الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ يَرُدُّوكم بَعْدَ إيمانِكم كافِرِينَ﴾ ﴿وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وأنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكم آياتُ اللهِ وفِيكم رَسُولُهُ ومَن يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ الخِطابُ في قَوْلِهِ: "يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا" عامٌّ في المُؤْمِنِينَ، والإشارَةُ في ذَلِكَ وقْتَ نُزُولِهِ (p-٣٠٣)إلى الأوسِ والخَزْرَجِ بِسَبَبِ نائِرَةِ شاسِ بْنِ قَيْسٍ. والفَرِيقُ: الجَماعَةُ مِنَ الناسِ، والمُرادُ بِها هُنا الأحْبارُ والرُؤُوسُ، و"يَرُدُّوكُمْ" مَعْناهُ: بِالإضْلالِ والتَشْكِيكِ والمُخادَعَةِ وإظْهارِ الغِشِّ في مَعْرِضِ النُصْحِ. ثُمَّ وقَفَ المُؤْمِنِينَ عَلى هَذا الأمْرِ المُسْتَبْعَدِ المُسْتَشْنَعِ الَّذِي يُرِيدُهُ بِهِمُ اليَهُودُ، فَقالَ: ﴿وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وأنْتُمْ﴾ بِهَذِهِ الأحْوالِ المَوْصُوفَةِ؟ و"كَيْفَ" في مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلى الحالِ، كَما هي في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وكُنْتُمْ أمْواتًا فَأحْياكُمْ﴾ [البقرة: ٢٨] والمَعْنى أجاحِدِينَ تَكْفُرُونَ؟ أجاهِلِينَ أمُسْتَخِفِّينَ أمُرْتَدِّينَ؟ ونَحْوُ هَذا مِنَ التَقْدِيرِ. والواوُ في قَوْلِهِ: "وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ" عاطِفَةُ جُمْلَةِ كَلامٍ عَلى جُمْلَةِ كَلامٍ، ولا يَجُوزُ أنْ تَكُونَ "كَيْفَ" في هَذِهِ الآيَةِ كَما هي في قَوْلِكَ: "كَيْفَ تَفْعَلُ كَذا"؟ وأنْتَ تَسْألُ عن شَيْءٍ ثابِتِ الوُقُوعِ مُتَحَصِّلِهِ، لِأنَّهُ كانَ يَلْزَمُ أنْ يَكُونَ كُفْرُ المُؤْمِنِينَ مُقَرَّرًا مُثْبَتَ الوُقُوعِ. وتَأمَّلْ مَعْنى "كَيْفَ" إذا ولِيَها فِعْلٌ، ومَعْناها إذا ولِيَها اسْمٌ. وقَرَأ جُمْهُورُ الناسِ: "تُتْلى" بِالتاءِ مِن فَوْقٍ، وقَرَأ الحَسَنُ: "يُتْلى" بِالياءِ إذِ الآياتُ هي القُرْآنُ. وقَوْلُهُ تَعالى: "وَفِيكُمْ" هي ظَرْفِيَّةُ الحُضُورِ والمُشاهَدَةِ لِشَخْصِهِ عَلَيْهِ السَلامُ، وهو في أُمَّتِهِ إلى يَوْمِ القِيامَةِ بِأقْوالِهِ وآثارِهِ، و"يَعْتَصِمْ" مَعْناهُ: يَتَمَسَّكُ ويَسْتَذْرِي، وعُصِمَ الشَيْءُ إذا مُنِعَ وحُمِيَ، ومِنهُ قَوْلُهُ: ﴿يَعْصِمُنِي مِنَ الماءِ﴾ [هود: ٤٣] والعُصُمُ: الأسْبابُ الَّتِي يُمَتُّ بِها، ويُعْتَصَمُ مِنَ الخَيْبَةِ في الغَرَضِ المَطْلُوبِ، وقالَ الأعْشى: ؎ إلى المَرْءِ قَيْسٍ أُطِيلُ السُرى وآخُذُ مِن كُلِّ حَيٍّ عُصُمْ (p-٣٠٤)وَتَصَرُّفُ اللَفْظَةِ كَثِيرٌ جِدًّا، وباقِي الآيَةِ بَيِّنٌ، واللهُ المُسْتَعانُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب