الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿وَتِلْكَ الأيّامُ نُداوِلُها بَيْنَ الناسِ ولِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا ويَتَّخِذَ مِنكم شُهَداءَ واللهُ لا يُحِبُّ الظالِمِينَ﴾ [آل عمران: ١٤٠] ﴿وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا ويَمْحَقَ الكافِرِينَ﴾.
أخْبَرَ تَعالى عَلى جِهَةِ التَسْلِيَةِ؛ أنَّ الأيّامَ عَلى قَدِيمِ الدَهْرِ وغابِرِهِ أيْضًا إنَّما جَعَلَها دُوَلًا بَيْنَ البَشَرِ، أيْ: فَلا تُنْكِرُوا أنْ يُدالَ عَلَيْكُمُ الكُفّارُ. وقالَ تَعالى: "نُداوِلُها" فَهي مُفاعَلَةٌ مِن جِهَةٍ واحِدَةٍ، وإنَّما ساغَ ذَلِكَ لِأنَّ المُداوَلَةَ مِنهُ تَعالى هي بَيْنَ شَيْئَيْنِ، فَلَمّا كانَ ذَلِكَ الفَرِيقانِ يَتَداوَلانِ حَسُنَ ذَلِكَ، والدُولَةُ بِضَمِّ الدالِ المَصْدَرُ، والدَوْلَةُ بِفَتْحِ الدالِ: الفَعْلَةُ الواحِدَةُ مِن ذَلِكَ، فَلِذَلِكَ يُقالُ: في دَوْلَةِ فُلانٍ لِأنَّها مَرَّةٌ في الدَهْرِ، وسَمِعَ بَعْضُ العَرَبِ الأقْحاحِ قارِئًا يَقْرَأُ هَذِهِ الآيَةَ، فَقالَ: إنَّما هو "وَتِلْكَ الأيّامُ نُداوِلُها بَيْنَ العَرَبِ"، فَقِيلَ لَهُ: إنَّما هو "بَيْنَ الناسِ" فَقالَ: إنّا لِلَّهِ، ذَهَبَ مُلْكُ العَرَبِ ورَبِّ الكَعْبَةِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [آل عمران: ١٤٠] دَخَلَتِ الواوُ لِتُؤْذِنَ أنَّ اللامَ مُتَعَلِّقَةٌ بِمُقَدَّرٍ في آخِرِ الكَلامِ، تَقْدِيرُهُ: ولِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا، فَعَلَ ذَلِكَ. وقَوْلُهُ تَعالى: "وَلِيَعْلَمَ" (p-٣٦٨)مَعْناهُ: لِيَظْهَرَ في الوُجُودِ إيمانُ الَّذِينَ قَدْ عَلِمَ أزَلًا أنَّهم يُؤْمِنُونَ، ولِيُساوِقَ عِلْمُهُ إيمانَهم ووُجُودَهُمْ، وإلّا فَقَدْ عَلِمَهم في الأوَّلِ، وعِلْمُهُ تَعالى لا يَطْرَأُ عَلَيْهِ التَغْيِيرُ؛ ونَحْوُ هَذا: أنْ يَضْرِبَ حاكِمٌ أحَدًا ثُمَّ يُبَيِّنَ سَبَبَ الضَرْبِ ويَقُولَ: فَعَلْتُ هَذا التَبْيِينَ لِأضْرِبَ مُسْتَحِقًّا، مَعْناهُ: لِيَظْهَرَ أنَّ فِعْلِي وافَقَ اسْتِحْقاقَهُ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَيَتَّخِذَ مِنكم شُهَداءَ﴾ [آل عمران: ١٤٠]، مَعْناهُ: أهْلَ فَوْزٍ في سَبِيلِهِ حَسْبَما ورَدَ في فَضائِلِ الشَهِيدِ.
ثُمَّ أخْبَرَ تَعالى أنَّ إدالَتَهُ الكُفّارَ عَلى المُؤْمِنِينَ إنَّما هي لِيُمَحِّصَ المُؤْمِنِينَ، وأنَّ إدالَةَ المُؤْمِنِينَ عَلى الكُفّارِ إنَّما هي لِمَحْقِ الكُفّارِ، هَذا مُقْتَضى ألْفاظِ الآيَةِ. وقَدْ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ وغَيْرُهُ: جَعَلَ اللهُ الدَوْلَةَ لِرَسُولِهِ يَوْمَ بَدْرٍ، وعَلَيْهِ يَوْمَ أُحُدٍ. وذَهَبَ كَثِيرٌ مِن أهْلِ العِلْمِ إلى العِبارَةِ عن إدالَةِ المُؤْمِنِينَ بِالنَصْرِ، وعن إدالَةِ الكُفّارِ بِالإدالَةِ، ورُوِيَ في ذَلِكَ عَنِ النَبِيِّ ﷺ حَدِيثُ: « "إنَّهم يُدالُونَ كَما تُنْصَرُونَ".»
والتَمْحِيصُ: التَنْقِيَةُ. قالَ الخَلِيلُ: التَمْحِيصُ مِنَ العَيْبِ، يُقالُ: مَحَّصَ الحَبْلُ إذا زالَ عنهُ بِكَثْرَةِ مَرِّهِ عَلى اليَدِ زِئْبِرُهُ وأمْلَسَ، هَكَذا ساقَ الزَجّاجُ اللَفْظَةَ "الحَبْلُ" ورَواها النَقّاشُ "مَحَّصَ الجَمَلُ": إذا زالَ عنهُ وبَرُهُ وأمْلَسَ، وقالَ حَنِيفُ الحَناتِمِ، وقَدْ ورَدَ ماءً يُقالُ لَهُ: طُوَيْلِعٌ: إنَّكَ لَمَحِصُ الرِشاءِ، بَعِيدُ المُسْتَقى، مَطِلٌ عَلى الأعْداءِ، فالمَعْنى: إنَّهُ لِبُعْدِهِ يَمْلُسُ حَبْلُهُ بِطُولِ الجَرِّ ومَرِّ الأيْدِي.
فَمَعْنى الآيَةِ: أنَّ اللهَ يُمَحِّصُ المُؤْمِنِينَ إذا أدالَ عَلَيْهِمْ، بِأنَّهُ يُنَقِّي المُتَشَهِّدِينَ مِن ذُنُوبِهِمْ، ويُنَقِّي الأحْياءَ مِن مُنافِقِهِمْ إذْ يُمَيِّزُهُمْ، وأنَّهُ يَمْحَقُ الكافِرِينَ إذا نَصَرَ عَلَيْهِمْ أيْ: يَنْقُصُهُمْ، والمَحْقُ: الذَهابُ شَيْئًا شَيْئًا، ومِنهُ مِحاقُ القَمَرِ.
{"ayah":"وَلِیُمَحِّصَ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَیَمۡحَقَ ٱلۡكَـٰفِرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق