الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿وَكانَ في المَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ في الأرْضِ ولا يُصْلِحُونَ﴾ ﴿قالُوا تَقاسَمُوا بِاللهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وأهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أهْلِهِ وإنّا لَصادِقُونَ﴾ ﴿وَمَكَرُوا مَكْرًا ومَكَرْنا مَكْرًا وهم لا يَشْعُرُونَ﴾ ﴿فانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أنّا دَمَّرْناهم وقَوْمَهم أجْمَعِينَ﴾
ذَكَرَ اللهِ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ تِسْعَةُ رِجالٍ كانُوا مِن أوجُهِ القَوْمِ وأقْناهم وأغْناهُمْ، وكانُوا أهْلَ كُفْرٍ ومَعاصٍ جَمَّةٍ، جُمْلَةُ أمْرِهِمْ أنَّهم يُفْسِدُونَ في الأرْضِ ولا يُصْلِحُونَ، قالَ عَطاءُ بْنُ أبِي رَباحٍ: بَلَغَنِي أنَّهم كانُوا يَقْرِضُونَ الدَنانِيرَ والدَراهِمْ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وهَذا نَحْوَ الأثَرِ المَرْوِيِّ: قِطَعَ الدَنانِيرِ والدَراهِمْ مِنَ الفَسادِ في الأرْضِ، و"المَدِينَةُ": مُجْتَمَعُ ثَمُودٍ وقَرْيَتُهُمْ، و"الرَهْطُ": مِن أسْماءِ الجَمْعِ القَلِيلِ، العَشْرَةُ فَما دُونَها، و"تِسْعَةُ رَهْطٍ" كَما تَقُولُ: تِسْعَةُ رِجالٍ، وهَؤُلاءِ المَذْكُورُونَ كانُوا أصْحابَ قِدارِ بْنِ سالِفٍ: عاقِرُ الناقَةِ، وقَدْ تَقَدَّمَ في غَيْرِ هَذا المَوْضِعِ ما ذُكِرَ في أسْمائِهِمْ.
وقَوْلُهُ تَعالى: "تَقاسَمُوا"، حَكى الطَبَرِيُّ أنَّهُ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ فِعْلًا ماضِيًا في مَوْضِعِ الحالِ، كَأنَّهُ قالَ: مُتَقاسِمِينَ، أو مُتَحالِفِينَ بِاللهِ، وكَأنَّ قَوْلَهُمْ: "لَنُبَيِّتَنَّهُ" حَلِفٌ، ويُؤَيِّدُ هَذا التَأْوِيلِ أنَّ في قِراءَةِ عَبْدِ اللهِ: "وَلا يَصْلُحُونَ، تَقاسَمُوا" بِسُقُوطِ "قالُوا"، ويُحْتَمِلُ -وَهُوَ تَأْوِيلُ الجُمْهُورِ- أنْ يَكُونَ "تَقاسَمُوا" فَعْلَ أمْرٍ، أشارَ بَعْضُهم عَلى بَعْضٍ بِأنْ (p-٥٤٦)يَتَحالَفُوا عَلى هَذا الفِعْلِ بِصالِحٍ، فَـ "تَقاسَمُوا" هو قَوْلُهم عَلى هَذا التَأْوِيلِ. وهَذِهِ الألْفاظُ الدالَّةُ عَلى قَسَمٍ أو جَوابٍ تُجابُ بِاللامِ وإنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ قَسَمٌ ظاهِرٌ، فاللامُ في "لَنُبَيِّتَنَّهُ" جَوابُ ذَلِكَ. وقَرَأ جُمْهُورُ القُرّاءِ: "لِنَبِيتُنَّهُ"، "ثُمْ لَنَقُولُنَّ" بِالنُونِ فِيهِما، وقَرَأ الحَسَنُ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ بِالتاءِ فِيهِما، وبِضَمِّ التاءِ واللامِ عَلى الخِطابِ، أيْ: تَخاطَبُوا بِذَلِكَ، وقَرَأ مُجاهِدٌ، وحَمِيدُ بْنُ قَيْسٍ بِالياءِ فِيهِما عَلى الخَبَرِ، فَهَذا ذَكَرَ اللهُ فِيهِ المَعْنى الَّذِي أرادُوهُ، لا بِحَسَبِ لَفْظِهِمْ.
ورُوِيَ في هَذِهِ الآيَةِ أنَّ هَؤُلاءِ التِسْعَةِ لَمّا كانَ في صَدْرِ الثَلاثَةِ الأيّامِ بَعْدَ عَقْرِ الناقَةِ وقَدْ أخْبَرَهم صالِحٌ عَلَيْهِ السَلامُ بِمَجِيءِ العَذابِ، اتَّفَقَ هَؤُلاءِ التِسْعَةُ فَتَحالَفُوا عَلى أنْ يَأْتُوا دارَ صالِحٍ لَيْلًا فَيَقْتُلُوهُ وأهْلَهُ المُخْتَصِّينَ بِهِ، قالُوا: فَإنْ كانَ كاذِبًا في وعِيدِهِ أوقَعْنا بِهِ ما يَسْتَحِقُّ، وإنْ كانَ صادِقًا كُنّا قَدْ أعْجَلْناهُ قَبْلَنا وشَفَيْنا نُفُوسَنا. قالَ الراوِي: فَجاؤُوا واخْتَفَوْا لِذَلِكَ في غارٍ قَرِيبٍ مِن دارِهِ، فَرُوِيَ أنَّهُ انْحَدَرَتْ عَلَيْهِمْ صَخْرَةٌ سَدَحَتْهم جَمِيعًا، ورُوِيَ أنَّهُ طَبَقَتْ عَلَيْهِمُ الغارُ فَهَلَكُوا فِيهِ حِينَ هَلَكَ قَوْمُهُمْ، وكُلُّ فَرِيقٍ لا يَعْلَمُ بِما جَرى عَلى الآخَرِ، وكانُوا قَدْ بَنَوْا عَلى جُحُودِ الأمْرِ مِن قُرابَةِ صالِحٍ الَّذِينَ يُمْكِنُ أنْ يَغْضَبُوا لَهُ، فَهَذا مَكْرُهم. والمَكْرُ نَحْوَ الخَدِيعَةِ، وسَمّى اللهَ تَبارَكَ وتَعالى عُقُوبَتَهم بِاسْمِ ذَنْبِهِمْ، وهَذا مَهِيعٌ، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾ [البقرة: ١٥]، وغَيْرُ ذَلِكَ.
وقَرَأ الجُمْهُورُ: "مُهْلَكٌ" بِضَمِّ المِيمِ وفَتْحِ اللامِ، وقَرَأ عاصِمْ في رِوايَةِ أبِي بَكْرٍ بِفَتْحِهِما، ورُوِيَ عنهُ فَتْحُ المِيمِ وكَسْرُ اللامِ.
و"العاقِبَةُ" حالٌ تَقْتَضِيها البَدْأةُ وتُؤَدِّي إلَيْها، ويَعْنِي بِالأهْلِ كُلَّ مِن آمَنَ مَعَهُ، قالَهُ الحَسَنُ. وقَرَأ جُمْهُورُ القُرّاءِ: "إنّا دَمَّرْناهُمْ" بِكَسْرِ الألِفِ، وقَرَأ عاصِمْ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ: "أنا دَمَّرْناهُمْ"، وهي قِراءَةُ الحَسَنِ وابْنِ أبِي إسْحاقٍ، فَـ "كانَ" -عَلى قِراءَةِ الكَسْرِ في الألْفِ- تامَّةٌ، وإنْ قُدِّرَتْ ناقِصَةٌ فَخَبَرُها مَحْذُوفٌ، أو يَكُونُ الخَبَرُ "كَيْفَ" مُقَدَّمًا؛ لِأنَّ صَدْرَ الكَلامِ لَها، ولا يَعْمَلُ -عَلى هَذا- "انْظُرْ" في "كَيْفَ"، لَكِنْ (p-٥٤٧)يَعْمَلُ في مَوْضِعِ الجُمْلَةِ كُلِّها، وهي عَلى قِراءَةِ فَتْحِ الألْفِ ناقِصَةٌ، وخَبَرُها "أنّا"، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ الخَبَرُ "كَيْفَ"، ويَكُونُ "أنّا" بَدَلًا مِنَ "العاقِبَةِ"، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ "كانَ" تامَّةٌ "وَأنّا" بَدَلًا مِنَ "العاقِبَةِ"، ووَقَعَ تَقْدِيرُ السُؤالِ بِـ "كَيْفَ" عن جُمْلَةِ قَوْلِهِ: ﴿كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أنّا دَمَّرْناهُمْ﴾، وقَرَأ أُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ: "أنْ دَمَّرْناهُمْ"، فَهَذِهِ تُؤَيِّدُ قِراءَةَ الفَتْحِ في "أنّا".
{"ayahs_start":48,"ayahs":["وَكَانَ فِی ٱلۡمَدِینَةِ تِسۡعَةُ رَهۡطࣲ یُفۡسِدُونَ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَلَا یُصۡلِحُونَ","قَالُوا۟ تَقَاسَمُوا۟ بِٱللَّهِ لَنُبَیِّتَنَّهُۥ وَأَهۡلَهُۥ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِیِّهِۦ مَا شَهِدۡنَا مَهۡلِكَ أَهۡلِهِۦ وَإِنَّا لَصَـٰدِقُونَ","وَمَكَرُوا۟ مَكۡرࣰا وَمَكَرۡنَا مَكۡرࣰا وَهُمۡ لَا یَشۡعُرُونَ","فَٱنظُرۡ كَیۡفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ مَكۡرِهِمۡ أَنَّا دَمَّرۡنَـٰهُمۡ وَقَوۡمَهُمۡ أَجۡمَعِینَ"],"ayah":"قَالُوا۟ تَقَاسَمُوا۟ بِٱللَّهِ لَنُبَیِّتَنَّهُۥ وَأَهۡلَهُۥ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِیِّهِۦ مَا شَهِدۡنَا مَهۡلِكَ أَهۡلِهِۦ وَإِنَّا لَصَـٰدِقُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق