الباحث القرآني
(p-٣٤٢)قوله عزّ وجلّ:
﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وأنْتُمْ أذِلَّةٌ فاتَّقُوا اللهُ لَعَلَّكم تَشْكُرُونَ﴾ ﴿إذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ ألَنْ يَكْفِيَكم أنْ يُمِدَّكم رَبُّكم بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ﴾ ﴿بَلى إنْ تَصْبِرُوا وتَتَّقُوا ويَأْتُوكم مِن فَوْرِهِمْ هَذا يُمْدِدْكم رَبُّكم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِن المَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ﴾
لَمّا أمَرَ اللهُ تَعالى بِالتَوَكُّلِ عَلَيْهِ، ذَكَّرَ بِأمْرِ بَدْرٍ الَّذِي كانَ ثَمَرَةَ التَوَكُّلِ عَلى اللهِ والثِقَةِ بِهِ، فَمَن قالَ مِنَ المُفَسِّرِينَ إنَّ قَوْلَ النَبِيِّ ﷺ لِلْمُؤْمِنِينَ: "ألَنْ يَكْفِيَكُمْ". كانَ في غَزْوَةِ بَدْرٍ، فَيَجِيءُ التَذْكِيرُ بِأمْرِ بَدْرٍ وبِأمْرِ المَلائِكَةِ وقِتالِهِمْ فِيهِ مَعَ المُؤْمِنِينَ، مُحَرِّضًا عَلى الجِدِّ والتَوَكُّلِ عَلى اللهِ، ومَن قالَ: إنَّ قَوْلَ النَبِيِّ ﷺ: "ألَنْ يَكْفِيَكُمْ"... الآيَةَ إنَّما كانَ في غَزْوَةِ أُحُدٍ، كانَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ﴾ إلى "تَشْكُرُونَ" اعْتِراضًا بَيْنَ الكَلامِ جَمِيلًا، والنَصْرُ بِبَدْرٍ هو المَشْهُورُ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ صَنادِيدُ قُرَيْشٍ، وعَلى ذَلِكَ اليَوْمِ انْبَنى الإسْلامُ، وكانَتْ بَدْرٌ يَوْمَ سَبْعَةَ عَشَرَ مِن رَمَضانَ يَوْمَ جُمُعَةٍ لِثَمانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنَ الهِجْرَةِ. وبَدْرٌ: ماءٌ هُنالِكَ سُمِّيَ بِهِ المَوْضِعُ. وقالَ الشَعْبِيُّ: كانَ ذَلِكَ الماءُ لِرَجُلٍ مِن جُهَيْنَةَ يُسَمّى بَدْرًا فَبِهِ سُمِّيَ. قالَ الواقِدِيُّ: فَذَكَرْتُ هَذا لِعَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ ومُحَمَّدِ بْنِ صالِحٍ فَأنْكَراهُ وقالا: بِأيِّ شَيْءٍ سُمِّيَتِ الصَفْراءُ والجارُ وغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ المَواضِعِ؟ قالَ: وذَكَرْتُ ذَلِكَ لِيَحْيى بْنِ النُعْمانِ الغِفارِيِّ فَقالَ: سَمِعْتُ شُيُوخًا مِن بَنِي غِفارٍ يَقُولُونَ: هو ماؤُنا ومَنزِلُنا وما مَلَكَهُ أحَدٌ قَطُّ يُقالُ لَهُ بَدْرٌ، وما هو مِن بِلادِ جُهَيْنَةَ إنَّما هي بِلادُ غِفارٍ، قالَ الواقِدِيُّ: فَهَذا المَعْرُوفُ عِنْدَنا.
(p-٣٤٣)وَقَوْلُهُ تَعالى: "وَأنْتُمْ أذِلَّةٌ" مَعْناهُ: قَلِيلُونَ، وذَلِكَ أنَّهم كانُوا ثَلاثَمِائَةٍ وثَلاثَةَ عَشَرَ أو أرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، وكانَ عَدُوُّهم ما بَيْنَ التِسْعِمِائَةِ إلى الألْفِ، وأذِلَّةٌ: جَمْعُ ذَلِيلٍ، واسْمُ الذُلِّ في هَذا المَوْضِعِ مُسْتَعارٌ، ولَمْ يَكُونُوا في أنْفُسِهِمْ إلّا أعِزَّةً، ولَكِنَّ نِسْبَتَهم إلى عَدُوِّهِمْ وإلى جَمِيعِ الكُفّارِ في أقْطارِ الأرْضِ يَقْتَضِي عِنْدَ التَأمُّلِ ذِلَّتَهُمْ، وأنَّهم مَغْلُوبُونَ، وقَدْ قالَ النَبِيُّ ﷺ في ذَلِكَ اليَوْمِ: « "اللهُمَّ إنْ تَهْلِكْ هَذِهِ العِصابَةُ لَمْ تُعْبَدْ"،» وهَذِهِ الِاسْتِعارَةُ كاسْتِعارَةِ الكَذِبِ في قَوْلِهِ في المُوَطَّإ: كَذَبَ كَعْبٌ، وكَقَوْلِهِ: كَذَبَ أبُو مُحَمَّدٍ، وكاسْتِعارَةِ المَسْكَنَةِ لِأصْحابِ السَفِينَةِ عَلى بَعْضِ الأقْوالِ، إذْ كانَتْ مَسْكَنَتُهم بِالنِسْبَةِ إلى المَلِكِ القادِرِ الغاصِبِ.
ثُمَّ أمَرَ تَعالى المُؤْمِنِينَ بِالتَقْوى، ورَجّاهم في الإنْعامِ الَّذِي يُوجِبُ الشُكْرَ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ المَعْنى: اتَّقُوا اللهَ عَسى أنْ تَكُونَ تَقْواكم شُكْرًا عَلى النِعْمَةِ في نَصْرِهِ بِبَدْرٍ.
وقَوْلُهُ تَعالى: "إذْ تَقُولُ"، العامِلُ في "إذْ" فِعْلٌ مُضْمَرٌ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ العامِلُ: "نَصَرَكُمُ" وهَذا عَلى قَوْلِ الجُمْهُورِ: إنَّ هَذا القَوْلَ مِنَ النَبِيِّ ﷺ كانَ بِبَدْرٍ، قالَ الشَعْبِيُّ والحَسَنُ بْنُ أبِي الحَسَنِ وغَيْرُهُما: إنَّ هَذا كانَ بِبَدْرٍ، قالَ الشَعْبِيُّ: بَلَغَ المُؤْمِنِينَ أنَّ كُرْزَ بْنَ جابِرِ بْنِ حِسْلٍ المُحارِبِيَّ مُحارِبَ فِهْرٍ قَدْ جاءَ في مَدَدٍ لِلْمُشْرِكِينَ، فَغَمَّ ذَلِكَ المُؤْمِنِينَ، فَقالَ النَبِيُّ ﷺ لِلْمُؤْمِنِينَ عن أمْرِ اللهِ تَعالى هَذِهِ المَقالَةَ، فَصَبَرَ المُؤْمِنُونَ واتَّقَوْا، وهُزِمَ المُشْرِكُونَ، وبَلَغَتِ الهَزِيمَةُ كُرْزًا ومَن مَعَهُ فانْصَرَفُوا ولَمْ يَأْتُوا مِن فَوْرِهِمْ، ولَمْ يُمَدَّ المُؤْمِنُونَ بِالمَلائِكَةِ، وكانَتِ المَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ تَحْضُرُ حُرُوبَ النَبِيِّ ﷺ مَدَدًا، وهي تَحْضُرُ حُرُوبَ المُسْلِمِينَ إلى يَوْمِ القِيامَةِ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وخالَفَ الناسُ الشَعْبِيَّ في هَذِهِ المَقالَةِ، وتَظاهَرَتِ الرِواياتُ بِأنَّ المَلائِكَةَ حَضَرَتْ بَدْرًا وقاتَلَتْ، ومِن ذَلِكَ قَوْلُ أبِي أُسَيْدٍ مالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ: لَوْ كُنْتُ مَعَكُمُ الآنَ بِبَدْرٍ (p-٣٤٤)وَمَعِي بَصَرِي لَأرَيْتُكُمُ الشِعْبَ الَّذِي خَرَجَتْ مِنهُ المَلائِكَةُ، لا أشُكُّ ولا أتَمارى. ومِنهُ حَدِيثُ الغِفارِيِّ وابْنِ عَمِّهِ اللَذَيْنِ سَمِعا مِنَ الصَحابَةِ: أقْدِمْ حَيْزُومُ فانْكَشَفَ قِناعُ قَلْبِ أحَدِهِما، فَماتَ مَكانَهُ، وتَماسَكَ الآخَرُ.
وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: لَمْ تُقاتِلِ المَلائِكَةُ في يَوْمٍ مِنَ الأيّامِ إلّا يَوْمَ بَدْرٍ، وكانُوا يَكُونُونَ في سائِرِ الأيّامِ عَدَدًا ومَدَدًا لا يَضْرِبُونَ. ومِن ذَلِكَ قَوْلُ أبِي سُفْيانَ بْنِ الحارِثِ لِأبِي لَهَبٍ: ما هو إلّا أنْ لَقِينا القَوْمَ فَمَنَحْناهم أكْتافَنا يَقْتُلُونَ ويَأْسِرُونَ، وعَلى ذَلِكَ فَواللهِ ما لُمْتُ الناسَ، لَقِينا رِجالًا بِيضًا عَلى خَيْلٍ بُلْقٍ بَيْنَ السَماءِ والأرْضِ ما تُلِيقُ شَيْئًا ولا يَقُومُ لَها شَيْءٌ، ومِن ذَلِكَ «أنَّ أبا اليُسْرِ كَعْبَ بْنَ عَمْرٍو الأنْصارِيَّ أحَدَ بَنِي سَلَمَةَ أسَرَ يَوْمَ بَدْرٍ العَبّاسَ بْنَ عَبْدِ المُطَّلِبِ، وكانَ أبُو اليُسْرِ رَجُلًا مَجْمُوعًا وكانَ العَبّاسُ رَجُلًا طَوِيلًا جَسِيمًا، فَقالَ النَبِيُّ ﷺ: "لَقَدْ أعانَكَ عَلَيْهِ مَلَكٌ كَرِيمٌ"...» الحَدِيثُ بِجُمْلَتِهِ. وقَدْ قالَ بَعْضُ الصَحابَةِ: كُنْتُ يَوْمَ بَدْرٍ أتْبَعُ رَجُلًا مِنَ المُشْرِكِينَ لِأضْرِبَهُ بِسَيْفِي فَلَمّا دَنَوْتُ مِنهُ وقَعَ رَأْسُهُ قَبْلَ أنْ يَصِلَ سَيْفِي إلَيْهِ، فَعَلِمْتُ أنَّ مَلَكًا قَتَلَهُ.
(p-٣٤٥)وَقالَ قَتادَةُ بْنُ دِعامَةَ: أمَدَّ اللهُ المُؤْمِنِينَ يَوْمَ بَدْرٍ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ المَلائِكَةِ، قالَ الطَبَرِيُّ: وقالَ آخَرُونَ: إنَّ اللهَ وعَدَ المُؤْمِنِينَ يَوْمَ بَدْرٍ أنْ يُمِدَّهم في حُرُوبِهِمْ كُلِّها إنْ صَبَرُوا واتَّقَوْا، فَلَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ إلّا في يَوْمِ الأحْزابِ، فَأمَدَّهم حِينَ حاصَرُوا قُرَيْظَةَ، ثُمَّ أدْخَلَ تَحْتَ هَذِهِ التَرْجَمَةِ عن عَبْدِ اللهِ بْنِ أبِي أوفى أنَّهُ قالَ: «حاصَرْنا قُرَيْظَةَ مُدَّةً فَلَمْ يُفْتَحْ عَلَيْنا فَرَجَعْنا، فَبَيْنا رَسُولُ اللهِ ﷺ قَدْ دَعا بِغُسْلٍ يُرِيدُ أنْ يَغْسِلَ رَأْسَهُ، إذْ جاءَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَلامُ فَقالَ: وضَعْتُمْ أسْلِحَتَكم ولَمْ تَضَعِ المَلائِكَةُ أوزارَها، فَلَفَّ رَسُولُ اللهِ ﷺ رَأسَهُ بِخِرْقَةٍ ولَمْ يَغْسِلْهُ، ونادى فِينا فَقُمْنا كالِّينَ مُتْعَبِينَ، حَتّى أتَيْنا قُرَيْظَةَ والنَضِيرَ، فَيَوْمَئِذٍ أمَدَّنا اللهُ بِالمَلائِكَةِ بِثَلاثَةِ آلافٍ، وفَتَحَ لَنا فَتْحًا يَسِيرًا، فانْقَلَبْنا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وفَضْلٍ.»
وقالَ عِكْرِمَةُ: كانَ الوَعْدُ يَوْمَ بَدْرٍ، فَلَمْ يَصْبِرُوا يَوْمَ أُحُدٍ ولا اتَّقَوْا، فَلَمْ يُمَدُّوا ولَوْ مُدُّوا لَمْ يُهْزَمُوا.
وقالَ الضَحّاكُ: كانَ هَذا الوَعْدُ والمَقالَةُ لِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَفَرَّ الناسُ ووَلَّوْا مُدْبِرِينَ فَلَمْ يُمِدَّهُمُ اللهُ، وإنَّما مُدُّوا يَوْمَ بَدْرٍ بِألْفٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ.
وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: «قالَ المُسْلِمُونَ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ يَوْمَ أُحُدٍ وهم يَنْتَظِرُونَ المُشْرِكِينَ: يا رَسُولَ اللهِ، ألَيْسَ يُمِدُّنا اللهُ كَما أمَدَّنا يَوْمَ بَدْرٍ؟ فَقالَ لَهُمُ النَبِيُّ ﷺ: ﴿ألَنْ يَكْفِيَكُمْ﴾.... الآيَةَ،» وإنَّما أمَدَّهم يَوْمَ بَدْرٍ بِألْفٍ. قالَ ابْنُ زَيْدٍ: فَلَمْ يَصْبِرُوا.
وقَوْلُهُ تَعالى: "ألَنْ يَكْفِيَكُمْ" تَقْرِيرٌ عَلى اعْتِقادِهِمُ الكِفايَةَ في هَذا العَدَدِ مِنَ المَلائِكَةِ، ومِن حَيْثُ كانَ الأمْرُ بَيِّنًا في نَفْسِهِ أنَّ المَلائِكَةَ كافِيَةٌ، بادَرَ المُتَكَلِّمُ إلى الجَوابِ لِيَبْنِيَ ما يَسْتَأْنِفُ مِن قَوْلِهِ عَلَيْهِ فَقالَ: بَلى وهي جَوابُ المُقَرِّرِينَ. وهَذا يَحْسُنُ في الأُمُورِ البَيِّنَةِ الَّتِي لا مَحِيدَ في جَوابِها، ونَحْوُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُلْ أيُّ شَيْءٍ أكْبَرُ (p-٣٤٦)شَهادَةً قُلْ اللهُ﴾ [الأنعام: ١٩] وفي مُصْحَفِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، "ألا يَكْفِيكُمْ"، وقَدْ مَضى القَوْلُ في الإمْدادِ في سُورَةِ البَقَرَةِ في قَوْلِهِ: ﴿وَيَمُدُّهم في طُغْيانِهِمْ﴾ [البقرة: ١٥].
وقَرَأ الحَسَنُ بْنُ أبِي الحَسَنِ: "بِثَلاثَهْ آلافٍ" يَقِفُ عَلى الهاءِ، وكَذَلِكَ: "بِخَمْسَهْ آلافٍ"، ووَجْهُ هَذِهِ القِراءَةِ ضَعِيفٌ، لِأنَّ المُضافَ والمُضافَ إلَيْهِ يَقْتَضِيانِ الِاتِّصالَ، إذْ هُما كالِاسْمِ الواحِدِ، وإنَّما الثانِي كَمالٌ لِلْأوَّلِ، والهاءُ إنَّما هي أمارَةُ وقْفٍ، فَيُقْلِقُ الوَقْفُ في مَوْضِعٍ إنَّما هو لِلِاتِّصالِ، لَكِنْ قَدْ جاءَ نَحْوُ هَذا لِلْعَرَبِ في مَواضِعَ، فَمِن ذَلِكَ ما حَكاهُ الفَرّاءُ أنَّهم يَقُولُونَ: أكَلْتُ لَحْمًا شاهْ، يُرِيدُونَ لَحْمَ شاةٍ فَمَطَلُوا الفَتْحَةَ حَتّى نَشَأتْ عنها ألِفٌ، كَما قالُوا في الوَقْفِ: قالا، يُرِيدُونَ: قالَ، ثُمَّ مَطَلُوا الفَتْحَةَ في القَوافِي ونَحْوِها مِن مَواضِعِ الرَوِيَّةِ والتَثَبُّتِ، ومِن ذَلِكَ في الشِعْرِ قَوْلُ الشاعِرِ:
؎ يَنْباعُ مِن ذِفَرِي غَضُوبٍ جَسْرَةٍ.........................
يُرِيدُ: يَنْبُعُ فَمُطِلَ، ومِنهُ قَوْلُ الآخَرِ:
؎ أقُولُ إذْ خَرَّتْ عَلى الكَلْكالِ ∗∗∗ يا ناقَتا ما جُلْتِ مِن مَجالِ
يُرِيدُ: عَلى الكَلْكَلِ فَمُطِلَ، ومِنهُ قَوْلُ الآخَرِ:
؎ فَأنْتَ مِنَ الغَوائِلِ حِينَ تُرْمى ∗∗∗ ومِن ذَمِّ الرِجالِ بِمُنْتَزاحِ
(p-٣٤٧)يُرِيدُ بِمُنْتَزِحٍ، قالَ أبُو الفَتْحِ: فَإذا جازَ أنْ يَعْتَرِضَ هَذا التَمادِي بَيْنَ أثْناءِ الكَلِمَةِ الواحِدَةِ، جازَ التَمادِي والتَأنِّي بَيْنَ المُضافِ والمُضافِ إلَيْهِ إذْ هُما في الحَقِيقَةِ اثْنانِ.
وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ وحْدَهُ: "مُنَزَّلِينَ" بِفَتْحِ النُونِ والزايِ مُشَدَّدَةً، وقَرَأ الباقُونَ: "مُنْزَلِينَ" بِسُكُونِ النُونِ وفَتْحِ الزايِ مُخَفَّفَةً، وقَرَأ ابْنُ أبِي عَبْلَةَ: "مُنَزِّلِينَ" بِفَتْحِ النُونِ وكَسْرِ الزايِ مُشَدَّدَةً مَعْناها: يُنْزِلُونَ النَصْرَ، وحَكى النَحّاسُ قِراءَةً ولَمْ يَنْسِبْها: "مُنْزِلِينَ" بِسُكُونِ النُونِ وكَسْرِ الزايِ خَفِيفَةً، وفَسَّرَها بِأنَّهم يُنْزِلُونَ النَصْرَ.
و"بَلى" جَوابٌ لِلنَّفْيِ الَّذِي في "ألَنْ" وقَدْ تَقَدَّمَ مَعْناهُ: ثُمَّ ذَكَرَ تَعالى الشَرْطَ الَّذِي مَعَهُ يَقَعُ الإمْدادُ وهو الصَبْرُ، والتُقى. والفَوْرُ: النُهُوضُ المُسْرِعُ إلى الشَيْءِ مَأْخُوذٌ مِن فَوْرِ القِدْرِ والماءِ ونَحْوِهِ، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: "وَفارَ التَنُّورُ" فالمَعْنى: ويَأْتُوكم في نَهْضَتِكم هَذِهِ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: "مِن فَوْرِهِمْ هَذا" مَعْناهُ: مِن سَفَرِهِمْ هَذا، قالَ الحَسَنُ والسُدِّيُّ: مَعْناهُ: مِن وجْهِهِمْ هَذا، وقالَهُ قَتادَةُ. وقالَ مُجاهِدٌ وعِكْرِمَةُ وأبُو صالِحٍ مَوْلى أُمِّ هانِئٍ: مِن غَضَبِهِمْ هَذا.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وهَذا تَفْسِيرٌ لا يَخُصُّ اللَفْظَةَ، قَدْ يَكُونُ "الفَوْرُ" لِغَضَبٍ ولِطَمَعٍ ولِرَغْبَةٍ في أجْرٍ، ومِنهُ الفَوْرُ في الحَجِّ والوُضُوءِ.
وقَرَأ أبُو عَمْرٍو وابْنُ كَثِيرٍ وعاصِمٌ: "مُسَوِّمِينَ"، بِكَسْرِ الواوِ، وقَرَأ الباقُونَ:
(p-٣٤٨)"مُسَوَّمِينَ"، بِفَتْحِ الواوِ، فَأمّا مَن قَرَأ بِفَتْحِ الواوِ فَمَعْناهُ: مُعَلَّمِينَ بِعَلاماتٍ، قالَ أبُو زَيْدٍ الأنْصارِيُّ: السُومَةُ: العَلامَةُ تَكُونُ عَلى الشاةِ وغَيْرِها يُجْعَلُ عَلَيْها لَوْنٌ يُخالِفُ لَوْنَها لِتُعْرَفَ، ورُوِيَ أنَّ المَلائِكَةَ أعْلَمَتْ يَوْمَئِذٍ بِعَمائِمَ بِيضٍ، حَكاهُ المَهْدَوِيُّ عَنِ الزَجّاجِ، إلّا جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَلامُ فَإنَّهُ كانَ بِعِمامَةٍ صَفْراءَ عَلى مِثالِ عِمامَةِ الزُبَيْرِ بْنِ العَوّامِ، وقالَهُ ابْنُ إسْحاقَ. وقالَ مُجاهِدٌ: كانَتْ خَيْلُهم مَجْزُوزَةَ الأذْنابِ والأعْرافِ، مُعَلَّمَةَ النَواصِي والأذْنابِ بِالصُوفِ والعِهْنِ. وقالَ الرَبِيعُ: كانَتْ سِيماهم أنَّهم كانُوا عَلى خَيْلٍ بُلْقٍ، وقالَ عَبّادُ بْنُ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُبَيْرِ: نَزَلَتِ المَلائِكَةُ في سِيما الزُبَيْرِ، عَلَيْهِمْ عَمائِمُ صُفْرٌ، وقالَ ذَلِكَ عُرْوَةُ وعَبْدُ اللهِ ابْنا الزُبَيْرِ. وقالَ عَبْدُ اللهِ: كانَتْ مِلاءَةً صَفْراءَ فاعْتَمَّ الزُبَيْرُ بِها، ومَن قَرَأ: "مُسَوِّمِينَ" بِكَسْرِ الواوِ، فَيُحْتَمَلُ مِنَ المَعْنى مِثْلُ ما تَقَدَّمَ، أيْ: هم قَدْ أعْلَمُوا أنْفُسَهم بِعَلامَةٍ وأعْلَمُوا خَيْلَهُمْ، ورَجَّحَ الطَبَرِيُّ وغَيْرُهُ هَذِهِ القِراءَةَ بِأنَّ النَبِيَّ ﷺ قالَ لِلْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَدْرٍ: « "سَوِّمُوا فَإنَّ المَلائِكَةَ قَدْ سَوَّمَتْ"» فَهم عَلى هَذا مُسَوِّمُونَ، وقالَ كَثِيرٌ مِن أهْلِ التَفْسِيرِ: إنَّ مَعْنى "مُسَوِّمِينَ" بِكَسْرِ الواوِ أيْ هم قَدْ سَوَّمُوا خَيْلَهُمْ: أيْ: أعْطَوْها سَوْمَها مِنَ الجَرْيِ والقِتالِ والإحْضارِ فَهي سائِمَةٌ، ومِنهُ سائِمَةُ الماشِيَةِ، لِأنَّها تُرِكَتْ وسَوْمَها مِنَ الرَعْيِ، وذَكَرَ المَهْدَوِيُّ هَذا المَعْنى في "مُسَوَّمِينَ" بِفَتْحِ الواوِ أيْ أرْسَلُوا وُسُومَهم.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وهُوَ قَلِقٌ، وقَدْ قالَهُ ابْنُ فُورَكٍ أيْضًا.
{"ayahs_start":123,"ayahs":["وَلَقَدۡ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدۡرࣲ وَأَنتُمۡ أَذِلَّةࣱۖ فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ","إِذۡ تَقُولُ لِلۡمُؤۡمِنِینَ أَلَن یَكۡفِیَكُمۡ أَن یُمِدَّكُمۡ رَبُّكُم بِثَلَـٰثَةِ ءَالَـٰفࣲ مِّنَ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ مُنزَلِینَ","بَلَىٰۤۚ إِن تَصۡبِرُوا۟ وَتَتَّقُوا۟ وَیَأۡتُوكُم مِّن فَوۡرِهِمۡ هَـٰذَا یُمۡدِدۡكُمۡ رَبُّكُم بِخَمۡسَةِ ءَالَـٰفࣲ مِّنَ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ مُسَوِّمِینَ"],"ayah":"إِذۡ تَقُولُ لِلۡمُؤۡمِنِینَ أَلَن یَكۡفِیَكُمۡ أَن یُمِدَّكُمۡ رَبُّكُم بِثَلَـٰثَةِ ءَالَـٰفࣲ مِّنَ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ مُنزَلِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق