الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿إنْ تَمْسَسْكم حَسَنَةٌ تَسُؤْهم وإنْ تُصِبْكم سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها وإنْ تَصْبِرُوا وتَتَّقُوا لا يَضُرُّكم كَيْدُهم شَيْئًا إنْ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾
الحَسَنَةُ والسَيِّئَةُ في هَذِهِ الآيَةِ لَفْظٌ عامٌّ في كُلِّ ما يَحْسُنُ ويَسُوءُ، وما ذَكَرَ المُفَسِّرُونَ مِنَ الخِصْبِ والجَدْبِ واجْتِماعِ المُؤْمِنِينَ ودُخُولِ الفُرْقَةِ بَيْنَهم وغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأقْوالِ فَإنَّما هي أمْثِلَةٌ ولَيْسَ ذَلِكَ بِاخْتِلافٍ، وذَكَرَ تَعالى المَسَّ في الحَسَنَةِ لِيُبَيِّنَ أنَّ بِأدْنى طُرُوءِ الحَسَنَةِ تَقَعُ المَساءَةُ بِنُفُوسِ هَؤُلاءِ المُبْغِضِينَ، ثُمَّ عادَلَ ذَلِكَ بِالسَيِّئَةِ بِلَفْظِ (p-٣٣٦)الإصابَةِ وهي عِبارَةٌ عَنِ التَمَكُّنِ، لِأنَّ الشَيْءَ المُصِيبَ لِشَيْءٍ فَهو مُتَمَكِّنٌ مِنهُ أو فِيهِ، فَدَلَّ هَذا المَنزَعُ البَلِيغُ عَلى شِدَّةِ العَداوَةِ، إذْ هو حِقْدٌ لا يَذْهَبُ عِنْدَ الشَدائِدِ، بَلْ يَفْرَحُونَ بِنُزُولِ الشَدائِدِ بِالمُؤْمِنِينَ، وهَكَذا هي عَداوَةُ الحَسَدِ في الأغْلَبِ، ولا سِيَّما في مِثْلِ هَذا الأمْرِ الجَسِيمِ الَّذِي هو مِلاكُ الدُنْيا والآخِرَةِ، وقَدْ قالَ الشاعِرُ:
؎ كُلُّ العَداوَةِ قَدْ تُرْجى إزالَتُها إلّا عَداوَةَ مَن عاداكَ مِن حَسَدِ
ولَمّا قَرَّرَ تَعالى هَذا الحالَ لِهَؤُلاءِ المَذْكُورِينَ، وأوجَبَتِ الآيَةُ أنْ يَعْتَقِدَهُمُ المُؤْمِنُونَ بِهَذِهِ الصِفَةِ، جاءَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإنْ تَصْبِرُوا وتَتَّقُوا لا يَضُرُّكم كَيْدُهم شَيْئًا﴾ تَسْلِيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وتَقْوِيَةً لِنُفُوسِهِمْ، وشَرَطَ ذَلِكَ بِالصَبْرِ والتَقْوى.
وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ وأبُو عَمْرٍو ونافِعٌ: "لا يَضِرْكُمْ" بِكَسْرِ الضادِ وجَزْمِ الراءِ، وهو مِن ضارَ يَضِيرُ بِمَعْنى: ضَرَّ يَضُرُّ وهي لُغَةٌ فَصِيحَةٌ، وحَكى الكِسائِيُّ: ضارَ يَضُورُ، ولَمْ يَقْرَأْ عَلى هَذِهِ اللُغَةِ. ومِن ضارَ يَضِيرُ في كِتابِ اللهِ "لا ضَيْرَ"، ومِنهُ قَوْلُ أبِي ذُؤَيْبٍ الهُذَلِيِّ:
فَقِيلَ:
؎ تَحَمَّلْ فَوْقَ طَوْقِكَ إنَّها ∗∗∗ ∗∗∗ مُطَبَّعَةٌ مَن يَأْتِها لا يَضِيرُها
يَصِفُ مَدِينَةً، والمَعْنى: فَلَيْسَ يَضِيرُها، وفي هَذا النَفْيِ المُقَدَّرِ بِالفاءِ هو جَوابُ الشَرْطِ. ومِنَ اللَفْظِ قَوْلُ تَوْبَةَ بْنِ الحُمَيِّرِ:
؎ وقالَ أُناسٌ لا يَضِيرُكَ نَأْيُها ∗∗∗ بَلى كُلُّ ما شَفَّ النُفُوسَ يَضِيرُها
(p-٣٣٧)وَقَرَأ عاصِمٌ وابْنُ عامِرٍ وحَمْزَةُ والكِسائِيُّ: "لا يَضُرُّكُمْ" بِضَمِّ الضادِ والراءِ والتَشْدِيدِ في الراءِ، وهَذا مِن ضَرَّ يَضُرُّ، ورُوِيَ عن حَمْزَةَ مِثْلُ قِراءَةِ أبِي عَمْرٍو. وأمّا إعْرابُ هَذِهِ القِراءَةِ فَجَزْمٌ، وضُمَّتِ الراءُ لِلِالتِقاءِ، وهو اخْتِيارُ سِيبَوَيْهِ في مِثْلِ هَذا إتْباعًا لِضَمَّةِ الضادِ، ويَجُوزُ فَتْحُ الراءِ وكَسْرُها مَعَ إرادَةِ الجَزْمِ، فَأمّا الكَسْرُ فَلا أعْرِفُها قِراءَةً، وعِبارَةُ الزَجّاجِ في هَذا مُتَجَوِّزٌ فِيها، إذْ يَظْهَرُ مِن دَرْجِ كَلامِهِ أنَّها قِراءَةٌ، وأمّا فَتْحُ الراءِ مِن قَوْلِهِ "لا يَضُرَّكُمْ" فَقَرَأ بِهِ عاصِمٌ فِيما رَواهُ أبُو زَيْدٍ عَنِ المُفَضَّلِ عنهُ، ويَجُوزُ أيْضًا أنْ يَكُونَ إعْرابُ قَوْلِهِ، "لا يَضُرُّكُمْ"، رَفْعًا إمّا عَلى تَقْدِيرِ: فَلَيْسَ يَضُرُّكُمْ، عَلى نَحْوٍ تَقَدَّمَ في بَيْتِ أبِي ذُؤَيْبٍ، وإمّا عَلى نِيَّةِ التَقَدُّمِ عَلى: "وَإنْ تَصْبِرُوا" كَما قالَ:
؎ يا أقْرَعُ بْنُ حابِسٍ يا أقْرَعُ ∗∗∗ إنَّكَ إنْ يُصْرَعْ أخُوكَ تُصْرَعُ
المُرادُ أنَّكَ تُصْرَعُ. وقَرَأ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: "لا يَضْرُرْكُمْ" بِراءَيْنِ، وذَلِكَ عَلى فَكِّ الإدْغامِ، وهي لُغَةُ أهْلِ الحِجازِ، وعَلَيْها قَوْلُهُ تَعالى في الآيَةِ: "إنْ تَمْسَسْكُمْ" ولُغَةُ سائِرِ العَرَبِ الإدْغامُ في مِثْلِ هَذا كُلِّهِ. والكَيْدُ: الِاحْتِيالُ بِالأباطِيلِ، وقَوْلُهُ تَعالى: "وَأكِيدُ كَيْدًا" إنَّما هي تَسْمِيَةُ العُقُوبَةِ بِاسْمِ الذَنْبِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾ وعِيدٌ، والمَعْنى: مُحِيطٌ جَزاؤُهُ وعِقابُهُ وبِالقُدْرَةِ والسُلْطانِ. وقَرَأ الحَسَنُ: "بِما تَعْمَلُونَ" بِالتاءِ، وهَذا إمّا عَلى تَوَعُّدِ المُؤْمِنِينَ في اتِّخاذِ هَؤُلاءِ بِطانَةً، وإمّا عَلى تَوَعُّدِ هَؤُلاءِ المُنافِقِينَ بِتَقْدِيرِ: قُلْ لَهم يا مُحَمَّدُ.
{"ayah":"إِن تَمۡسَسۡكُمۡ حَسَنَةࣱ تَسُؤۡهُمۡ وَإِن تُصِبۡكُمۡ سَیِّئَةࣱ یَفۡرَحُوا۟ بِهَاۖ وَإِن تَصۡبِرُوا۟ وَتَتَّقُوا۟ لَا یَضُرُّكُمۡ كَیۡدُهُمۡ شَیۡـًٔاۗ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا یَعۡمَلُونَ مُحِیطࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق