الباحث القرآني
(p-٣٣٣)قوله عزّ وجلّ:
﴿ها أنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهم ولا يُحِبُّونَكم وتُؤْمِنُونَ بِالكِتابِ كُلِّهِ وإذا لَقُوكم قالُوا آمَنّا وإذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأنامِلَ مِنَ الغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكم إنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُدُورِ﴾
تَقَدَّمَ إعْرابُ نَظِيرِ هَذِهِ الآيَةِ وقِراءَتُها في قَوْلِهِ تَعالى آنِفًا: ﴿ها أنْتُمْ هَؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكم بِهِ عِلْمٌ﴾ [آل عمران: ٦٦] والضَمِيرُ فِي: "تُحِبُّونَهُمْ" لِمُنافِقِي اليَهُودِ الَّذِينَ تَقَدَّمَ ذِكْرُهم في قَوْلِهِ: ﴿بِطانَةً مِن دُونِكُمْ﴾ [آل عمران: ١١٨]، والضَمِيرُ في هَذِهِ الآيَةِ اسْمٌ لِلْجِنْسِ، أيْ: تُؤْمِنُونَ بِجَمِيعِ الكُتُبِ وهم لا يُؤْمِنُونَ بِقِراءَتِكم. وإنَّما وقَفَ اللهُ تَعالى المُؤْمِنِينَ بِهَذِهِ الآيَةِ عَلى هَذِهِ الأحْوالِ المُوجِبَةِ لِبُغْضِ المُؤْمِنِينَ لِمُنافِقِي اليَهُودِ واطِّراحِهِمْ إيّاهُمْ، فَمِن تِلْكَ الأحْوالِ أنَّهم لا يُحِبُّونَ المُؤْمِنِينَ، وأنَّهم يَكْفُرُونَ بِكِتابِهِمْ، وأنَّهم يُنافِقُونَ عَلَيْهِمْ ويَسْتَخِفُّونَ بِهِمْ ويَغْتاظُونَ ويَتَرَبَّصُونَ الدَوائِرَ عَلَيْهِمْ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأنامِلَ﴾ عِبارَةٌ عن شِدَّةِ الغَيْظِ مَعَ عَدَمِ القُدْرَةِ عَلى إنْفاذِهِ ومِنهُ قَوْلُ أبِي طالِبٍ:
؎ ...................... ∗∗∗..... يَعَضُّونَ غَيْظًا خَلْفَنا بِالأنامِلِ
ومِنهُ قَوْلُ الآخَرِ:
؎ وقَدْ شَهِدَتْ قَيْسٌ فَما كانَ نَصْرُها ∗∗∗ قُتَيْبَةَ إلّا عَضُّها بِالأباهِمِ
وهَذا العَضُّ هو بِالأسْنانِ، وهي هَيْئَةٌ في بَدَنِ الإنْسانِ تَتْبَعُ هَيْئَةَ النَفْسِ الغائِظَةِ، كَما أنَّ عَضَّ اليَدِ عَلى اليَدِ يَتْبَعُ هَيْئَةَ النَفْسِ النادِمَةِ المُتَلَهِّفَةِ عَلى فائِتٍ قَرِيبِ الفَوْتِ، وكَما أنَّ قَرْعَ السِنِّ هَيْئَةُ النَفْسِ النادِمَةِ فَقَطْ، إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِن عَدِّ الحَصى والخَطِّ في (p-٣٣٤)الأرْضِ لِلْمَهْمُومِ ونَحْوِهِ، ويُكْتَبُ هَذا العَضُّ بِالضادِ، ويُكْتَبُ عَظُّ الزَمانِ بِالظاءِ المُشالَةِ، وواحِدُ الأنامِلِ أُنْمُلَةٌ بِضَمِّ المِيمِ، ويُقالُ بِفَتْحِها، والضَمُّ أشْهَرُ، ولا نَظِيرَ لِهَذا الِاسْمِ في بِنائِهِ إلّا أشُدَّ، ولَهُ نَظائِرُ في الجُمُوعِ.
وقَوْلُهُ: ﴿وَتُؤْمِنُونَ بِالكِتابِ كُلِّهِ﴾ يَقْتَضِي أنَّ الآيَةَ في مُنافِقِي اليَهُودِ لا في مُنافِقِي العَرَبِ، ويَعْتَرِضُها أنَّ مُنافِقِي اليَهُودِ لَمْ يُحْفَظْ عنهم أنَّهم كانُوا يُؤْمِنُونَ في الظاهِرِ إيمانًا مُطْلَقًا ويَكْفُرُونَ في الباطِنِ كَما كانَ المُنافِقُونَ مِنَ العَرَبِ يَفْعَلُونَ، إلّا ما رُوِيَ مِن أمْرِ زَيْدِ بْنِ الصِيتِ القَيْنُقاعِيِّ، فَلَمْ يَبْقَ إلّا أنَّ قَوْلَهُمْ: "آمَنّا" مَعْناهُ: صَدَّقْنا أنَّهُ نَبِيٌّ مَبْعُوثٌ إلَيْكُمْ، أيْ: فَكُونُوا عَلى دِينِكم ونَحْنُ أولِياؤُكم وإخْوانُكم ولا نُضْمِرُ لَكم إلّا المَوَدَّةَ، ولِهَذا كانَ بَعْضُ المُؤْمِنِينَ يَتَّخِذُهم بِطانَةً، وهَذا مَنزَعٌ قَدْ حُفِظَ أنَّ كَثِيرًا مِنَ اليَهُودِ كانَ يُذْهَبُ إلَيْهِ، ويَدُلُّ عَلى هَذا التَأْوِيلِ أنَّ المُعادِلَ لِقَوْلِهِمْ: "آمَنّا" عَضُّ الأنامِلِ مِنَ الغَيْظِ، ولَيْسَ هو ما يَقْتَضِي الِارْتِدادَ كَما هو في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَإذا خَلَوْا إلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إنّا مَعَكُمْ﴾ [البقرة: ١٤]، بَلْ هو ما يَقْتَضِي البُغْضَ وعَدَمَ المَوَدَّةِ. وكانَ أبُو الجَوْزاءِ إذا تَلا هَذِهِ الآيَةَ قالَ: هُمُ الإباضِيَّةُ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وهَذِهِ الصِفَةُ قَدْ تَتَرَتَّبُ في أهْلِ البِدَعِ مِنَ الناسِ إلى يَوْمِ القِيامَةِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ﴾، قالَ فِيهِ الطَبَرِيُّ وكَثِيرٌ مِنَ المُفَسِّرِينَ: هو دُعاءٌ عَلَيْهِمْ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
فَعَلى هَذا يَتَّجِهُ أنْ يُدْعى عَلَيْهِمْ بِهَذا مُواجَهَةً وغَيْرَ مُواجَهَةٍ وقالَ قَوْمٌ: بَلْ أُمِرَ النَبِيُّ ﷺ وأُمَّتُهُ أنْ يُواجِهُوهم بِهَذا. فَعَلى هَذا زالَ مَعْنى الدُعاءِ وبَقِيَ مَعْنى التَقْرِيعِ والإغاظَةِ، ويَجْرِي المَعْنى مَعَ قَوْلِ مُسافِرِ بْنِ أبِي عَمْرٍو:(p-٣٣٥)
؎ ونُنْمِي في أرُومَتِنا ∗∗∗ ونَفْقَأُ عَيْنَ مَن حَسَدا
ويَنْظُرُ إلى هَذا المَعْنى في قَوْلِهِ: "مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ" قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إلى السَماءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ﴾ [الحج: ١٥].
وقَوْلُهُ: ﴿إنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُدُورِ﴾ وعِيدٌ يُواجَهُونَ بِهِ عَلى هَذا التَأْوِيلِ الأخِيرِ فِي: "مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ"، وهو إخْبارٌ مُجَرَّدٌ لِمُحَمَّدٍ ﷺ في تَأْوِيلِ الدُعاءِ فِي: ﴿مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ﴾ و"ذاتِ الصُدُورِ": ما تَنْطَوِي عَلَيْهِ، والإشارَةُ هُنا إلى المُعْتَقَداتِ، ومِن هَذا قَوْلُ أبِي بَكْرٍ الصِدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عنهُ: "إنَّما هو ذُو بَطْنِ بِنْتِ خارِجَةَ"، ومِنهُ قَوْلُهُمُ: "الذِيبُ مَغْبُوطٌ بِذِي بَطْنِهِ"، والذاتُ لَفْظٌ مُشْتَرِكٌ في مَعانٍ لا يَدْخُلُ مِنها في هَذِهِ الآيَةِ إلّا ما ذَكَرْناهُ.
{"ayah":"هَـٰۤأَنتُمۡ أُو۟لَاۤءِ تُحِبُّونَهُمۡ وَلَا یُحِبُّونَكُمۡ وَتُؤۡمِنُونَ بِٱلۡكِتَـٰبِ كُلِّهِۦ وَإِذَا لَقُوكُمۡ قَالُوۤا۟ ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَوۡا۟ عَضُّوا۟ عَلَیۡكُمُ ٱلۡأَنَامِلَ مِنَ ٱلۡغَیۡظِۚ قُلۡ مُوتُوا۟ بِغَیۡظِكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِیمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق