الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿وَنُرِيدُ أنْ نَمُنَّ عَلى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا في الأرْضِ ونَجْعَلَهم أئِمَّةً ونَجْعَلَهم الوارِثِينَ﴾ ﴿وَنُمَكِّنَ لَهم في الأرْضِ ونُرِيَ فِرْعَوْنَ وهامانَ وجُنُودَهُما مِنهم ما كانُوا يَحْذَرُونَ﴾ ﴿وَأوحَيْنا إلى أُمِّ مُوسى أنْ أرْضِعِيهِ فَإذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَألْقِيهِ في اليَمِّ ولا تَخافِي ولا تَحْزَنِي إنّا رادُّوهُ إلَيْكِ وجاعِلُوهُ مِنَ المُرْسَلِينَ﴾. المَعْنى: يُسْتَضْعَفُ فِرْعَوْنُ، ونَحْنُ نُرِيدُ أنْ نُنْعِمْ ونُعَظِّمُ المِنَّةَ عَلى المُسْتَضْعَفِينَ. و"الأئِمَّةُ": وُلاةُ الأُمُورِ. قالَ قَتادَةُ: ﴿وَنَجْعَلَهُمُ الوارِثِينَ﴾ يُرِيدُ: أرْضَ مِصْرَ والشامَ، وقَرَأ الأعْمَشُ: "وَلِنُمَكِّنَ" بِلامٍ، وقَرَأ الجُمْهُورُ: "وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ" بِضَمِّ النُونِ وكَسْرِ الراءِ وفَتْحِ الياءِ ونَصْبِ "فِرْعَوْنَ"، وقَرَأ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وابْنُ مَسْعُودٍ: "وَيَرى" بِالياءِ وفَتْحِ الراءِ وسُكُونِ الياءِ عَلى الفِعْلِ الماضِي وإسْنادِ الفِعْلِ إلى فِرْعَوْنَ ومَن بَعْدَهُ، والمَعْنى: ويَقَعُ فِرْعَوْنُ وقَوْمُهُ وجُنُودُهُ فِيما خافُوهُ وحَذَرَوُهُ مِن جِهَةِ بَنِي إسْرائِيلَ وظُهُورِهِمْ. وهامانُ هو وزِيرُ فِرْعَوْنَ وأكْبَرُ رِجالِهِ، فَذُكِرَ لِمَحَلِّهِ مِنَ الكُفْرِ ولِنَباهَتِهِ في قَوْمِهِ، فَلَهُ في هَذا المَوْضِعِ صِغارٌ ولَعْنَةٌ لا شَرَفَ. وهَذا "الوَحْيُ" إلى أُمْ مُوسى، قالَتْ فِرْقَةٌ: كانَ قَوْلًا في مَنامِها، وقالَ قَتادَةُ: كانَ إلْهامًا، وقالَتْ فِرْقَةٌ: كانَ بِمَلِكٍ تَمَثَّلَ لَها، وأجْمَعَ الكُلُّ عَلى أنَّها لَمْ تَكُنْ نَبِيَّةً، وإنَّما إرْسالُ المَلِكِ لَها عَلى نَحْوِ تَكْلِيمٍ لِلْأبْرَصِ والأقْرَعِ في الحَدِيثِ المَشْهُورِ (p-٥٧١)وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمّا رُوِيَ مِن تَكْلِيمِ المَلائِكَةِ لِلنّاسِ مِن غَيْرِ نُبُوَّةٍ. وجُمْلَةُ أمْرِ أمِّ مُوسى أنَّها عَلِمَتْ أنَّ الَّذِي وقَعَ في نَفْسِها هو مِن عِنْدِ اللهِ ووَعْدٌ مِنهُ؛ يَقْتَضِي ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَرَدَدْناهُ إلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها ولا تَحْزَنَ ولِتَعْلَمَ أنَّ وعْدَ اللهِ حَقٌّ﴾ [القصص: ١٣]، وهَذا مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿لِتَكُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ﴾ [القصص: ١٠] أيْ: بِالوَعْدِ، وقالَ السَدِيُّ وغَيْرُهُ: أمَرَتْ أنْ تُرْضِعَهُ عَقِبَ الوِلادَةِ، وتَصْنَعَ بِهِ ما في الآيَةِ؛ لِأنَّ الخَوْفَ كانَ عَقِبَ الوِلادَةِ، وقالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أُمِرَتْ بِرِضاعَهِ أرْبَعَةِ أشْهُرٍ في بُسْتانٍ، فَإذا خافَتْ أنْ يَصِيحَ لِأنَّ لَبَنَها لا يَكْفِيهِ، صَنَعَتْ بِهِ هَذا. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: والأوَّلُ أظْهَرُ إلّا أنَّ الآخَرَ يُعَضِّدُهُ أمْرانِ: أحَدُهُما قَوْلُهُ: ﴿فَإذا خِفْتِ عَلَيْهِ﴾ و "إذا" ظَرْفٌ لِما يُسْتَقْبَلُ مِنَ الزَمانِ، والآخِرُ لِأنَّهُ لَمْ يَقْبَلِ المَراضِعَ، والطِفْلُ إثْرُ وِلادَتِهِ لا يَفْعَلُ ذَلِكَ، اللهم إلّا أنْ يَكُونَ هَذا مِنهُ بِأنَّ اللهَ تَبارَكَ وتَعالى حَرَّمَها عَلَيْهِ وجَعَلَهُ يَأْباها بِخِلافِ سائِرِ الأطْفالِ، وقَرَأ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الواحِدِ: "أنِ أرَضِعِيهِ" بِكَسْرِ النُونِ اعْتِباطًا لا تَخْفِيفًا، والتَخْفِيفُ الفاشِي فَتْحُ النُونِ، قالَهُ ابْنُ جِنِّيِ، ونَسَبَ المَهْدَوِيُّ هَذِهِ القِراءَةَ إلى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ رَضِيَ اللهُ عنهُ، و"ألْيَمِّ": جُمْهُورُ الماءِ ومُعْظَمُهُ، والمُرادُ نِيلُ مِصْرَ. ورُوِيَ في قَصَصِ هَذِهِ الآيَةِ أنَّ أُمْ مُوسى عَلَيْهِ السَلامُ -واسْمُها يُوحانَةُ - أخَذَتْهُ ولَفَتَّهُ في ثِيابِهِ، وجَعَلَتْ لَهُ تابُوتًا صَغِيرًا، وشَدَّتْهُ عَلَيْهِ بِقُفْلٍ وعَلَّقَتْ مِفْتاحَهُ عَلَيْهِ وأسْلَمَتْهُ ثِقَةً بِاللهِ وانْتِظارًا لِوَعْدِهِ، فَلِما غابَ عنها عاوَدَها خَوْفُها، وانْشَغَلَتْ عَلَيْهِ، وأقْنَطَها الشَيْطانُ، فاهْتَمَّتْ بِهِ وكادَتْ تَفْتَضِحُ، وجَعَلَتِ الأُخْتُ تَقُصُّهُ، أيْ: تَطْلُبُ أثَرَهُ. (p-٥٧٢)
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب