٱلۡعِلۡمِ یَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِۦ كُلࣱّ مِّنۡ عِندِ رَبِّنَاۗ وَمَا یَذَّكَّرُ إِلَّاۤ أُو۟لُوا۟ ٱلۡأَلۡبَـٰبِ"],"ayah":"إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَخۡفَىٰ عَلَیۡهِ شَیۡءࣱ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِی ٱلسَّمَاۤءِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق