الباحث القرآني
وَقوله عزّ وجلّ:
﴿الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إنَّنا آمَنّا فاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وقِنا عَذابَ النارِ﴾ ﴿الصابِرِينَ والصادِقِينَ والقانِتِينَ والمُنْفِقِينَ والمُسْتَغْفِرِينَ بِالأسْحارِ﴾
"الَّذِينَ" بَدَلٌ مِنَ "الَّذِينَ اتَّقَوْا"، فَسَّرَ في هَذِهِ الآيَةِ أحْوالَ المُتَّقِينَ المَوْعُودِينَ بِالجَنّاتِ. ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ إعْرابُ قَوْلِهِ: "الَّذِينَ" في هَذِهِ الآيَةِ رَفْعًا عَلى القَطْعِ (p-١٧٧)وَإضْمارِ الِابْتِداءِ، ويَحْتاجُ إلى القَطْعِ وإضْمارِ فِعْلٍ في قَوْلِهِ "الصابِرِينَ"، والخَفْضُ في ذَلِكَ كُلِّهِ عَلى البَدَلِ أوجَهُ. ويَجُوزُ في "الَّذِينَ"، وما بَعْدَهُ النَصْبُ عَلى المَدْحِ.
والصَبْرُ في هَذِهِ الآيَةِ مَعْناهُ: عَلى الطاعاتِ وعَنِ المَعاصِي والشَهَواتِ. والصِدْقُ مَعْناهُ: في الأقْوالِ والأفْعالِ. والقُنُوتُ: الطاعَةُ والدُعاءُ أيْضًا وبِكُلِّ ذَلِكَ يَتَّصِفُ المُتَّقِي. والإنْفاقُ مَعْناهُ: في سَبِيلِ اللهِ ومَظانِّ الأجْرِ كالصِلَةِ لِلرَّحِمِ وغَيْرِها، ولا يَخْتَصُّ هَذا الإنْفاقُ بِالزَكاةِ المَفْرُوضَةِ. والِاسْتِغْفارُ: طَلَبُ المَغْفِرَةِ مِنَ اللهِ تَعالى، وخَصَّ تَعالى السَحَرَ لِما فَسَّرَ النَبِيُّ ﷺ في قَوْلِهِ: « "يَنْزِلُ رَبُّنا عَزَّ وجَلَّ كُلَّ لَيْلَةٍ إلى سَماءِ الدُنْيا حِينَ يَبْقى ثُلُثُ اللَيْلِ الآخِرُ، فَيَقُولُ: مَن يَدْعُونِي فَأسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَن يَسْألُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ فَلا يَزالُ كَذَلِكَ حَتّى يَطْلُعَ الفَجْرُ.»
ورُوِيَ في تَفْسِيرِ قَوْلِ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَلامُ: "سَوْفَ أسْتَغْفِرُ لَكم رَبِّي" أنَّهُ أخَّرَ الأمْرَ إلى السَحَرِ، ورَوى إبْراهِيمُ بْنُ حاطِبٍ عن أبِيهِ قالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا في السَحَرِ في ناحِيَةِ المَسْجِدِ يَقُولُ: رَبِّ أمَرْتَنِي فَأطَعْتُكَ، وهَذا سَحَرٌ فاغْفِرْ لِي، فَنَظَرْتُ فَإذا ابْنُ مَسْعُودٍ. وقالَ أنَسُ بْنُ مالِكٍ: أُمِرْنا أنْ نَسْتَغْفِرَ بِالسَحَرِ سَبْعِينَ اسْتِغْفارَةً. وقالَ نافِعٌ: كانَ ابْنُ عُمَرَ يُحْيِي اللَيْلَ صَلاةً ثُمَّ يَقُولُ: يا نافِعُ أسَحِرْنا؟ فَأقُولُ: لا، فَيُعاوِدُ الصَلاةَ ثُمَّ يَسْألُ، فَإذا قُلْتُ نَعَمْ قَعَدَ يَسْتَغْفِرُ. فَلَفْظُ الآيَةِ إنَّما يُعْطِي طَلَبَ المَغْفِرَةِ، وهَكَذا تَأوَّلَهُ مَن ذَكَرْناهُ مِنَ الصَحابَةِ. وقالَ قَتادَةُ: المُرادُ بِالآيَةِ، المُصَلُّونَ بِالسَحَرِ. وقالَ زَيْدُ بْنُ أسْلَمَ: المُرادُ بِها الَّذِينَ يُصَلُّونَ صَلاةَ الصُبْحِ في جَماعَةٍ، وهَذا كُلُّهُ يَقْتَرِنُ بِهِ الِاسْتِغْفارُ.
والسَحَرُ - بِفَتْحِ الحاءِ وسُكُونِها-: آخِرُ اللَيْلِ. قالَ الزَجّاجُ وغَيْرُهُ: هو قَبْلَ طُلُوعِ (p-١٧٨)الفَجْرِ، وهَذا صَحِيحٌ لِأنَّ ما بَعْدَ الفَجْرِ هو مِنَ اليَوْمِ لا مِنَ اللَيْلَةِ. وقالَ بَعْضُ اللُغَوِيِّينَ: السَحَرُ مِن ثُلُثِ اللَيْلِ الآخِرِ إلى الفَجْرِ. والحَدِيثُ في التَنَزُّلِ وهَذِهِ الآيَةُ في الِاسْتِغْفارِ يُؤَيِّدانِ هَذا. وقَدْ يَجِيءُ في أشْعارِ العَرَبِ ما يَقْتَضِي أنَّ حُكْمَ السَحَرِ يَسْتَمِرُّ فِيما بَعْدَ الفَجْرِ، نَحْوِ قَوْلِ امْرِئِ القَيْسِ:
؎ يُعَلُّ بِهِ بَرْدُ أنْيابِها ∗∗∗ إذا غَرَّدَ الطائِرُ المُسْتَحِرْ
يُقالُ: أسْحَرَ واسْتَحَرَ إذا دَخَلَ في السَحَرِ، وكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ: نَسِيمُ السَحَرِ، يَقَعُ لِما بَعْدَ الفَجْرِ، وكَذَلِكَ قَوْلُ الشاعِرِ:
؎ يَجِدُ النِساءَ حَواسِرًا يَنْدُبْنَهُ ∗∗∗ ∗∗∗ قَدْ قُمْنَ قَبْلَ تَبَلُّجِ الأسْحارِ
فَقَدْ قَضى أنَّ السَحَرَ يَتَبَلَّجُ بِطُلُوعِ الفَجْرِ، ولَكِنَّ حَقِيقَةَ السَحَرِ في هَذِهِ الأحْكامِ الشَرْعِيَّةِ مِنَ الِاسْتِغْفارِ المَحْمُودِ، ومِن سَحُورِ الصائِمِ، ومِن يَمِينٍ لَوْ وقَعَتْ - إنَّما هي مِن ثُلُثِ اللَيْلِ الباقِي إلى الفَجْرِ.
{"ayahs_start":16,"ayahs":["ٱلَّذِینَ یَقُولُونَ رَبَّنَاۤ إِنَّنَاۤ ءَامَنَّا فَٱغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ","ٱلصَّـٰبِرِینَ وَٱلصَّـٰدِقِینَ وَٱلۡقَـٰنِتِینَ وَٱلۡمُنفِقِینَ وَٱلۡمُسۡتَغۡفِرِینَ بِٱلۡأَسۡحَارِ"],"ayah":"ٱلصَّـٰبِرِینَ وَٱلصَّـٰدِقِینَ وَٱلۡقَـٰنِتِینَ وَٱلۡمُنفِقِینَ وَٱلۡمُسۡتَغۡفِرِینَ بِٱلۡأَسۡحَارِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق