الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿وَإلى مَدْيَنَ أخاهم شُعَيْبًا فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ وارْجُوا اليَوْمَ الآخِرَ ولا تَعْثَوْا في الأرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ ﴿فَكَذَّبُوهُ فَأخَذَتْهُمُ الرَجْفَةُ فَأصْبَحُوا في دارِهِمْ جاثِمِينَ﴾ ﴿وَعادًا وثَمُودَ وقَدْ تَبَيَّنَ لَكم مِن مَساكِنِهِمْ وزَيَّنَ لَهُمُ الشَيْطانُ أعْمالَهم فَصَدَّهم عَنِ السَبِيلِ وكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ﴾ نُصِبَ "شُعَيْبًا" بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ يَحْسُنُ مَعَ التَقْدِيرِ: وبَعَثْنا أو أرْسَلْنا، فَأُمِرَ شُعَيْبٌ عَلَيْهِ السَلامُ بِعِبادَةِ اللهِ تَعالى، والإيمانِ بِالبَعْثِ واليَوْمِ الآخِرِ، ومَعَ الإيمانِ بِهِ يَصِحُّ رَجاؤُهُ، وذَهَبَ أبُو عُبَيْدَةَ إلى أنَّ المَعْنى: وخافُوا. و"تَعْثَوْا" مَعْناهُ: تُفْسِدُونَ، يُقالُ: عَثا يَعْثُو، وعاثَ يَعِيثُ، وعَثى يَعْثى إذا فَسَدَ. وأهْلُ مَدْيَنَ: قَوْمُ شُعَيْبٍ، هَذا عَلى أنَّها اسْمُ البَلْدَةِ، وقِيلَ: مَدْيَنَ: اسْمُ القَبِيلَةِ. و"أصْحابُ الأيْكَةِ" غَيْرُهُمْ، وقِيلَ: هم بَعْضُهم ومِنهُمْ، وذَلِكَ لِأنَّ مَعْصِيَتَهم في أمْرِ المَوازِينِ والمَكايِيلِ كانَتْ واحِدَةً. و"الرَجْفَةُ": مَيْدُ الأرْضِ بِهِمْ، وزَلْزَلَتُها عَلَيْهِمْ، وتَداعِيها بِهِمْ، وهَذا نَحْوٌ مِنَ الخَسْفِ، ومِنهُ الإرْجافُ بِالأخْبارِ، و"الجُثُومُ" -فِي هَذا المَوْضِعِ- تَشْبِيهٌ، أيْ: كانَ هُمُودُهم عَلى الأرْضِ كالجُثُومِ الَّذِي هو لِلطّائِرِ والحَيَوانِ، ومِنهُ قَوْلُ لَبِيدٍ: ؎ فَغَدَوْتُ في غَلَسِ الظَلامِ وطَيْرُهُ عُصَبٌ عَلى خَضِلِ العِضاةِ جُثُومُ وقَوْلُهُ: ﴿وَعادًا﴾ مَنصُوبٌ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ، تَقْدِيرُهُ: واذْكُرْ عادًا، وقِيلَ: هو مَعْطُوفٌ عَلى قَوْلِهِ: ﴿وَلَقَدْ فَتَنّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ [العنكبوت: ٣]. وقَرَأ: " وثَمُودًا " عاصِمْ، وأبُو عَمْرٍو، وابْنُ وثّابٍ. وقَرَأ: " وثَمُودَ " بِغَيْرِ تَنْوِينٍ (p-٦٤٤)أبُو جَعْفَرٍ، وشَيْبَةُ، والحَسَنُ، وقَرَأ يَحْيى بْنُ وثّابٍ: "وَعادٍ وثَمُودَ" بِالخَفْضِ فِيهِما والتَنْوِينِ. ثُمْ دَلَّ عَزَّ وجَلَّ عَلى ما تُعْطِيهِ العِبْرَةُ مِن بَقايا مَساكِنِهِمْ ورُسُومِ مَنازِلِهِمْ ودُنُوِّ آثارِهِمْ. وقَرَأ الأعْمَشُ: "تَبَيَّنَ لَكم مَساكِنُهُمْ" دُونَ "مَن". وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَزَيَّنَ لَهُمُ﴾ عَطْفُ جُمْلَةٍ مِنَ الكَلامِ عَلى جُمْلَةٍ، و"السَبِيلِ" هي طَرِيقُ الإيمانِ بِاللهِ تَعالى ورُسُلِهِ، ومَنهَجُ النَجاةِ مِنَ النارِ، وقَوْلُهُ: "مُسْتَبْصِرِينَ"، قالَ ابْنُ عَبّاسٍ، ومُجاهِدٌ، والضِحاكُ: مَعْناهُ: لَهم بَصِيرَةٌ في كُفْرِهِمْ، وإعْجابٌ بِهِ، وإصْرارٌ عَلَيْهِ، فَذَمَّهم بِذَلِكَ. وقِيلَ: لَهم بَصِيرَةٌ في أنَّ الرِسالَةَ والآياتِ حَقٌّ، ولَكِنْ كانُوا -مَعَ ذَلِكَ- يَكْفُرُونَ عِنادًا، ويَرُدُّهُمُ الضَلالُ إلى مَجاهِلِهِ ومَتالِفِهِ، فَيَجْرِي هَذا مَجْرى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَجَحَدُوا بِها واسْتَيْقَنَتْها أنْفُسُهم ظُلْمًا وعُلُوًّا﴾ [النمل: ١٤]، وتَزْيِينُ الشَيْطانِ هو بِالوَسْواسِ ومُناجاةِ ضَمائِرِ الناسِ، وتَزْيِينُ اللهِ تَعالى الشَيْءَ هو بِالِاخْتِراعِ، وخَلْقُ مَحَبَّتِهِ والتَلَبُّسِ بِهِ في نَفْسِ العَبْدِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب