الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ: ﴿فاعْفُ عنهم واسْتَغْفِرْ لَهم وشاوِرْهم في الأمْرِ فَإذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلى اللهِ إنَّ اللهِ يُحِبُّ المُتَوَكِّلِينَ﴾ [آل عمران: ١٥٩] ﴿إنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غالِبَ لَكم وإنْ يَخْذُلْكم فَمَن ذا الَّذِي يَنْصُرْكُمُ مِن بَعْدِهِ وعَلى اللهُ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ﴾.
أمَرَ اللهُ تَعالى رَسُولَهُ بِهَذِهِ الأوامِرِ الَّتِي هي بِتَدْرِيجٍ بَلِيغٍ، وذَلِكَ أنَّهُ أمَرَهُ بِأنْ يَعْفُوَ عَلَيْهِ السَلامُ عنهم ما لَهُ في خاصَّتِهِ عَلَيْهِمْ مِن تَبِعَةٍ وحَقٍّ، فَإذا صارُوا في هَذِهِ الدَرَجَةِ، أمَرَهُ أنْ يَسْتَغْفِرَ لَهم فِيما لِلَّهِ عَلَيْهِمْ مِن تَبِعَةٍ، فَإذا صارُوا في هَذِهِ الدَرَجَةِ كانُوا أهْلًا لِلِاسْتِشارَةِ في الأُمُورِ.
والشُورى مِن قَواعِدِ الشَرِيعَةِ وعَزائِمِ الأحْكامِ، ومَن لا يَسْتَشِيرُ أهْلَ العِلْمِ والدِينِ فَعَزْلُهُ واجِبٌ، هَذا ما لا خِلافَ فِيهِ، وقَدْ مَدَحَ اللهُ المُؤْمِنِينَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَأمْرُهم شُورى بَيْنَهُمْ﴾ [الشورى: ٣٨] وقالَ النَبِيُّ ﷺ: « "ما خابَ مَنِ اسْتَخارَ ولا نَدِمَ مَنِ اسْتَشارَ"» وقالَ عَلَيْهِ (p-٤٠٥)السَلامُ « "المُسْتَشارُ مُؤْتَمَنٌ".» وصِفَةُ المُسْتَشارِ في الأحْكامِ أنْ يَكُونَ عالِمًا دَيِّنًا، وقَلَّ ما يَكُونُ ذَلِكَ إلّا في عاقِلٍ، فَقَدْ قالَ الحَسَنُ بْنُ أبِي الحَسَنِ: "ما كَمُلَ دِينُ امْرِئٍ لَمْ يَكْمُلْ عَقْلُهُ". وصِفَةُ المُسْتَشارِ في أُمُورِ الدُنْيا أنْ يَكُونَ عاقِلًا مُجَرِّبًا وادًّا في المُسْتَشِيرِ. والشُورى بَرَكَةٌ، وقَدْ جَعَلَ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ الخِلافَةَ -وَهِيَ أعْظَمُ النَوازِلِ- شُورى، وقالَ الحَسَنُ: واللهِ ما تَشاوَرَ قَوْمٌ بَيْنَهم إلّا هَداهُمُ اللهُ لِأفْضَلِ ما بِحَضْرَتِهِمْ، وكانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يُشاوِرُ أصْحابَهُ، وقَدْ قالَ في غَزْوَةِ بَدْرٍ: « "أشِيرُوا عَلَيَّ أيُّها الناسُ"،» في اليَوْمِ الَّذِي تَكَلَّمَ فِيهِ المِقْدادُ ثُمَّ سَعْدُ بْنُ عُبادَةَ. ومُشاوَرَتُهُ عَلَيْهِ السَلامُ إنَّما هي في أُمُورِ الحُرُوبِ والبُعُوثِ ونَحْوِهِ مِن أشْخاصِ النَوازِلِ، وأمّا في حَلالٍ أو حَرامٍ أو حَدٍّ فَتِلْكَ قَوانِينُ شَرْعٍ "ما فَرَّطْنا في الكِتابِ مِن شَيْءٍ"، وكَأنَّ الآيَةَ نَزَلَتْ مُؤْنِسَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، إذْ كانَ تَغَلُّبُهم عَلى الرَأْيِ في قِصَّةِ أُحُدٍ يَقْتَضِي أنْ يُعاقَبُوا بِأنْ لا يُشاوَرُوا في المُسْتَأْنَفِ.
وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ "وَشاوِرْهم في بَعْضِ الأمْرِ"، وقِراءَةُ الجُمْهُورِ إنَّما هي بِاسْمِ الجِنْسِ الَّذِي يَقَعُ لِلْبَعْضِ ولِلْكُلِّ، ولا مَحالَةَ أنَّ اللَفْظَ خاصٌّ بِما لَيْسَ مِن تَحْلِيلٍ وتَحْرِيمٍ، والشُورى مَبْنِيَّةٌ عَلى اخْتِلافِ الآراءِ، والمُسْتَشِيرُ يَنْظُرُ في ذَلِكَ الخِلافِ ويَتَخَيَّرُ، فَإذا أرْشَدَهُ اللهُ تَعالى إلى ما شاءَ مِنهُ عَزَمَ عَلَيْهِ وأنْفَذَهُ مُتَوَكِّلًا عَلى اللهِ، إذْ هي غايَةُ الِاجْتِهادِ المَطْلُوبِ مِنهُ، وبِهَذا أمَرَ تَعالى نَبِيَّهُ في هَذِهِ الآيَةِ.
(p-٤٠٦)وَقَرَأ جابِرُ بْنُ زَيْدٍ وأبُو نُهَيْكٍ وجَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ وعِكْرِمَةُ "عَزَمْتُ" بِضَمِّ التاءِ، سَمّى اللهُ تَعالى إرْشادَهُ وتَسْدِيدَهُ عَزْمًا مِنهُ، وهَذا في المَعْنى نَحْوُ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لِتَحْكُمَ بَيْنَ الناسِ بِما أراكَ اللهُ﴾ [النساء: ١٠٥] ونَحْوُ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَما رَمَيْتَ إذْ رَمَيْتَ ولَكِنَّ اللهَ رَمى﴾ [الأنفال: ١٧] فَجَعَلَ تَعالى هَزْمَهُ المُشْرِكِينَ بِحُنَيْنٍ وتَشْوِيهَ وُجُوهِهِمْ رَمْيًا، إذْ كانَ ذَلِكَ مُتَّصِلًا بِرَمْيِ مُحَمَّدٍ ﷺ بِالحَصْباءِ. وقَدْ قالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: ثُمَّ عَزَمَ اللهُ لِي.
والتَوَكُّلُ عَلى اللهِ تَعالى مِن فُرُوضِ الإيمانِ وفُصُولِهِ، ولَكِنَّهُ مُقْتَرِنٌ بِالجِدِّ في الطاعَةِ والتَشْمِيرِ والحَزامَةِ بِغايَةِ الجُهْدِ، ولَيْسَ الإلْقاءُ بِاليَدِ وما أشْبَهَهُ بِتَوَكُّلٍ، وإنَّما هو كَما قالَ عَلَيْهِ السَلامُ: « "قَيِّدْها وتَوَكَّلْ".»
ثُمَّ ثَبَّتَ تَعالى المُؤْمِنِينَ بِقَوْلِهِ: ﴿إنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ﴾ أيْ: فالزَمُوا الأُمُورَ الَّتِي أمَرَكم بِها ووَعَدَكُمُ النَصْرَ مَعَها.
والخَذْلُ: هو التَرْكُ في مَواطِنِ الِاحْتِياجِ إلى التارِكِ، وأصْلُهُ مِن خَذْلِ الظِباءِ، وبِهَذا قِيلَ لَها: خاذِلٌ إذْ تَرَكَتْها أُمُّها، وهَذا عَلى النَسَبِ أيْ: ذاتُ خَذْلٍ لِأنَّ المَتْرُوكَةَ هي الخاذِلُ بِمَعْنى مَخْذُولَةٍ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَمَن ذا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ﴾ تَقْدِيرُ جَوابِهِ: لا مَن، والضَمِيرُ في "بَعْدِهِ" يَحْتَمِلُ العَوْدَةَ عَلى المَكْتُوبَةِ، ويَحْتَمِلُ العَوْدَةَ عَلى الخَذْلِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ: "وَإنْ يَخْذُلْكُمْ"
/
{"ayah":"إِن یَنصُرۡكُمُ ٱللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمۡۖ وَإِن یَخۡذُلۡكُمۡ فَمَن ذَا ٱلَّذِی یَنصُرُكُم مِّنۢ بَعۡدِهِۦۗ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡیَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق