الباحث القرآني

(p-٥٩٤)قوله عزّ وجلّ: ﴿فَأخَذْناهُ وجُنُودَهُ فَنَبَذْناهم في اليَمِّ فانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظالِمِينَ﴾ ﴿وَجَعَلْناهم أئِمَّةً يَدْعُونَ إلى النارِ ويَوْمَ القِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ﴾ ﴿وَأتْبَعْناهم في هَذِهِ الدُنْيا لَعْنَةً ويَوْمَ القِيامَةِ هم مِنَ المَقْبُوحِينَ﴾ ﴿وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى الكِتابَ مِن بَعْدِ ما أهْلَكْنا القُرُونَ الأُولى بَصائِرَ لِلنّاسِ وهُدًى ورَحْمَةً لَعَلَّهم يَتَذَكَّرُونَ﴾ "نَبَذْناهُمْ" مَعْناهُ: طَرَحْناهُمْ، ومِنهُ نَبْذُ النَواةِ، ومِنهُ قَوْلُ الشاعِرِ: ؎ نَظَرْتُ إلى عُنْوانِهِ فَنَبَذْتُهُ كَنَبْذِكَ نَعْلًا مِن نِعالِكَ بالِيًا وقَوْمُ فِرْعَوْنَ وإنْ كانُوا سارُوا إلى البَحْرِ ودَخَلُوهُ بِاخْتِيارِهِمْ فَإنَّ ما ضَمَّهم مِنَ القَدَرِ السابِقِ [وَإغْراقَهم في البَحْرِ] هو نَبْذُ اللهِ تَعالى إيّاهم فِيهِ. و"اليَمُّ" هو بَحْرُ القُلْزُمْ في قَوْلِ أكْثَرِ الناسِ، وقالَتْ فِرْقَةٌ: كانَ غَرَقُهم في نِيلِ مِصْرَ. والأوَّلُ أشْهَرُ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَجَعَلْناهم أئِمَّةً يَدْعُونَ إلى النارِ﴾ وهم أئِمَّةٌ مِن حَيْثُ اشْتَهَرُوا وبَقُوا قُدْوَةً لِكُلِّ كافِرٍ وعاتٍ إلى يَوْمِ القِيامَةِ. و"المَقْبُوحِينَ": الَّذِينَ يَقْبُحُ كُلُّ أمْرِهِمْ، قَوْلًا لَهم وفِعْلًا، قالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: هُمُ الَّذِينَ قُبِّحُوا بِسَوادِ الوُجُوهِ وزُرْقَةِ العُيُونِ. و"يَوْمَ" ظَرْفٌ مُقَدَّمٌ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿مِن بَعْدِ ما أهْلَكْنا القُرُونَ الأُولى﴾ إخْبارٌ عن أنَّهُ أنْزَلَ التَوْراةَ عَلى مُوسى بَعْدَ إهْلاكِ فِرْعَوْنَ وقَوْمِهِ، وبَعْدَ هَذِهِ الأُمَمِ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُها مِن عادٍ وثَمُودَ وقَرْيَةِ قَوْمِ لُوطٍ وغَيْرِها، والقَصْدُ بِهَذا الإخْبارِ التَمْثِيلُ لِقُرَيْشٍ بِما تَقَدَّمَ في غَيْرِها مِنَ الأُمَمِ، وقالَتْ فِرْقَةٌ: الآيَةُ مُتَضَمَّنَةٌ أنَّ إنْزالَ التَوْراةِ عَلى مُوسى هو بَعْدَ أنْ رَفَعَ اللهُ تَعالى عَذابَ الأُمَمِ، فَلَمْ يُعَذِّبْ أُمَّةً بَعْدَ نُزُولِ التَوْراةِ، إلّا القَرْيَةَ الَّتِي مُسِخَتْ قِرَدَةً فِيما رُوِيَ. وقَوْلُهُ: "بَصائِرَ" نُصِبَ عَلى الحالِ، أيْ: طَرائِقَ هادِيَةً وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَعَلَّهم يَتَذَكَّرُونَ﴾ أيْ: عَلى تَرَجٍّ، وما تُعْطِيهِ تَأْمِيلَ مِن تَأْمِيلٍ، ورُوِيَ عن أبِي (p-٥٩٥)سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ أنَّهُ قالَ: ما أهْلَكَ اللهُ تَعالى أُمَّةً بِعَذابٍ بَعْدَ أنْ أنْزَلَ التَوْراةَ إلى الأرْضِ غَيْرَ القَرْيَةِ الَّتِي مُسِخَتْ قِرَدَةً، أيِ: الَّذِينَ تَعَدَّوْا في السَبْتِ، وهَذا التَعْذِيبُ مِن سَبَبِ شَرْعِ مُوسى، فَكَأنَّهُ لا يُنْقِصُ فَضِيلَةَ التَوْراةِ بِرَفْعِ العَذابِ عَنِ الأرْضِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب