الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِن دُونِكم لا يَأْلُونَكم خَبالا ودُّوا ما عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ البَغْضاءُ مِن أفْواهِهِمْ وما تُخْفِي صُدُورُهم أكْبَرُ قَدْ بَيَّنّا لَكُمُ الآياتِ إنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ﴾
(p-٣٣١)نَهى اللهُ تَعالى المُؤْمِنِينَ بِهَذِهِ الآيَةِ عن أنْ يَتَّخِذُوا مِنَ الكُفّارِ واليَهُودِ أخِلّاءً يَأْنَسُونَ بِهِمْ في الباطِنِ مِن أُمُورِهِمْ، ويُفاوِضُونَهم في الآراءِ، ويَسْتَنِيمُونَ إلَيْهِمْ.
وقَوْلُهُ: "مِن دُونِكُمْ" يَعْنِي: مِن دُونِ المُؤْمِنِينَ، ولَفْظَةُ "دُونَ" تَقْتَضِي فِيما أُضِيفُ إلَيْهِ أنَّهُ مَعْدُومٌ مِنَ القِصَّةِ الَّتِي فِيها الكَلامُ، فَشَبَّهَ الأخِلّاءَ بِما يَلِي بَطْنَ الإنْسانِ مِن ثَوْبِهِ، ومِن هَذا المَعْنى قَوْلُ النَبِيِّ ﷺ: « "ما مِن خَلِيفَةٍ ولا ذِي إمْرَةٍ إلّا ولَهُ بِطانَتانِ، بِطانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالخَيْرِ وتَحُضُّهُ عَلَيْهِ، وبِطانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالشَرِّ وتَحُضُّهُ عَلَيْهِ، والمَعْصُومُ مَن عَصَمَ اللهُ".»
وقَوْلُهُ: ﴿لا يَأْلُونَكم خَبالا﴾ مَعْناهُ: لا يُقَصِّرُونَ لَكم فِيما فِيهِ الفَسادُ عَلَيْكُمْ، تَقُولُ: ما ألَوْتُ في كَذا، أيْ: ما قَصَّرْتُ، بَلِ اجْتَهَدْتُ، ومِنهُ قَوْلُ زُهَيْرٍ:
؎ جَرى بَعْدَهم قَوْمٌ لِكَيْ يَلْحَقُوهُمُ فَلَمْ يَلْحَقُوا ولَمْ يُلِيمُوا ولَمْ يَأْلُوا
أيْ لَمْ يُقَصِّرُوا. والخَبَلُ والخَبالُ: الفَسادُ.
وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: كانَ رِجالٌ مِنَ المُؤْمِنِينَ يُواصِلُونَ رِجالًا مِنَ اليَهُودِ، لِلْجِوارِ والحِلْفِ الَّذِي كانَ بَيْنَهم في الجاهِلِيَّةِ، فَنَزَلَتِ الآيَةُ في ذَلِكَ. وقالَ أيْضًا ابْنُ عَبّاسٍ وقَتادَةُ والرَبِيعُ والسُدِّيُّ: نَزَلَتْ في المُنافِقِينَ، نَهى اللهُ المُؤْمِنِينَ عنهم. ورَوى أنَسُ بْنُ مالِكٍ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: « "لا تَسْتَضِيئُوا بِنارِ المُشْرِكِينَ، ولا تَنْقُشُوا في خَواتِيمِكم عَرَبِيًّا"» فَسَّرَهُ الحَسَنُ بْنُ أبِي الحَسَنِ فَقالَ: أرادَ عَلَيْهِ السَلامُ: لا تَسْتَشِيرُوا المُشْرِكِينَ في شَيْءٍ مِن أُمُورِكُمْ، ولا تَنْقُشُوا في خَواتِيمِكم "مُحَمَّدًا".
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
ويَدْخُلُ في هَذِهِ الآيَةِ اسْتِكْتابُ أهْلِ الذِمَّةِ وتَصْرِيفُهم في البَيْعِ والشِراءِ والِاسْتِنامَةُ (p-٣٣٢)إلَيْهِمْ. ورُوِيَ أنَّ أبا مُوسى الأشْعَرِيَّ اسْتَكْتَبَ ذِمِّيًّا فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ يُعَنِّفُهُ، وتَلا عَلَيْهِ هَذِهِ الآيَةَ. وقِيلَ لِعُمَرَ: إنَّ هاهُنا رَجُلًا مِن نَصارى الحِيرَةِ لا أحَدَ أكْتَبُ مِنهُ ولا أخَطُّ بِقَلَمٍ، أفَلا يَكْتُبُ عنكَ؟ فَقالَ: إذًا أتَّخِذُ بِطانَةً مِن دُونِ المُؤْمِنِينَ.
و"ما" في قَوْلِهِ: "ما عَنِتُّمْ" مَصْدَرِيَّةٌ. فالمَعْنى: ودُّوا عَنَتَكُمْ، والعَنَتُ: المَشَقَّةُ والمَكْرُوهُ يَلْقاهُ المَرْءُ، وعَقَبَةٌ عَنُوتٌ: أيْ شاقَّةٌ؛ وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ذَلِكَ لِمَن خَشِيَ العَنَتَ﴾ [النساء: ٢٥] مَعْناهُ: المَشَقَّةُ إمّا في الزِنى، وإمّا في مِلْكِ الإرْبِ. قالَ السُدِّيُّ: مَعْناهُ: ودُّوا ما ضَلَلْتُمْ، وقالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: المَعْنى: ودُّوا أنْ تَعْنَتُوا في دِينِكُمْ، ويُقالُ: عَنِتَ الرَجُلُ يَعْنَتُ بِكَسْرِ النُونِ في الماضِي.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿قَدْ بَدَتِ البَغْضاءُ مِن أفْواهِهِمْ﴾ يَعْنِي بِالأقْوالِ، فَهم فَوْقَ المُتَسَتِّرِ الَّذِي تَبْدُو البَغْضاءُ في عَيْنَيْهِ. وخَصَّ تَعالى الأفْواهَ بِالذِكْرِ دُونَ الألْسِنَةِ إشارَةً إلى تَشَدُّقِهِمْ وثَرْثَرَتِهِمْ في أقْوالِهِمْ هَذِهِ، ويُشْبِهُ هَذا الَّذِي قُلْناهُ ما في الحَدِيثِ: «أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ نَهى أنْ يَتَشَحّى الرَجُلُ في عِرْضِ أخِيهِ،» مَعْناهُ: أنْ يَفْتَحَ فاهُ بِهِ، يُقالُ: شَحا الحِمارُ فاهُ بِالنَهِيقِ، وشَحا اللِجامُ في الفَرَسِ، والنَهْيُ في أنْ يَأْخُذَ أحَدٌ عِرْضَ أخِيهِ هَمْسًا راتِبٌ، فَذِكْرُ التَشَحِّي إنَّما هو إشارَةٌ إلى التَشَدُّقِ والِانْبِساطِ.
وقَوْلُهُ: ﴿وَما تُخْفِي صُدُورُهم أكْبَرُ﴾ إعْلامٌ بِأنَّهم يُبْطِنُونَ مِنَ البَغْضاءِ أكْثَرَ مِمّا يُظْهِرُونَ بِأفْواهِهِمْ، وفي قِراءَةِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ: "قَدْ بَدا البَغْضاءُ" بِتَذْكِيرِ الفِعْلِ، لِما كانَتِ البَغْضاءُ بِمَعْنى البُغْضِ.
ثُمَّ قالَ تَعالى لِلْمُؤْمِنِينَ ﴿قَدْ بَيَّنّا لَكُمُ الآياتِ إنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ﴾ تَحْذِيرًا وتَنْبِيهًا، وقَدْ عَلِمَ تَعالى أنَّهم عُقَلاءُ ولَكِنَّ هَذا هَزٌّ لِلنُّفُوسِ كَما تَقُولُ: إنْ كُنْتَ رَجُلًا فافْعَلْ كَذا وكَذا.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ بِطَانَةࣰ مِّن دُونِكُمۡ لَا یَأۡلُونَكُمۡ خَبَالࣰا وَدُّوا۟ مَا عَنِتُّمۡ قَدۡ بَدَتِ ٱلۡبَغۡضَاۤءُ مِنۡ أَفۡوَ ٰهِهِمۡ وَمَا تُخۡفِی صُدُورُهُمۡ أَكۡبَرُۚ قَدۡ بَیَّنَّا لَكُمُ ٱلۡـَٔایَـٰتِۖ إِن كُنتُمۡ تَعۡقِلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق