الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿وَمَن أظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلى اللهِ كَذِبًا أو كَذَّبَ بِالحَقِّ لَمّا جاءَهُ ألَيْسَ في جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكافِرِينَ﴾ ﴿والَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهم سُبُلَنا وإنَّ اللهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ﴾
قَرَّرَهم عَزَّ وجَلَّ عَلى حالِ مَنِ افْتَرى عَلى اللهِ كَذِبًا أو كَذَّبَ بِآياتِهِ، وهَذِهِ كانَتْ حالُهُمْ، وأعْلَمَهم أنَّهُ لا أحَدَ أظْلَمُ مِنهُ، وهَذا في ضِمْنِهِ وعِيدٌ شَدِيدٌ، ثُمْ بَيَّنَ الوَعِيدَ أيْضًا بِالتَقْرِيرِ عَلى أمْرِ جَهَنَّمَ، والمَثْوى: مَوْضِعُ الإقامَةِ. وألْفاظُ هَذِهِ الآياتِ في غايَةِ الِاقْتِضابِ والإيجازِ وجَمْعِ المَعانِي.
ثُمْ ذَكَرَ تَعالى حالَ أولِيائِهِ والمُجاهِدِينَ فِيهِ، وقَرَّرَ ذَلِكَ بِذِكْرِ الكَفَرَةِ الظَلَمَةِ لِيُبَيِّنَ تَبايُنَ الحالَيْنِ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فِينا﴾ مَعْناهُ: في مَرْضاتِنا وبُغْيَةِ ثَوابِنا. قالَ السَدِّيُّ وغَيْرُهُ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ قَبْلَ فَرْضِ القِتالِ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
فَهِيَ قَبْلَ الجِهادِ العُرْفِيِّ، وإنَّما هو جِهادٌ عامٌّ في دِينِ اللهِ تَعالى وطَلَبِ رِضائِهِ. وقالَ الحَسَنُ: الآيَةُ في العِبادِ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ والحَسَنُ وإبْراهِيمُ بْنُ أدْهَمَ: هي في الَّذِينَ بِما يَعْلَمُونَ، وقَدْ قالَ النَبِيُّ ﷺ: «مَن عَمِلَ بِما عَلِمْ عَلَّمَهُ اللهُ ما لَمْ يَعْلَمْ»، ونَزَعَ بَعْضُ العُلَماءِ إلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿واتَّقُوا اللهَ ويُعَلِّمُكُمُ اللهَ﴾ [البقرة: ٢٨٢]، وقالَ بَعْضُ العُلَماءِ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ رَضِيَ اللهُ عنهُ: إنَّما قَصَّرَ بِنا عن عِلْمِ ما جَهِلْنا تَقْصِيرَنا في العَمَلِ بِما عَلِمْنا، وقالَ أبُو سُلَيْمانَ الدارانِيُّ: "لَيْسَ الجِهادُ في هَذِهِ الآيَةِ قِتالُ العَدُوِّ فَقَطْ، بَلْ هو نَصْرُ الدِينِ، والرَدُّ عَلى المُبْطِلِينَ، وقَمْعُ الظالِمِينَ، وعُظْمُهُ الأمْرَ بِالمَعْرُوفِ والنَهْيِ عَنِ المُنْكَرِ"، ومِنهُ مُجاهَدَةُ النُفُوسِ في طاعَةِ اللهِ تَعالى، وهو (p-٦٦١)الجِهادُ الأكْبَرُ، قالَهُ الحَسَنُ وغَيْرُهُ، وفِيهِ حَدِيثٌ عَنِ النَبِيِّ ﷺ: «رَجَعْتُمْ مِنَ الجِهادِ الأصْغَرِ إلى الجِهادِ الأكْبَرِ»، وقالَ سُفْيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ لِابْنِ المُبارَكِ: إذا رَأيْتُ الناسَ قَدِ اخْتَلَفُوا فَعَلَيْكَ بِالمُجاهِدِينَ وأهْلِ الثُغُورِ، فَإنَّ اللهَ تَعالى يَقُولُ: ﴿والَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهم سُبُلَنا وإنَّ اللهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ﴾. وقالَ الضِحاكُ: مَعْنى الآيَةِ: والَّذِينَ جاهَدُوا في الهِجْرَةِ لَنَهْدِيَنَّهم سَبِيلَ الثُبُوتِ عَلى الإيمانِ" و"السَبِيلُ" هُنا يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ طُرُقَ الجَنَّةِ ومَسالِكَها، ويُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ سَبِيلَ الأعْمالِ المُؤَدِّيَةِ إلى الجَنَّةِ والعَقائِدِ النَيِّرَةِ. قالَ يُوسُفُ بْنُ أسْباطِ: "هِيَ إصْلاحُ النِيَّةِ في الأعْمالِ، وحُبُّ التَزَيُّدِ والتَفَهُّمْ، وهَذا هو أنْ يُجازى العَبْدُ عَلى حُسْنِهِ بِازْدِيادِ حُسْنِهِ، ويَعْلَمُ بِجَدِيدِ مَن عَلِمْ مُقَدَّمٌ، وهي حالُ مَن رَضِيَ اللهُ عنهُ". وباقِي الآيَةِ وعْدٌ.
و"مَعَ" يُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ هُنا اسْمًا؛ ولِذَلِكَ دَخَلَتْ عَلَيْها لامٌ لِلتَّأْكِيدِ، ويُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ حَرْفًا، ودَخَلَتِ اللامُ لِما فِيها مِن مَعْنى الِاسْتِقْرارِ، كَما دَخَلَتْ فِي: إنَّ زَيْدًا لَفي الدارِ.
كَمُلَ تَفْسِيرُ سُورَةِ العنكَبُوتِ والحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ
والصَلاةُ والسَلامُ عَلى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وآلِهِ وصَحْبِهِ أجْمَعِينَ
{"ayahs_start":68,"ayahs":["وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا أَوۡ كَذَّبَ بِٱلۡحَقِّ لَمَّا جَاۤءَهُۥۤۚ أَلَیۡسَ فِی جَهَنَّمَ مَثۡوࣰى لِّلۡكَـٰفِرِینَ","وَٱلَّذِینَ جَـٰهَدُوا۟ فِینَا لَنَهۡدِیَنَّهُمۡ سُبُلَنَاۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلۡمُحۡسِنِینَ"],"ayah":"وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا أَوۡ كَذَّبَ بِٱلۡحَقِّ لَمَّا جَاۤءَهُۥۤۚ أَلَیۡسَ فِی جَهَنَّمَ مَثۡوࣰى لِّلۡكَـٰفِرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق