الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿فَألْقى مُوسى عَصاهُ فَإذا هي تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ﴾ ﴿فَأُلْقِيَ السَحَرَةُ ساجِدِينَ﴾ ﴿قالُوا آمَنّا بِرَبِّ العالَمِينَ﴾ ﴿رَبِّ مُوسى وهارُونَ﴾ ﴿قالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أنْ آذَنَ لَكم إنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لأُقَطِّعَنَّ أيْدِيَكم وأرْجُلَكم مِن خِلافٍ ولأُصَلِّبَنَّكم أجْمَعِينَ﴾ ﴿قالُوا لا ضَيْرَ إنّا إلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ﴾ ﴿إنّا نَطْمَعُ أنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أنْ كُنّا أوَّلَ المُؤْمِنِينَ﴾
تَقَدَّمَ في غَيْرِ هَذِهِ السُورَةِ ما ذَكَرَ الناسُ في عِظَمِ الحَيَّةِ حِينَ ألْقى مُوسى عَلَيْهِ السَلامُ عَصاهُ، وفي هَذِهِ الآيَةِ مَتْرُوكٌ كَثِيرٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ الظاهِرُ، وقَدْ ذُكِرَ في مَواضِعَ أُخَرَ، وهو خَوْفُ مُوسى عَلَيْهِ السَلامُ مِن ظُهُورِ سِحْرِهِمُ واسْتِرْهابِهِمُ لِلنّاسِ وتَخْيِيلِهِمُ في حِبِالِهِمُ وعِصِيِّهِمُ أنَّها تَسْعى بِقَصْدٍ. ثُمَّ إنَّ الحَيَّةَ الَّتِي خَلَقَ اللهُ في العَصا التَقَمَتْ تِلْكَ الحِبالَ والعِصِيَّ عن آخِرِها، وأعْدَمَها اللهُ تَعالى في جَوْفِها، وعادَتِ العَصا إلى حالِها حِينَ أخَذَ (p-٤٨١)مُوسى عَلَيْهِ السَلامُ بِالفُرْجَةِ الَّتِي كانَتْ في رَأْسِها فَأدْخَلَ يَدَهُ في فَمِها فَعادَتْ عَصًا بِإذْنِ اللهِ تَبارَكَ وتَعالى.
وقَرَأ جُمْهُورُ القُرّاءِ: "تَلَقَّفَ" بِفَتْحِ التاءِ خَفِيفَةً واللامِ وشَدِّ القافِ، وقَرَأ حَفْصٌ عن عاصِمْ: "تَلْقَفُ" بِسُكُونِ اللامِ وتَخْفِيفِ القافِ، ورَوى البَزِّيُّ وابْنُ فُلَيْحٍ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ بِشَدِّ التاءِ وفَتْحِ اللامِ وشَدِّ القافِ، ويَلْزَمُ عَلى هَذِهِ القِراءَةِ إذا ابْتَدَأ أنْ يَجْلِبَ هَمْزَةَ الوَصْلِ، وهَمْزَةُ الوَصْلِ لا تَدْخُلُ عَلى الأفْعالِ المُضارِعَةِ، كَما لا تَدْخُلُ عَلى أسْماءِ الفاعِلِينَ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ما يَأْفِكُونَ﴾ أيْ: ما يَكْذِبُونَ مَعَهُ وبِسَبَبِهِ في قَوْلِهِمْ: إنَّها مُعارَضَةُ مُوسى عَلَيْهِ السَلامُ ونَوْعٌ مِن فِعْلِهِ، والإفْكُ: الكَذِبُ.
ثُمَّ إنَّ السَحَرَةَ لَمّا رَأوُا العَصا خالِيَةً مِن صَنْعَةِ السِحْرِ، ورَأوا فِيها بَعْدُ مِن أمْرِ اللهِ تَعالى ما أيْقَنُوا أنَّهُ لَيْسَ في قُوَّةِ البَشَرِ أذْعَنُوا، ورَأوا أنَّ الغَنِيمَةَ هي الإيمانُ والتَمَسُّكُ بِأمْرِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، فَسَجَدُوا كُلُّهُمُ لِلَّهِ تَعالى مُقِرِّينَ بِوَحْدانِيَّتِهِ وقُدْرَتِهِ، ووَصَلُوا إلى إيمانِهِمُ بِسَبَبِ مُوسى وهارُونَ عَلَيْهِما السَلامُ، وصَرَّحُوا بِأنَّ ذَلِكَ عَلى أيْدِيهِما؛ لِأنَّ قَوْلَهُمْ: ﴿بِرَبِّ العالَمِينَ﴾ يَعْنِي ذَلِكَ، فَلَمْ يُكَرِّرُوا البَيانَ في قَوْلِهِمْ: ﴿رَبِّ مُوسى وهارُونَ﴾ إلّا لِما ذَكَرْناهُ.
فَلَمّا رَأى فِرْعَوْنُ والمَلَأُ إيمانَ السَحَرَةِ، وقامَتِ الحُجَّةُ بِإيمانِ أهْلِ عِلْمِهِمُ ومَظِنَّةِ نُصْرَتِهِمْ، وقَعَ فِرْعَوْنُ لَعَنَهُ اللهُ- في الوَرْطَةِ العُظْمى، فَرَجَعَ إلى السَحَرَةِ بِهَذِهِ الحُجَّةِ الأُخْرى، فَوَقَفَهُمُ مُوَبِّخًا لَهُمُ عَلى إيمانِهِمُ بِمُوسى قَبْلَ إذْنِهِ، وفي هِذِهِ اللَفْظَةِ مُقارَبَةٌ عَظِيمَةٌ؛ لِأنَّ أحَدَ احْتِمالاتِها أنَّهُمُ لَوْ طَلَبُوا إذْنَهُ في ذَلِكَ أذِنَ. ثُمَّ تَوَعَدَّهُمُ بِقَطْعِ الأيْدِي والأرْجُلِ مِن خِلافٍ، وبِالصَلْبِ في جُذُوعِ النَخْلِ، فَقالُوا لَهُ: "لا ضَيْرَ" أيْ: لا يَضِيرُنا ذَلِكَ مَعَ انْقِلابِنا إلى مَغْفِرَةِ اللهِ تَعالى ورِضْوانِهِ، ورُوِيَ أنَّهُ أنْفَذَ فِيهِمُ ذَلِكَ (p-٤٨٢)الوَعِيدَ وصَلَبَهُمُ عَلى النِيلِ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: أصْبَحُوا سَحَرَةً وأمْسَوْا شُهَداءَ، وقَوُلْهُمْ: ﴿أنْ كُنّا أوَّلَ المُؤْمِنِينَ﴾ يُرِيدُ: مِنَ القِبْطِ وصَنِيعَتِهِمْ، وإلّا فَقَدْ كانَتْ بَنُو إسْرائِيلَ آمَنَتْ، وقَرَأ الناسُ: "أنّا" بِفَتْحِ الألِفِ، وقَرَأ أبانُ بْنُ تَغْلِبَ: "إنّا" بِكَسْرِ الألِفِ بِمَعْنى أنَّ طَمَعَهُمُ إنَّما هو بِهَذا الشَرْطِ.
{"ayahs_start":45,"ayahs":["فَأَلۡقَىٰ مُوسَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِیَ تَلۡقَفُ مَا یَأۡفِكُونَ","فَأُلۡقِیَ ٱلسَّحَرَةُ سَـٰجِدِینَ","قَالُوۤا۟ ءَامَنَّا بِرَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ","رَبِّ مُوسَىٰ وَهَـٰرُونَ","قَالَ ءَامَنتُمۡ لَهُۥ قَبۡلَ أَنۡ ءَاذَنَ لَكُمۡۖ إِنَّهُۥ لَكَبِیرُكُمُ ٱلَّذِی عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحۡرَ فَلَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَۚ لَأُقَطِّعَنَّ أَیۡدِیَكُمۡ وَأَرۡجُلَكُم مِّنۡ خِلَـٰفࣲ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمۡ أَجۡمَعِینَ","قَالُوا۟ لَا ضَیۡرَۖ إِنَّاۤ إِلَىٰ رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ","إِنَّا نَطۡمَعُ أَن یَغۡفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَـٰیَـٰنَاۤ أَن كُنَّاۤ أَوَّلَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ"],"ayah":"فَأُلۡقِیَ ٱلسَّحَرَةُ سَـٰجِدِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق