الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿فَأوحَيْنا إلى مُوسى أنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ البَحْرَ فانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كالطَوْدِ العَظِيمِ﴾ ﴿وَأزْلَفْنا ثَمَّ الآخَرِينَ﴾ ﴿وَأنْجَيْنا مُوسى ومَن مَعَهُ أجْمَعِينَ﴾ ﴿ثُمَّ أغْرَقْنا الآخَرِينَ﴾ ﴿إنَّ في ذَلِكَ لآيَةً وما كانَ أكْثَرُهم مُؤْمِنِينَ﴾ ﴿وَإنَّ رَبَّكَ لَهو العَزِيزُ الرَحِيمُ﴾ لَمّا عَظُمَ البَلاءُ عَلى بَنِي إسْرائِيلَ، أمَرَ اللهُ تَبارَكَ وتَعالى مُوسى عَلَيْهِ السَلامُ أنْ يَضْرِبَ بِعَصاهُ البَحْرَ؛ وذَلِكَ أنَّهُ عَزَّ وجَلَّ أرادَ أنْ تَكُونَ الآيَةُ مُتَّصِلَةً بِمُوسى عَلَيْهِ السَلامُ، ومُتَعَلِّقَةً بِفِعْلٍ فَعَلَهُ، وإلّا فَضَرْبُ العَصا لَيْسَ بِفالِقٍ البَحْرَ ولا مُعِينٌ عَلى ذَلِكَ بِذاتِهِ، إلّا بِما اقْتَرَنَ بِهِ مِن قُدْرَةِ اللهِ تَعالى واخْتِراعِهِ، ولَمّا انْفَلَقَ صارَ فِيهِ اثْنا عَشَرَ طَرِيقًا عَلى عَدَدِ أسْباطِ بَنِي إسْرائِيلَ، ووَقَفَ الماءُ ساكِنًا كالجَبَلِ العَظِيمِ. و"الطَوْدُ": الجَبَلُ، ورُوِيَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ والسُدِّيُّ وغَيْرِهِما أنَّ بَنِي إسْرائِيلَ ظَنَّ كُلُّ فَرِيقٍ مِنهم (p-٤٨٧)أنَّ الثانِي قَدْ غَرِقَ، فَأمَرَ اللهُ تَعالى الماءَ فَصارَ كالطِيقانِ، فَرَأى بَعْضُهم بَعْضًا فَتَأسَّوْا. "وَأزْلَفْنا" مَعْناهُ: قَرَّبْنا، وقُرِئَ بِالقافِ، ونَسَبَها أبُو الفَتْحِ إلى عَبْدِ اللهِ بْنِ الحارِثِ، وقَرَأ الحَسَنُ وأبُو حَيْوَةَ: "وَزُلِفْنا" بِغَيْرِ ألِفٍ، وذَلِكَ أنَّ فِرْعَوْنَ لَعَنَهُ اللهُ تَعالى- لَمّا وصَلَ إلى البَحْرِ وقَدْ دَخَلَهُ بَنُو إسْرائِيلَ، قِيلَ: صَمَّمَ وقالَ لِقَوْمِهِ: إنَّما انْفَلَقَ بِأمْرِي، فَدَخَلَ عَلى ذَلِكَ. وقِيلَ: بَلْ كَعَّ وهَمَّ بِالِانْصِرافِ، فَعَرَضَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَلامُ عَلى فَرَسٍ ودِيقٍ، فَمَضى وراءَها حِصانُ فِرْعَوْنَ، فَدَخَلَ عَلى نَحْوِ هَذا واتَّبَعَهُ الناسُ، ورُوِيَ أنَّ اللهَ تَعالى جَعَلَ مَلائِكَةُ تَسُوقُ قَوْمَهُ حَتّى حَصَّلُوهم في البَحْرِ. ثُمَّ إنَّ مُوسى عَلَيْهِ السَلامُ وقَوْمَهُ خَرَجُوا إلى البَرِّ مِن تِلْكَ الطُرُقِ، ولَمّا أحَسُّوا بِاتِّباعِ فِرْعَوْنَ وقَوْمِهِ فَزِعُوا مِن أنْ يَخْرُجَ وراءَهُمْ، فَهَمَّ مُوسى عَلَيْهِ السَلامُ بِخَلْطِ البَحْرِ، فَحِينَئِذٍ قِيلَ لَهُ: ﴿واتْرُكِ البَحْرَ رَهْوًا﴾ [الدخان: ٢٤]، ولَمّا تَكامَلَ جُنْدُ فِرْعَوْنَ، وهو مُقَدِّمَتُهم بِالخُرُوجِ انْطَبَقَ عَلَيْهِمُ البَحْرُ وغَرِقُوا. ودَخْلَ مُوسى عَلَيْهِ السَلامُ البَحْرَ بِالعَرْضِ وخَرَجَ في الضَفَّةِ الَّتِي دَخَلَ مِنها بَعْدَ مَسافَةٍ، وكانَ ذَلِكَ في يَوْمِ عاشُوراءَ. وقالَ النَقّاشُ: البَحْرُ الَّذِي انْفَلَقَ لِمُوسى عَلَيْهِ السَلامُ نَهْرُ النِيلِ. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: وهَذا مَرْدُودٌ إنْ شاءَ اللهُ تَعالى. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ في ذَلِكَ لآيَةً﴾ تَنْبِيهٌ عَلى مَوْضِعِ العِبْرَةِ. وقَوْلُهُ: ﴿وَإنَّ رَبَّكَ لَهو العَزِيزُ الرَحِيمُ﴾ أيْ: عَزَّ في نِقْمَتِهِ مِنَ الكُفّارِ، ورَحِمَ المُؤْمِنِينَ مِنَ الأُمَّةِ، وقَدْ مَضى كَثِيرٌ مِمّا يَلْزَمُ مِن قِصَّةِ مُوسى عَلَيْهِ السَلامُ. (p-٤٨٨)
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب