الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿ألَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الكِتابِ يُدْعَوْنَ إلى كِتابِ اللهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهم ثُمَّ يَتَوَلّى فَرِيقٌ مِنهم وهم مُعْرِضُونَ﴾ ﴿ذَلِكَ بِأنَّهم قالُوا لَنْ تَمَسَّنا النارُ إلا أيّامًا مَعْدُوداتٍ وغَرَّهم في دِينِهِمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ﴾ ﴿فَكَيْفَ إذا جَمَعْناهم لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ ووُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وهم لا يُظْلَمُونَ﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ بِسَبَبِ «أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ دَخَلَ بَيْتَ المَدارِسِ عَلى جَماعَةٍ مِن يَهُودَ فَدَعاهم إلى اللهِ، فَقالَ لَهُ نُعَيْمُ بْنُ عَمْرٍو والحارِثُ بْنُ زَيْدٍ: عَلى أيِّ دِينٍ أنْتَ يا مُحَمَّدُ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: "أنا عَلى مِلَّةِ إبْراهِيمَ" فَقالا: فَإنَّ إبْراهِيمَ كانَ يَهُودِيًّا، فَقالَ لَهُما النَبِيُّ عَلَيْهِ السَلامُ: "فَهَلُمُّوا إلى التَوْراةِ فَهي بَيْنَنا وبَيْنَكُمْ" فَأبَيا عَلَيْهِ فَنَزَلَتْ.» وذَكَرَ النَقّاشُ «أنَّها نَزَلَتْ لِأنَّ جَماعَةً مِنَ اليَهُودِ أنْكَرُوا نُبُوَّةَ مُحَمَّدٍ ﷺ. فَقالَ لَهُمُ النَبِيُّ عَلَيْهِ السَلامُ: "هَلُمُّوا إلى التَوْراةِ فَفِيها صِفَتِي" فَأبَوْا.» فالكِتابُ في قَوْلِهِ: "مِنَ الكِتابِ" هو اسْمُ الجِنْسِ، والكِتابُ في قَوْلِهِ: ﴿إلى كِتابِ اللهِ﴾ هو التَوْراةُ. وقالَ قَتادَةُ وابْنُ جُرَيْجٍ: الكِتابُ في قَوْلِهِ ﴿إلى كِتابِ اللهِ﴾ هو القُرْآنُ، كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَدْعُوهم إلَيْهِ فَكانُوا يُعْرِضُونَ، ورَجَّحَ الطَبَرِيُّ القَوْلَ الأوَّلَ، (p-١٨٦)وَقالَ مَكِّيٌّ: الكِتابُ الأوَّلُ اللَوْحُ المَحْفُوظُ، والثانِي؛ التَوْراةُ. وقَرَأ جُمْهُورُ الناسِ: "لِيَحْكُمَ" بِفَتْحِ الياءِ أيْ لِيَحْكُمَ الكِتابُ، وقَرَأ الحَسَنُ وأبُو جَعْفَرٍ وعاصِمٌ الجَحْدَرِيُّ "لِيُحْكَمَ" بِضَمِّ الياءِ وبِناءِ الفِعْلِ لِلْمَفْعُولِ. وخَصَّ اللهُ تَعالى بِالتَوَلِّي فَرِيقًا دُونَ الكُلِّ، لِأنَّ مِنهم مَن لَمْ يَتَوَلَّ كابْنِ سَلامٍ وغَيْرِهِ. وقَوْلُهُ تَعالى: "ذَلِكَ بِأنَّهُمْ" الإشارَةُ فِيهِ إلى التَوَلِّي والإعْراضِ، أيْ إنَّما تَوَلَّوْا وأعْرَضُوا لِاغْتِرارِهِمْ بِهَذِهِ الأقْوالِ والِافْتِراءِ الَّذِي لَهم في قَوْلِهِمْ: "نَحْنُ أبْناءُ اللهِ وأحِبّاؤُهُ" إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِن هَذا المَعْنى. وكانَ مِن قَوْلِ بَنِي إسْرائِيلَ: إنَّهم لَنْ تَمَسَّهُمُ النارُ إلّا أرْبَعِينَ يَوْمًا عَدَدَ الأيّامِ الَّتِي عَبَدُوا فِيها العِجْلَ، قالَهُ الرَبِيعُ وقَتادَةُ. وحَكى الطَبَرِيُّ أنَّهم قالُوا: إنَّ اللهَ وعَدَ أباهم يَعْقُوبَ ألّا يُدْخِلَ أحَدًا مِن ولَدِهِ النارَ إلّا تَحِلَّةَ القَسَمِ، وفي الحَدِيثِ «أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ لِلْيَهُودِ: "مَن أوَّلُ مَن يَدْخُلُ النارَ؟ فَقالُوا نَحْنُ، فَتْرَةً يَسِيرَةً ثُمَّ تَخْلُفُونَنا فِيها، فَقالَ: كَذَبْتُمْ"...» الحَدِيثُ بِطُولِهِ و"يَفْتَرُونَ" مَعْناهُ: يُشَقِّقُونَ ويَخْتَلِقُونَ مِنَ الأحادِيثِ في مَدْحِ دِينِهِمْ وأنْفُسِهِمْ وادِّعاءِ الفَضائِلِ لَها. ثُمَّ قالَ تَعالى خِطابًا لِمُحَمَّدٍ وأُمَّتِهِ عَلى جِهَةِ التَوْقِيفِ والتَعْجِيبِ: فَكَيْفَ حالُ هَؤُلاءِ المُغْتَرِّينَ بِالأباطِيلِ إذا حُشِرُوا يَوْمَ القِيامَةِ، واضْمَحَلَّتْ تِلْكَ الزَخارِفُ الَّتِي ادَّعَوْها في الدُنْيا وجُوزُوا بِما اكْتَسَبُوهُ مِن كُفْرِهِمْ وأعْمالِهِمُ القَبِيحَةِ؟ قالَ النَقّاشُ: واليَوْمُ: الوَقْتُ. وكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿فِي سِتَّةِ أيّامٍ﴾ [الأعراف: ٥٤] و﴿فِي يَوْمَيْنِ﴾ [فصلت: ٩] و﴿أرْبَعَةِ أيّامٍ﴾ [فصلت: ١٠] إنَّما هي عِبارَةٌ عن أوقاتٍ، فَإنَّما الأيّامُ واللَيالِي عِنْدَنا. والصَحِيحُ في يَوْمِ القِيامَةِ أنَّهُ يَوْمٌ لِأنَّ قَبْلَهُ لَيْلَةً وفِيهِ شَمْسٌ، واللامُ في قَوْلِهِ تَعالى: "لِيَوْمٍ" طالِبَةٌ لِمَحْذُوفٍ، قالَ الطَبَرِيُّ: تَقْدِيرُهُ: لِما يَحْدُثُ في يَوْمٍ..
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب