الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿وَإنِّي مُرْسِلَةٌ إلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ المُرْسَلُونَ﴾ ﴿فَلَمّا جاءَ سُلَيْمانَ قالَ أتُمِدُّونَنِ بِمالٍ فَما آتانِيَ اللهُ خَيْرٌ مِمّا آتاكم بَلْ أنْتُمْ بِهَدِيَّتِكم تَفْرَحُونَ﴾ ﴿ارْجِعْ إلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهم بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهم بِها ولَنُخْرِجَنَّهم مِنها أذِلَّةً وهم صاغِرُونَ﴾ رُوِيَ أنَّ بِلْقِيسَ قالَتْ لِقَوْمِها: إنِّي أُجَرِّبُ هَذا الرَجُلَ بِهَدِيَّةٍ أُعْطِيهِ فِيها نَفائِسَ الأمْوالِ، وأُغَرِّبُ عَلَيْهِ بِأُمُورِ المَمْلَكَةِ، فَإنْ كانَ مَلِكًا دُنْياوِيّا أرْضاهُ المالُ فَعَمِلْنا مَعَهُ بِحَسَبَ ذَلِكَ، وإنْ كانَ نَبِيًّا لَمْ يُرْضِهِ المالُ، ولازَمَنا في أمْرِ الدِينِ، فَيَنْبَغِي أنْ نُؤْمِنَ بِهِ ونَتَّبِعَهُ عَلى دِينِهِ، فَبَعَثَتْ إلَيْهِ بِهَدِيَّةٍ عَظِيمَةٍ أكْثَرَ بَعْضُ الناسِ في تَفْصِيلِها، فَرَأيْتُ اخْتِصارَ ذَلِكَ لِعَدَمِ صِحَّتِهِ. واخْتَبَرَتْ عِلْمَهُ -فِيما رُوِيَ- بِأنْ بَعَثَتْ إلَيْهِ قَدَحًا فَقالَتْ لَهُ: امْلَأْهُ لِي مِمّا لَيْسَ مِنَ الأرْضِ ولا مِنَ السَماءِ، وبَعَثَتْ إلَيْهِ دُرَّةً فِيها ثُقْبُ مَخْلُوقٍ وقالَتْ: تَدْخُلُ سِلْكَها دُونَ أنْ يَقْرَبَها إنْسٌ ولا جانٌّ، وبَعَثَتْ أُخْرى غَيْرَ مَثْقُوبَةٍ وقالَتْ: يَثْقُبُ هَذِهِ غَيْرَ الإنْسِ والجِنِّ، فَمَلَأ سُلَيْمانُ عَلَيْهِ السَلامُ القَدَحَ مَن عَرَقِ الجَبَلِ، وأدْخَلَتِ السِلْكَ دُودَةً وثَقَبَتِ الدُرَّةَ أرَضَةٌ، وراجِعَ سُلَيْمانُ عَلَيْهِ السَلامُ في رَدِّ الهَدِيَّةِ بِما في الآيَةِ، وعَبَّرَ عَنِ "المُرْسَلِينَ" بِـ (جاءَ) وبِقَوْلِهِ: (ارْجِعْ) لَمّا أرادَ بِهِ "الرَسُولَ" الَّذِي يَقَعُ عَلى الجَمْعِ والإفْرادِ والتَأْنِيثِ والتَذْكِيرِ. وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ: "فَلَمّا جاؤُوا سُلَيْمانَ"، وقَرَأ "ارْجِعُوا"، ووَعِيدُ سُلَيْمانَ لَهم مُقْتَرِنٌ بِدَوُامِهِمْ عَلى الكُفْرِ، وذَكَرَ مُجاهِدٌ أيْضًا أنَّها بَعَثَتْ في هَدِيَّتِها بِعَدَدٍ كَثِيرٍ مِنَ العَبِيدِ بَيْنَ غِلْمانٍ وجَوارِي، وجَعَلَتْ زِيَّهم واحِدًا، وجَرَّبَتْهُ في التَفْرِيقِ بَيْنَهم. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: وهَذا لَيْسَ بِتَجْرِبَةٍ في مِثْلِ هَذا الأمْرِ الخَطِرِ. وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، وأبُو عَمْرُو: "أتُمِدُّونَنِي" بِنُونَيْنِ وياءٍ في الوَصْلِ، وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ، وعاصِمْ، والكِسائِيُّ: "أتُمِدُّونَنِ" بِغَيْرِ ياءٍ في وقْفٍ ووَصْلٍ، وقَرَأ حَمْزَةُ: "أتُمِدُّونِّي" بِشَدِّ النُونِ وإثْباتِ الياءِ، وقَرَأ عاصِمْ: "فَما آتانِ اللهُ" بِكَسْرِ النُونِ دُونَ ياءٍ، وقَرَأتْ (p-٥٣٨)فِرْقَةٌ: "آتانِيِ" بِياءٍ ساكِنَةٍ، وقَرَأ أبُو عَمْرُو، ونافِعٌ: "آتانِيَ" بِياءٍ مَفْتُوحَةٍ. ثُمْ تَوَعَّدَهم بِالجُنُودِ والغَلَبَةِ والإخْراجِ، والمَعْنى: إذا لَمْ يُسَلِّمُوا، وقَرَأ عَبْدُ اللهِ: [لا قِبَلَ لَهم بِهِمْ] عَلى جَمْعِ ضَمِيرِ الجُنُودِ، و"لا قِبَلَ" مَعْناهُ: لا طاقَةَ ولا مُقاوَمَةَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب