الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿فَجاءَتْهُ إحْداهُما تَمْشِي عَلى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إنَّ أبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا فَلَمّا جاءَهُ وقَصَّ عَلَيْهِ القَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ القَوْمِ الظالِمِينَ﴾ ﴿قالَتْ إحْداهُما يا أبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ القَوِيُّ الأمِينُ﴾ ﴿قالَ إنِّي أُرِيدُ أنْ أُنْكِحَكَ إحْدى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإنْ أتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِن عِنْدِكَ وما أُرِيدُ أنْ أشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصالِحِينَ﴾.
فِي هَذا المَوْضِعِ اخْتِصارٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ الظاهِرُ، قَدَّرَهُ ابْنُ إسْحاقَ: فَذَهَبَتا إلى أبِيهِما سَرِيعَتَيْنِ، وكانَتْ عادَتُهُما الإبْطاءَ في السَقْيِ، فَحَدَّثَتاهُ بِما كانَ مِن أمْرِ الرَجُلُ الَّذِي سَقى لَهُما، فَأمَرَ الكُبْرى مِن بِنْتَيْهِ -وَقِيلَ الصُغْرى- أنْ تَدْعُوَهُ لَهُ، فَجاءَتْ عَلى ما في هَذِهِ الآيَةِ، ورُوِيَ أنَّ اسْمَ إحْداهُما (لَيّا) والأُخْرى (شَرْفا)، ورُوِيَ أنَّ اسْمَ زَوْجَةِ نَبِيِّ اللهِ مُوسى عَلَيْهِ السَلامُ (صَفُّورَةُ)، وقِيلَ: اسْمُها (صُورِيّا)، وقالَ وهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: زَوَّجَهُ الكُبْرى، ورُوِيَ عَنِ النَبِيِّ ﷺ أنَّهُ زَوَّجَهُ الصُغْرى، وذَكَرَهُ الثَعْلَبِيُّ ومَكِّيٌّ مِن طَرِيقِ أبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عنهُ، وقالَ النَقّاشُ: كانَتا تَوْأمَيْنِ ووُلِدَتِ الأولى قَبْلَ الأُخْرى بِنِصْفِ نَهارٍ.
(p-٥٨٦)وَقَوْلُهُ: "تَمْشِي" حالٌ مِن "إحْداهُما"، وقَوْلُهُ: ﴿عَلى اسْتِحْياءٍ﴾ أيْ خَفِرَةً قَدْ سَتَرَتْ وجْهَها بِكم دِرْعِها، قالَهُ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ رَضِيَ اللهُ تَعالى عنهُ، وقالَ عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ: لَمْ تَكُنْ سَلْفَعًا مِنَ النِساءِ خَرّاجَةً ولاجَّةً.
واخْتَلَفَ الناسُ في الرَجُلِ الداعِي لِمُوسى، مَن هُوَ؟ فَقالَ الجُمْهُورُ: هو شُعَيْبٌ عَلَيْهِ السَلامُ، وهُما ابْنَتاهُ، وقالَ الحَسَنُ: هو ابْنُ أخِي شُعَيْبٍ واسْمُهُ ثَرْوانُ، وقالَ ابْنُ أبِي عُبَيْدَةَ: يَثْرُونُ، وقِيلَ:هُوَ رَجُلٌ صالِحٌ لَيْسَ مِن شُعَيْبٍ بِنَسَبٍ، وقِيلَ: إنَّ المَرْأتَيْنِ إنَّما كانَ مُرْسِلُهُما عَمَّهُما، وهو كانَ صاحِبُ الغَنَمِ، وهو المُزَوِّجُ، ولَكِنْ عُبِّرَ عَنِ العَمِّ بِالأبِ في جَمِيعِ الأمْرِ إذْ هو بِمَثابَتِهِ. ورُوِيَ أنَّ مُوسى عَلَيْهِ السَلامُ لَمّا جاءَتْهُ بِالرِسالَةِ أجابَ، فَقامَ يَتْبَعُها إلى أبِيها، فَهَبَّتْ رِيحٌ ضَمَّتْ قَمِيصَها إلى بَدَنِها فَوَصَفَتْ عَجِيزَتَها، فَتَحَرَّجَ مُوسى عَلَيْهِ السَلامُ مِنَ النَظَرِ إلَيْها، فَقالَ لَها: ارْجِعِي خَلْفِي وأرْشِدِينِي الطَرِيقَ، فَفَهِمَتْ عنهُ ذَلِكَ فَوَصَفَتْهُ بِالأمانَةِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما.
فَوَصْلَ مُوسى عَلَيْهِ السَلامُ إلى داعِيهِ، فَقَصَّ عَلَيْهِ أمْرَهُ مِن أوَّلِهِ إلى آخِرِهِ، فَآنَسُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ القَوْمِ الظالِمِينَ﴾، وكانَتْ مَدَيَنُ خارِجَةً عن مَمْلَكَةِ فِرْعَوْنَ، فَلَمّا فَرَغَ كَلامُهُما قالَتِ الِابْنَةُ الَّتِي ذَهَبَتْ عنهُ: ﴿يا أبَتِ اسْتَأْجِرْهُ﴾ الآيَةُ، فَلَمّا وصَفَتْهُ بِالقُوَّةِ والأمانَةِ قالَ لَها أبُوها: ومَن أيْنَ عَرَفْتِ هَذا مِنهُ؟ فَقالَتْ: أمّا قُوَّتُهُ فَفي رَفْعِ الصَخْرَةِ، وأمّا أمانَتُهُ فَفي تَحَرُّجِهِ مِنَ النَظَرِ إلَيَّ وقْتَ هُبُوبِ الرِيحِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، وقالَهُ ابْنُ زَيْدٍ وغَيْرُهم.
قالَ لَهُ الأبُ عِنْدَ ذَلِكَ: ﴿إنِّي أُرِيدُ أنْ أُنْكِحَكَ﴾ الآيَةُ، قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: فَزَوَّجَهُ الَّتِي دَعَتْهُ. و"تَأْجُرُ" مَعْناهُ: تُثِيبُ، وقالَ مَكِّيٌّ: في هَذِهِ الآيَةِ خَصائِصُ في النِكاحِ، مِنها أنَّهُ لَمْ يُعَيِّنِ الزَوْجَةَ، ولا حَدَّ أوَّلَ الأمَدِ، وجَعْلَ المَهْرَ إجارَةً، ودَخَلَ ولَمْ يَنْقُدْ شَيْئًا.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
أمّا التَعْيِينُ فَيُشْبِهُ أنَّهُ كانَ في ثانِي حالِ المُراوَضَةِ، وإنَّما عَرَضَ الأمْرَ مُجْمَلًا، وعَيَّنَ بَعْدَ ذَلِكَ، وأمّا ذِكْرُ أوَّلِ المُدَّةِ فَلَيْسَ في الآيَةِ ما يَقْتَضِي إسْقاطَهُ، بَلْ هو مَسْكُوتٌ عنهُ؛ فَإمّا رَسَماهُ وإلّا فَهو مِن وقْتِ العَقْدِ، وأمّا النِكاحُ بِالإجارَةِ فَظاهِرٌ مِنَ الآيَةِ، وهَذا أمُرٌّ قَدْ (p-٥٨٧)قَرَّرَهُ شَرْعُنا، وجَرى بِهِ في حَدِيثِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إلّا شَيْءٌ مِنَ القُرْآنِ، وذَهَبَ بَعْضُ العُلَماءِ إلى أنَّ ذَلِكَ خاصٌّ، وبَعْضُهم إلى أنَّهُ مَنسُوخٌ، ولِمْ يُجَوِّزْ مالِكٌ رَحِمَهُ اللهُ النِكاحَ بِالإجارَةِ، وجَوَّزَها ابْنُ حَبِيبٍ وغَيْرُهُ، إذا كانَتِ الأُجْرَةُ تَصِلُ إلى الزَوْجَةِ.
قِيلَ: ومِن لَفْظِ شُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَلامُ حَسُنَ في لَفْظِ العُقُودِ في النِكاحِ: "أنْكِحُهُ إيّاها" أكْثَرُ مِن "أنْكِحُها إيّاهُ" وهَذا مُعْتَرَضٌ. وجَعَلَ شُعَيْبٌ عَلَيْهِ السَلامُ الثَمانِيَةَ الأعْوامِ شَرَطًا ووَكَلَ العامَيْنِ إلى المُرُوءَةِ.
{"ayahs_start":25,"ayahs":["فَجَاۤءَتۡهُ إِحۡدَىٰهُمَا تَمۡشِی عَلَى ٱسۡتِحۡیَاۤءࣲ قَالَتۡ إِنَّ أَبِی یَدۡعُوكَ لِیَجۡزِیَكَ أَجۡرَ مَا سَقَیۡتَ لَنَاۚ فَلَمَّا جَاۤءَهُۥ وَقَصَّ عَلَیۡهِ ٱلۡقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفۡۖ نَجَوۡتَ مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّـٰلِمِینَ","قَالَتۡ إِحۡدَىٰهُمَا یَـٰۤأَبَتِ ٱسۡتَـٔۡجِرۡهُۖ إِنَّ خَیۡرَ مَنِ ٱسۡتَـٔۡجَرۡتَ ٱلۡقَوِیُّ ٱلۡأَمِینُ","قَالَ إِنِّیۤ أُرِیدُ أَنۡ أُنكِحَكَ إِحۡدَى ٱبۡنَتَیَّ هَـٰتَیۡنِ عَلَىٰۤ أَن تَأۡجُرَنِی ثَمَـٰنِیَ حِجَجࣲۖ فَإِنۡ أَتۡمَمۡتَ عَشۡرࣰا فَمِنۡ عِندِكَۖ وَمَاۤ أُرِیدُ أَنۡ أَشُقَّ عَلَیۡكَۚ سَتَجِدُنِیۤ إِن شَاۤءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّـٰلِحِینَ"],"ayah":"قَالَ إِنِّیۤ أُرِیدُ أَنۡ أُنكِحَكَ إِحۡدَى ٱبۡنَتَیَّ هَـٰتَیۡنِ عَلَىٰۤ أَن تَأۡجُرَنِی ثَمَـٰنِیَ حِجَجࣲۖ فَإِنۡ أَتۡمَمۡتَ عَشۡرࣰا فَمِنۡ عِندِكَۖ وَمَاۤ أُرِیدُ أَنۡ أَشُقَّ عَلَیۡكَۚ سَتَجِدُنِیۤ إِن شَاۤءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّـٰلِحِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق