الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِن رَبِّهِ قُلْ إنَّما الآياتُ عِنْدَ اللهِ وإنَّما أنا نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ ﴿أوَلَمْ يَكْفِهِمْ أنّا أنْزَلْنا عَلَيْكَ الكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إنَّ في ذَلِكَ لَرَحْمَةً وذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ ﴿قُلْ كَفى بِاللهِ بَيْنِي وبَيْنَكم شَهِيدًا يَعْلَمُ ما في السَماواتِ والأرْضِ والَّذِينَ آمَنُوا بِالباطِلِ وكَفَرُوا بِاللهِ أُولَئِكَ هُمُ الخاسِرُونَ﴾ الضَمِيرُ في "قالُوا" لِقُرَيْشٍ ولِبَعْضِ اليَهُودِ ؛ لِأنَّهم كانُوا يُعَلِّمُونَ قُرَيْشًا مِثْلَ هَذِهِ الحُجَّةِ: لَمْ يَأْتِكم بِمِثْلِ ما جاءَ بِهِ مُوسى مِنَ العَصا وغَيْرِها. وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وأبُو بَكْرٍ عن عاصِمْ، وعَلِيُّ بْنُ نَصْرٍ عن أبِي عَمْرٍو: "آيَةٌ مِن رَبِّهِ"، وقَرَأ نافِعٌ، وابْنُ عامِرٍ، وأبُو عَمْرٍو، وحَفَصٌ عن عاصِمْ: "آياتٌ"، فَأمَرَ اللهُ تَعالى نَبِيَّهُ عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ أنْ يُعَلِّمَهم أنَّ هَذا الأمْرَ بِيَدِ اللهِ تَبارَكَ وتَعالى ولا يَسْتَنْزِلُهُ الِاقْتِراحُ والتَمَنِّي، وأنَّهُ بَعَثَ نَذِيرًا، ولَمْ يُؤْمَرْ بِغَيْرِ ذَلِكَ. وفي مُصْحَفٍ أُبَيٍّ: "لَوْ ما يَأْتِينا بِآياتٍ مِن رَبِّهِ قُلْ إنَّما الآياتُ". ثُمُ احْتَجَّ عَلَيْهِمْ في طَلَبِهِمْ آيَةً بِأمْرِ القُرْآنِ الَّذِي هو أعْظَمُ الآياتِ، ومُعْجِزٌ لِلْجِنِّ والإنْسِ، فَقالَ: ﴿أوَلَمْ يَكْفِهِمْ أنّا أنْزَلْنا عَلَيْكَ الكِتابَ﴾، ثُمْ قَرَّرَ ما فِيهِ مِنَ الرَحْمَةِ والذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ، فَقَوْلُهُ: ﴿أوَلَمْ يَكْفِهِمْ﴾ جَوابٌ لِمَن قالَ: ﴿لَوْلا أُنْزِلَ﴾. وحَكى الطَبَرِيُّ أنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ بِسَبَبِ «قَوْمٍ مِنَ المُؤْمِنِينَ أتَوُا النَبِيَّ ﷺ بِكُتُبٍ قَدْ كَتَبُوا فِيها بَعْضَ ما يَقُولُ اليَهُودُ الَّذِينَ أخْبَرُوهم بِشَيْءٍ مِنَ التَوْراةِ، فَأنْكَرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ ذَلِكَ، قالَ: كَفى بِهَذا ضَلالَةُ، قَوْمٍ رَغِبُوا عَمّا آتاهم بِهِ نَبِيُّهم إلى ما أتى بِهِ غَيْرُهُ»، ونَزَلَتِ الآيَةُ بِسَبَبِهِ. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: والتَأْوِيلُ الأوَّلُ أجْرى مَعَ نَسَقِ الآياتِ. (p-٦٥٥)ثُمْ أمَرَ اللهُ تَعالى نَبِيَّهُ ﷺ بِالِاسْتِنادِ إلى أمْرِ اللهِ تَبارَكَ وتَعالى، وأنْ يَجْعَلَهُ حَسَبَهُ شَهِيدًا وحاكِمًا بَيْنَهُ وبَيْنَهم بِعِلْمِهِ وتَحْصِيلِهِ جَمِيعَ أُمُورِهِمْ، وقَوْلُهُ: "بِالباطِلِ" يُرِيدُ: بِالأصْنامِ والأوثانِ وما يَتْبَعُ أمْرَها مِنَ المُعْتَقَداتِ، والباطِلُ هو أنْ يُفْعَلَ فِعْلٌ يُرادُ بِهِ أمْرٌ ما، وذَلِكَ الأمْرُ لا يَكُونُ عن ذَلِكَ الفِعْلِ، والأصْنامُ أُرِيدَ بِأمْرِها الأكْمَلُ والأنْجَحُ في زَعْمِ عِبادِها، ولَيْسَ الأكْمَلُ والأرْجَحُ إلّا رَفَضَها، فَهي إذا باطِلٌ، وباقِي الآيَةِ بَيِّنٌ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب