الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿قالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إلَهًا غَيْرِي لأجْعَلَنَّكَ مِنَ المَسْجُونِينَ﴾ ﴿قالَ أوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ﴾ ﴿قالَ فَأْتِ بِهِ إنْ كُنْتَ مِنَ الصادِقِينَ﴾ ﴿فَألْقى عَصاهُ فَإذا هي ثُعْبانٌ مُبِينٌ﴾ ﴿وَنَزَعَ يَدَهُ فَإذا هي بَيْضاءُ لِلنّاظِرِينَ﴾ ﴿قالَ لِلْمَلإ حَوْلَهُ إنَّ هَذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ﴾ ﴿يُرِيدُ أنْ يُخْرِجَكم مِن أرْضِكم بِسِحْرِهِ فَماذا تَأْمُرُونَ﴾ ﴿قالُوا أرْجِهْ وأخاهُ وابْعَثْ في المَدائِنِ حاشِرِينَ﴾ ﴿يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحّارٍ عَلِيمٍ﴾ لَمّا انْقَطَعَ فِرْعَوْنُ لَعَنَهُ اللهُ- في بابِ الحُجَّةِ رَجَعَ إلى الِاسْتِعْلاءِ والتَغَلُّبِ، وهَذا أبْيَنُ عَلاماتِ الِانْقِطاعِ، فَتَوَعَّدَ مُوسى عَلَيْهِ السَلامُ حِينَ أعْياهُ خِطابُهُ، وفي تَوَعُّدِهِ بِالسَجْنِ ضَعْفٌ؛ لِأنَّهُ خارَتْ طِباعُهُ مَعَهُ، وكاَنَ -فِيما رُوِيَ- يَفْزَعُ مِنهُ فَزَعًا شَدِيدًا حَتّى كانَ لا يُمْسِكُ بَوْلَهُ. ورُوِيَ أنَّ سِجْنَهُ كانَ أشَدَّ مِنَ القَتْلِ؛ إذْ كانَ في مُطْبِقٍ مِنَ الأرْضِ لا يَنْطَلِقُ مِنهُ أبَدًا، وكاَنَ مَخُوفًا. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: وهَذِهِ نَزْعَةُ دارِ [... ] إلى اليَوْمِ. وكانَ عِنْدَ مُوسى عَلَيْهِ السَلامُ مِن أمْرِ اللهِ تَبارَكَ وتَعالى ما لا يُرَوِّعُهُ مَعَهُ تَوَعُّدُ فِرْعَوْنَ، فَقالَ لَهُ مُوسى عَلى جِهَةِ التَلْطِفِ والطَمَعِ في إيمانِهِ: ﴿أوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ﴾ يَتَّضِحُ لَكَ مَعَهُ صِدْقِي؟ أفَكُنْتَ تَسْجِنُنِي؟ فَلَمّا سَمِعَ فِرْعَوْنُ ذَلِكَ طَمِعَ أنْ يَجِدَ أثْناءَهُ مَوْضِعَ مُعارَضَةٍ، فَقالَ لَهُ: ﴿فَأْتِ بِهِ إنْ كُنْتَ مِنَ الصادِقِينَ﴾ ﴿فَألْقى عَصاهُ﴾ مِن يَدِهِ، وكانَتْ مِن عِصِيِّ الجَنَّةِ، وكانَتْ عَصى آدَمَ عَلَيْهِ السَلامُ، ويُرْوى أنَّها كانَتْ مِن ورَقَةِ الرَيْحانِ، وكانَتْ عِنْدَ شُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَلامُ في جُمْلَةِ عِصِيِّ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَلامُ فَأعْطاها لِمُوسى عَلَيْهِ السَلامُ عِنْدَ رِعايَتِهِ لَهُ الغَنَمَ عَلى صُورَةٍ قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُها دَلَّتْ (p-٤٧٩)عَلى نُبُوَّةِ مُوسى، وكانَ لَها في رَأْسِها شِعْبَتانِ، فَثَمَّ كانَ فَمُّ الحَيَّةِ. والثُعْبانُ أعْظَمُ ما يَكُونُ مِنَ الحَيّاتِ، وقَدْ ذَكَرْنا فِيما تَقَدَّمَ ما رُوِيَ في عِظَمِ الحَيّاتِ وغَيْرَ ذَلِكَ مِن قَصَصِ هَذِهِ الآيَةِ. ونَزَعَ مُوسى عَلَيْهِ السَلامُ يَدَهُ مِن جَيْبِهِ فَإذا هي تَتَلَأْلَأُ كَأنَّها قِطْعَةٌ مِنَ الشَمْسِ، فَلَمّا رَأى فِرْعَوْنُ ذَلِكَ هالَهُ، ولَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ مَدْفَعٌ، غَيْرَ أنَّهُ فَزِعَ إلى رَمْيِهِ بِالسِحْرِ، وطَمِعَ -لِعُلُّوِ عِلْمِ السِحْرِ في ذَلِكَ الوَقْتِ وكَثْرَتِهِ- أنْ يَكُونَ فِيهِ سَبَبٌ لِمُقاوَمَةِ مُوسى عَلَيْهِ السَلامُ، فَأوهَمَ قَوْمَهُ وأتْباعَهُ أنَّ مُوسى عَلَيْهِ السَلامُ ساحِرٌ، وانْتَصَبَ "حَوْلَهُ" عَلى الظَرْفِ وهو في مَوْضِعِ الحالِ، أيْ: كائِنَيْنِ حَوْلَهُ، فالعامِلُ فِيهِ مَحْذُوفٌ، والعامِلُ هو الحالُ حَقِيقَةً، والناصِبُ لَهُ "قالَ" لِأنَّهُ هو العامِلُ في ذِي الحالِ بِواسِطَةِ لامِ الجَرِّ، نَحْوُ مَرَرْتُ بِهِنْدَ ضاحِكَةً. ثُمَّ اسْتَشارَهُمُ في أمْرِهِ وأغْراهُمُ بِهِ في قَوْلِهِ: ﴿يُرِيدُ أنْ يُخْرِجَكم مِن أرْضِكم بِسِحْرِهِ﴾، فَأشارُوا عَلَيْهِ بِتَأْخِيرِ أمْرِهِ وأمْرِ أخِيهِ وجَمْعِ السَحَرَةِ لِمُقاوَمَتِهِ، ورُوِيَ أنَّهُمُ أشارُوا بِسَجْنِهِ، وهو كانَ الإرْجاءَ عِنْدَهُمْ، و"الإرْجاءُ": التَأْخِيرُ، ولَمْ يُشِيرُوا بِقَتْلِهِ لِأنَّ حُجَّتَهُ نَيِّرَةٌ وضَلالَتُهُمُ في رُبُوبِيَّةِ فِرْعَوْنَ مُبَيِّنَةٌ، فَخَشُوُا الفِتْنَةَ، وطَمِعُوا أنْ يَغْلِبَ بِحُجَّةٍ تُقْنِعُ العَوامِّ. و"الحاشِرُ": الجامِعُ. وقَرَأ نافِعٌ، وأبُو عَمْرٍو، وعاصِمْ: "بِكُلِّ سَحّارٍ"، وهو بِناءُ لِلْمُبالَغَةِ، وقَرَأ عاصِمٌ أيْضًا والأعْمَشُ: "بِكُلِّ ساحِرٍ".
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب