الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾ ﴿قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ القَوْلُ رَبَّنا هَؤُلاءِ الَّذِينَ أغْوَيْنا أغْوَيْناهم كَما غَوَيْنا تَبَرَّأْنا إلَيْكَ ما كانُوا إيّانا يَعْبُدُونَ﴾ ﴿وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكاءَكم فَدَعَوْهم فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهم ورَأوُا العَذابَ لَوْ أنَّهم كانُوا يَهْتَدُونَ﴾ التَقْدِيرُ: واذْكُرْ يَوْمَ، وهَذا النِداءُ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ بِواسِطَةٍ، ويُحْتَمَلُ لِأنْ يَكُونُ بِغَيْرِ ذَلِكَ، والضَمِيرِ بِـ "يُنادِي" لِعُبّادِ الأصْنامِ، والإشارَةُ إلى قُرَيْشٍ، وقَوْلُهُ: "أيْنَ" عَلى جِهَةِ التَوْبِيخِ والتَقْرِيعِ، وقَوْلُهُ: "شُرَكائِيَ" أيْ: عَلى قَوْلِكم وزَعْمِكم. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: ولَمّا كانَ هَذا السُؤالُ مُسْكِتًا لَهم مُهِينًا فَكَأنَّهُ لا يَتَعَلَّقُ بِجُمْهُورِ الكَفَرَةِ، إلّا بِالمُغْوِينَ لَهُمْ، وبِالأعْيانِ والرُؤُوسِ مِنهُمْ، وبِالشَياطِينِ المُغْوِينَ، فَكَأنَّ هَذِهِ الفِئَةَ المُغْوِيَةَ إنَّما أتَتِ الكَفَرَةَ عَلى عِلْمٍ بِأنَّ القَوْلَ عَلَيْها مُتَحَقِّقٌ، وبِأنَّ كَلِمَةَ العَذابِ ماضِيَةٌ، لَكِنَّهم طَمِعُوا في التَبَرِّي مِن أُولَئِكَ الكَفَرَةِ الأتْباعِ فَقالُوا: رَبَّنا هَؤُلاءِ أضْلَلْناهم كَما ضَلَلْنا نَحْنُ بِاجْتِهادٍ لَنا ولَهُمْ، وأرادُوا هُمُ اتِّباعَنا، وأحَبُّوا الكُفْرَ كَما أحْبَبْناهُ، فَنَحْنُ نَتَبَرَّأُ إلَيْكَ مِنهُمْ، وهم لَمْ يَعْبُدُونا إنَّما عَبَدُوا غَيْرَنا. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: فَهَذا التَوْقِيفُ يَعُمْ جَمِيعَ الكَفَرَةِ، والمُجِيبُونَ هم جَمِيعُ المُغْوِينَ، كُلٌّ داعٍ إلى كُفْرٍ، مِنَ الشَياطِينِ الجِنُّ، ومِنَ الإنْسِ العُرَفاءُ والرُؤَساءُ والسادَةُ وقَرَأ الجُمْهُورٌ: "غَوَيْنا" بِفَتْحِ الواوِ، ويُقالُ: غَوى الرَجُلُ يَغْوِي بِكَسْرِ الواوِ، ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عامِرٍ، وعاصِمْ "غَوِينا" بِكَسْرِ الواوِ. ثُمْ أخْبَرَ تَبارَكَ وتَعالى أنَّهُ يُقالُ لِلْكَفَرَةِ العابِدِينَ لِلْأصْنامِ الَّذِينَ اعْتَقَدُوهم آلِهَةً: ﴿ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ﴾ أيِ الأصْنامَ الَّتِي كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ أنَّهم شُرَكاءُ لِلَّهِ، وأضافَ الشُرَكاءَ إلَيْهِمْ لَمّا كانَ ذَلِكَ الِاسْمُ بِزَعْمِهِمْ ودَعْواهُمْ، فَهَذا القَوْلُ أصْلٌ مِنَ الِاخْتِصاصِ، أضافَ الشُرَكاءَ إلَيْهِمْ ثُمْ أخْبَرَ أنَّهم دَعَوْهُمْ، فَلَمْ يَكُنْ في الجَماداتِ ما يُجِيبُ، ورَأى الكُفّارُ العَذابَ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَوْ أنَّهم كانُوا يَهْتَدُونَ﴾، ذَهَبَ الزَجّاجُ وغَيْرُهُ مِنَ المُفَسِّرِينَ إلى أنَّ جَوابَ "لَوْ" مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: لَما نالَهُمُ العَذابُ، أو: لَما كانُوا في الدُنْيا عابِدِينَ (p-٦٠٤)لِلْأصْنامِ، فَفي الكَلامِ -عَلى هَذا التَأْوِيلِ- تَأسُّفٍ عَلَيْهِمْ، وذَلِكَ مُحْتَمَلٌ مَعَ تَقْدِيرِنا الجَوابَ: "لَما كانُوا عابِدِينَ لِلْأصْنامِ"، وفي تَقْدِيرِنا الجَوابُ: "لَما نالَهُمُ العَذابُ" نِعْمَةً مِنّا. وقالَتْ فِرْقَةٌ: "لَوْ" مُتَعَلِّقَةٌ بِما قَبْلَها، تَقْدِيرُهُ: فَوَدُّوا لَوْ أنَّهم كانُوا يَهْتَدُونَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب