الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿قالَ رَبِّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إنَّهُ هو الغَفُورُ الرَحِيمُ﴾ ﴿قالَ رَبِّ بِما أنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ﴾ ﴿فَأصْبَحَ في المَدِينَةِ خائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإذا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالأمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قالَ لَهُ مُوسى إنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ﴾ ثُمْ إنَّ نَدَمَةَ مُوسى عَلَيْهِ السَلامُ حَمَلَتْهُ عَلى الخُضُوعِ لِرَبِّهِ تَعالى، والِاسْتِغْفارِ عن (p-٥٧٩)ذَنْبِهِ، فَغَفَرَ لَهُ خَطَأهُ ذَلِكَ، قالَ قَتادَةُ: عَرَفَ - واللهِ- المَخْرَجَ فاسْتَغْفِرَ. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: ولَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ السَلامُ يُعِيدُ ذَلِكَ عَلى نَفْسِهِ مَعَ عِلْمِهِ بِأنَّهُ قَدْ غَفَرَ لَهُ، حَتّى أنَّهُ في القِيامَةِ يَقُولُ: " «وَقَتَلْتُ نَفْسًا لَمْ أُؤْمَرْ بِقَتْلِهِ» حَسَبَ ما صَحَّ في حَدِيثِ الشَفاعَةِ. ثُمْ قالَ عَلَيْهِ السَلامُ مُعاهِدًا لِرَبِّهِ عَزَّ وجَلَّ: "رَبِّ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وبِسَبَبِ إحْسانِكَ وغُفْرانِكَ فَأنا مُلْتَزِمْ ألّا أكُونَ مُعِينًا لِلْمُجْرِمِينَ"، هَذا أحْسَنُ ما تُؤُوِّلَ، وقالَ الطَبَرِيُّ: "إنَّهُ قَسَّمٌ، أقْسَمَ بِنِعْمَةِ اللهِ تَبارَكَ وتَعالى"، ويُضْعِفُهُ صُورَةُ جَوابِ القَسَمِ؛ فَإنَّهُ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ في قَوْلِهِ: ﴿فَلَنْ أكُونَ﴾ ؛ لِأنَّ القَسَمَ لا يَتَلَقّى بِـ "لَنْ"، والفاءُ تَمْنَعُ أنْ تُنَزَّلَ "لَنْ" مَنزِلَةَ "لا" أو "ما" فَتَأمَّلَهُ، واحْتَجَّ الطَبَرِيُّ بِأنَّ في قِراءَةِ عَبْدِ اللهِ: "فَلا تَجْعَلُنِي ظَهِيرًا". قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: واحْتَجَّ أهْلُ الفَضْلِ والعِلْمِ بِهَذِهِ الآيَةِ في [مَنعِ] خِدْمَةِ أهْلِ الجَوْرِ ومَعُونَتِهِمْ في شَيْءٍ مِن أمْرِهِمْ، ورَأوا أنَّها تَتَناوَلُ ذَلِكَ، نَصَّ عَلَيْهِ عَطاءُ بْنُ أبِي رَباحٍ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَأصْبَحَ في المَدِينَةِ خائِفًا﴾ عِبارَةٌ عن كَوْنِهِ دائِمُ الخَوْفِ في كُلِّ أوقاتِهِ، كَما تَقُولُ: أصْبَحَ زَيْدٌ عالِمًا. و"يَتَرَقَّبُ" مَعْناهُ: عَلَيْهِ رَقِيبٌ مِن فِعْلِهِ في القَتْلِ فَهو يَتَحَسَّسُ، قالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: فَمَرَّ وهو بِحالَةِ التَرَقُّبِ وإذا ذَلِكَ الإسْرائِيلِيُّ الَّذِي قاتَلَ القِبْطِيَّ بِالأمْسِ يُقاتِلُ آخِرَ مَنِالقِبْطِ، وكانَ قَتْلُ القِبْطِيِّ قَدْ خُفِيَ عَنِ الناسِ واكْتُتِمْ، فَلَمّا رَأى الإسْرائِيلِيَّ اسْتَصْرَخَهُ الإسْرائِيلِيُّ، بِمَعْنى صاحَ بِهِ مُسْتَغِيثًا، ومِنهُ قَوْلُ الشاعِرِ: ؎ كُنّا إذا ما أتانا صارِخٌ فَزِعٌ كانَ الصُراخُ لَهُ قَرْعَ الظَنابِيبِ (p-٥٨٠)فَلَمّا رَأى مُوسى عَلَيْهِ السَلامُ قِتالَهُ لِذَلِكَ الآخَرِ، أعْظَمَ ذَلِكَ، وقالَ لَهُ مُعاتِبًا ومُؤَنِّبًا: ﴿إنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ﴾، وكانَتْ إرادَةُ مُوسى -مَعَ ذَلِكَ- أنْ يَنْصُرَ الإسْرائِيلِيَّ، فَلِما دَنا مِنهُما وجَسَّ الإسْرائِيلِيُّ وفَزِعَ مِنهُ، وظَنَّ أنَّهُ رُبَّما ضَرَبَهُ، وفَزِعَ مِن قُوَّتِهِ الَّتِي رَأى بِالأمْسِ، وشَهِدَ أمْرَ القَتِيلِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب